أنواع النسخ في القرآن الكريم
أنواع النسخ في القرآن الكريم
يُعرّف النسخ في القرآن الكريم بأنّه أحد العلوم المتعلقة بالقرآن الكريم ، ويقصد به رفع حكم شرعيّ متأخر بحكم آخر متقدم، وللنسخ في القرآن الكريم عدة أنواع، وأمّا أنواع النسخ في القرآن الكريم فهي ما يأتي:
نسخ الحكم والتلاوة
وهو رفع حكم شرعيّ ورد في آية في القرآن الكريم بتلاوته ومضمونه؛ ومثال ذلك نسخ حكم العشر رضعات للتحريم حيث روت عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- عن النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم-: (كانَ فِيما أُنْزِلَ مِنَ القُرْآنِ: عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ، ثُمَّ نُسِخْنَ بخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ، فَتُوُفِّيَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ وَهُنَّ فِيما يُقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ)، ودل الحديث على نسخ الحكم، وأمّا نسخ التلاوة فمع أنّ الظاهر هو بقاء التلاوة إلاَّ أنّه غير موجود في المصحف العثماني، وذلك لأنّ التلاوة نُسخت ولم يبلغ الناس ذلك إلا بعد وفاة النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم-، فلما توفي كان لا يزال بعض الناس يقرؤونها.
نسخ الحكم وبقاء التلاوة
وهو رفع الحكم الشرعيِّ الذي ورد في آية من آيات كتاب الله تعالى مع بقاء لفظه وتلاوته فيه، ومثال ذلك نسخ الحكم الذي ورد في آية العدة بالحول مع بقاء تلاوتها في القرآن الكريم، وهذا النوع من النسخ هو الذي كان محلّ اهتمام العلماء حيث وضع فيه العديد من المؤلفّات، مع أنّ الآيات التي تضمنت هذا النوع من النسخ تُعد قليلة، وأمّا الحكمة من رفع الحكم وبقاء التلاوة فيتلخص ذلك في سبيين وهما ما يأتي:
- أن القرآن الكريم تتم تلاوته لأسباب عديدة منها معرفة الأحكام الشرعية والعمل بها، ومن ذلك أيضًا تلاوته لأنّه كلام الله تعالى الذي يُثاب قارئه، وذلك سبب بقاء التلاوة لوجود هذه الحكمة من تلاوته.
- أن نسخ القرآن الكريم يكون غالبًا لتخفيف الحكم الشرعيِّ، فأُبقيت التلاوة للتذكير بنعم الله تعالى على العباد في رفع المشقة عنهم.
نسخ التلاوة وبقاء الحكم
وهو رفع التلاوة للآية التي تضمنت الحكم الشرعيِّ، وبقاء الحكم والعمل به، ومثال ذلك في كتاب الله تعالى آية الرجم؛ وهي: { الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله، والله عزيز حكيم} فرُفعت هذه التلاوة، ولا توجد في المصاحف العثمانية الآن إلا أن الحكم الشرعي لا زال قائمًا، ويؤخذ به، ومنه أيضًا ما رواه أنس بن مالك -رضي الله عنه- في قصة أصحاب بئر معونة، الذين قتلوا عددًا من المسلمين وجلس رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- يدعوا على القتلة في القنوت من كل ليلة فنزل فيه قرآنًا تمّ نسخه، وقد روى أنس بن مالك -رضي الله عنه- ذلك حيث قال: "فَبَلَغَ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَقَنَتَ شَهْرًا يَدْعُو في الصُّبْحِ علَى أحْيَاءٍ مِن أحْيَاءِ العَرَبِ، علَى رِعْلٍ، وذَكْوَانَ، وعُصَيَّةَ، وبَنِي لَحْيَانَ قَالَ أنَسٌ: فَقَرَأْنَا فيهم قُرْآنًا، ثُمَّ إنَّ ذلكَ رُفِعَ: بَلِّغُوا عَنَّا قَوْمَنَا أنَّا لَقِينَا رَبَّنَا فَرَضِيَ عَنَّا وأَرْضَانَا"، فنُسخت تلاوة هذه الآية وبقي حكمها قائمًا.
رأي العلماء في نسخ التلاوة وبقاء الحكم
وقد أنكر بعض العلماء هذا النوع من النسخ؛ لكونه قد نُسخ بخبر آحاد، ولا يجوز القطع على نسخ خبر في القرآن الكريم أو إنزال آية فيه عن طريق خبر الآحاد، وقد قال ابن الحصار: "إنما يرجع في النسخ إلى نقل صريح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو عن صحابي يقول: آية كذا نسخت كذا، قال: وقد يحكم به عند وجود التعارض المقطوع به مع علم التاريخ ليعرف المتقدم والمتأخر"، وقال أيضًا: "لا يعتمد في النسخ على قول عوام المفسرين، بل ولا اجتهاد المجتهدين من غير نقل صريح، ولا معارضة بينة، لأن النسخ يتضمن رفع حكم وإثبات حكم تقرر في عهده -صلى الله عليه وسلم- والمعتمد فيه النقل والتاريخ دون الرأي والاجتهاد".
الحكمة من النسخ في القرآن الكريم
جعل الله تعالى من وجود النسخ في القرآن الكريم العديد من الحكم التي لا يحصيها إلا هو، والحكمة من النسخ في القرآن الكريم قد تتلخص فيما يأتي:
- تحقيق مصالح العباد ومراعاة أحوالهم.
- تطور تشريع الأحكام الشرعيّة بتغير أحوال المُكلفين وتطورها.
- اختبار المُكلفين وابتلائهم لمعرفة مدى قدراتهم على الانقياد والامتثال لأمر الله من عدمه.
- التيسير على الأمة الإسلامية وإرادة الخير لها، والتخفيف عليها لأنّ النسخ إذا كان للتخفيف في الحكم الشرعي ففي ذلك يسر وسهولة على المُكلفين، وإن كان فيه مشقة وزيادة؛ فهو زيادة أجر وثواب.