أنواع النسيان في القرآن الكريم
أنواع النسيان في القرآن الكريم
لقد تطرّق القرآن الكريم إلى لفظ النسيان في مواضع كثيرة، ورأى أهل العلم أنّ النسيان في القرآن الكريم على نوعين؛ بيانهما كما يأتي:
النسيان الحقيقي
وهو النسيان الذي لا بد للإنسان فيه، وإنما هو طبيعة بشرية تحصل للإنسان رغماً عنه، وقد تناول القرآن الكريم هذا النوع بإحدى الصور الثلاثة الآتية:
- صورة النفي
فقد نفى القرآن الكريم صفة النسيان عن الله -عز وجل- على الإطلاق؛ بمعنى أن تلك الصفة غير موجودة في الله -عز وجل- من الأساس، قال -تعالى-: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا).
وقد ورد في القرآن الكريم آية قد يشكل على الناس فهمها؛ بعد نفي النسيان عن الله -عز وجل- وهي: (نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ)، والمقصود بالنسيان في هذه الآية هو الترك؛ أي أنّهم تركوا طاعة الله -عز وجل-، فتركهم من رحمته وتوفيقه.
كما نفى القرآن الكريم النسيان عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- في كلّ ما يختصّ بالوحي ؛ فلن تغلب الطبيعة البشرية على رسول الله في مجال تبليغ الوحي والرسالة، قال -تعالى-: (سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى).
كما نفى القرآن الكريم النسيان عن اللوح المحفوظ؛ المكتوب فيه أقدار العباد وأعمالهم، قال -تعالى-: (قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى)، كما يمكن أن تُلحق هذه الآية بنفي النسيان عن الله -تعالى- أيضاً.
- صورة الدعاء والالتماس
وذلك جليٌّ في قوله -تعالى-: (رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا)، فيدعو المسلم ويتضرّع بالطلب إلى الله -عز وجل-؛ أن لا يؤاخذه بما بدر منه؛ جرّاء نسيانه وتقصيره بسبب طبيعته البشرية هذه.
كما تظهر هذه الصورة في طلب موسى -عليه السلام- من العبد الصالح ؛ أن يلتمس له العذر وأن لا يؤاخذه بنسيانه ما طلب منه؛ من عدم الاعتراض على ما يقوم بفعله العبد الصالح، قال -تعالى-: (قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا).
النسيان المقصود
وهو نسيان الغفلة عن الواجب، وإهمال ما فُرِض عليه، وهو الأكثر وروداً في القرآن الكريم، وسبب ذلك عائدٌ على أنه ظاهرة مرضية بحاجة إلى علاج وتقويم، ليصل الإنسان إلى طريق النجاة، ولكي يفوز بسعادة الدَّارَين .
ومن الآيات القرآنية التي تناولت هذا النوع ما يأتي:
- قوله -تعالى-: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ).
- قوله -تعالى-: (فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ).
- قوله -تعالى-: (لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ).
مفهوم النسيان
النسيان لغةً من نَسِيَ، ونسي الأمر أي فقد ذكره، ولم يعد يتذكّره، وعكس النسيان الحفظ أو الذكر. والنسيان هو ظاهرة بشرية طبيعية تحصل مع الإنسان، وقد رأى بعض العلماء أن كلمة "الإنسان" مشتقة من النسيان.
وقال بعضهم أنّ أصلها من الأُنس وليس النسيان، كما يرى بعض علماء النفس أنّ لذاكرة الإنسان قدرة معيّنة على الحفظ؛ فيأتي عليها وقت تشبع فيه، ويصبح من اللازم أن يتخلّص مما لا يلزمه؛ ليحتفظ بالأمور المهمة.