أنواع الشهداء
الشّهادة في سبيل الله
تُعرف الشهادة في سبيل الله على أنها موت المسلم خلال جهاد الكفار بسبب من أسباب قتالهم قبل انتهاء الحرب، كالذي يقتله كافر، أو يقتله مسلم خطأً، أو يرتد عليه سلاحه فيقتله، أو يسقط من مرتفع فيموت، أو ترفسه دابته فيموت، أو يقتله مسلم باغٍ استعان به أهل الحرب. وقد اختُلف في سبب تسمية الشهيد بهذا الاسم، حيث قيل إنه سُمي بالشهيد لأن ملائكة الرحمة تشهده، وقيل لأنه يُستشهد يوم القيامة على الأمم السابقة، وقيل بل لأن الله تعالى وملائكته -عليهم السلام- قد شهدوا له بالجنة، وقيل لأنه حي حاضر يشهد ما أعد الله له من النعيم، وقيل لأنه عند قتله يسقط على الشاهدة وهي الأرض، ومن الجدير بالذكر أن للشهيد مكانة رفيعة وفضلاً عظيماً في الإسلام، ومما يدل على ذلك تمني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الشهادة في سبيل الله حيث قال: (والذي نفسي بيدِه، وددتُ أني أقاتلُ في سبيلِ اللهِ فأُقْتَلُ، ثم أُحْيا ثم أُقْتَلُ، ثم أُحْيا ثم أُقتلُ، ثم أُحيا ثم أُقتلُ، ثم أحيا)، بالإضافة إلى أن الشهداء لا يُفتنون في قبورهم مصداقاً لما روي عن رجلٍ من الصحابة -رضي الله عنهم- أنه قال للنبي عليه الصلاة والسلام: (يا رسولَ اللهِ ما بالُ المؤمنين يُفتنون في قبورِهم إلَّا الشَّهيدَ)، فقال: (كفَى ببارقةِ السُّيوفِ على رأسِه فتنةً)، ومن فضائل الشهيد في الدنيا أنه لا يشعر بالألم عند الموت مصداقاً لما رواه أبو هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (ما يجدُ الشَّهيدُ من مسِّ القتلِ إلَّا كما يجدُ أحدُكُم من مَسِّ القرصةِ)، ومن فضائله في الآخرة أن الله عز وجل أعد له مئة درجة بين كل درجة ودرجة كما بين السماء والأرض مصداقاً لما ورد في الحديث الذي رواه أبو هريرة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (إنَّ في الجنَّةِ مئةَ درجةٍ، أعدَّها اللهُ للمجاهدين في سبيلِ اللهِ، ما بين الدَّرجتَيْن كما بين السَّماءِ والأرضِ).
أنواع الشّهداء
هناك أنواع من الشهداء يختلف كل نوع عن الآخر، وفيما يأتي بيانها:
- شهيد الدنيا: وهو الذي يُعامل في الدنيا معاملة الشهيد، وتجري عليه أحكام الشهداء فلا يُغسل ولا يُكفن، ولكنه عند الله تعالى ليس بشهيد، بل أعد الله له العقوبة التي يستحق جزاءً لخبث طويته، ويرجع السبب في ذلك إلى سوء نيته، فعلى الرغم من قتاله الكفار في المعارك، إلا أن نيته من القتال كانت رياء الناس، وحب السمعة، أو تحقيق مصلحة من مصالح الدنيا، كما ورد في الحديث الصحيح الذي رواه أبو هريرة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (إنَّ أولَ الناسِ يُقضى يومَ القيامَةِ عليه رجُلٌ استُشهِد فأتى به فعرَّفه نِعَمَه فعرَفها، قال: فما عمِلتَ فيها؟ قال: قاتَلتُ فِيكَ حتى استُشهِدتُ. قال: كذَبتَ. ولكنَّكَ قاتَلتَ لِأَنْ يُقالَ جَريءٌ، فقد قيل، ثم أمَر به فسُحِب على وجهِه حتى أُلقِيَ في النارِ).
- شهيد الآخرة: وهو الذي لا يعامل في الدنيا معاملة الشهيد، ولا تجري عليه أحكام الشهداء فيُغسل، ويُكفن، ويُصلى عليه، ولكنه يُعطى يوم القيامة أجر الشهيد، وثمة عدد من أصناف شهداء الآخرة منهم الميت بداء البطن أو الغرق، أو الطاعون، أو المقتول ظلماً مصداقاً لما روي عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (الشُّهَداءُ خمسةٌ: المَطعونُ، والمَبطونُ، والغَريقُ، وصاحبُ الهدمِ، والشهيدُ في سبيلِ اللهِ)، وما رواه أنس بن مالك -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (الطَّاعونُ شَهادةٌ لِكُلِّ مسلِمٍ)، بالإضافة إلى ما روي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (من قاتل دون مالِه، فقُتل فهو شهيدٌ، ومن قاتل دونَ دمِه، فهو شهيدٌ، ومن قاتل دونَ أهلِه، فهو شهيدٌ).
- شهيد الدنيا والآخرة: وهو الذي يُقتل في سبيل الله مقبلاً غير مدبر، مخلصاً النية لله تعالى لا لمصلحة من مصالح الدنيا، وقد ذُكر هذ النوع من الشهداء في الحديث النبوي حيث روي عن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- أنه قال: (جاء رجلٌ إلى النبيِّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- فقال: الرجلُ يُقاتِلُ للمَغنَمِ، والرجلُ يُقاتِلُ للذِّكرِ، والرجلُ يُقاتِلُ ليُرَى مكانُهُ، فمن في سَبيلِ اللَّهِ؟ قال: (من قاتَلَ لتَكونَ كلمَةُ اللَّهِ هي العُليا، فهو في سَبيلِ اللَّهِ).
أحكام الشهيد
إن موت الشهيد ليس حياة له وحده فقط، بل حياة للأمة من بعده، كيف لا وقد بذلوا أثمن ما يملكون وهي أرواحهم لنصرة هذه الأمة ورفعة الإسلام ، وسطروا صفحات التاريخ بمداد من ذهب، حتى كان يقول أبو بكر -رضي الله- عنه لمسيلمة الكذاب جئتك بقوم يحبون الموت كما تحبون الحياة، ولذلك فإن منزلة الشهيد في الإسلام منزلة عظيمة أعد الله تعالى لأصحابها الآجر العظيم في الآخرة، وميزهم بعدد من الأحكام في الدنيا، ومنها:
- الشهيد لا يُغسل: وهو رأي جمهور العلماء، وثمة الكثير من الأدلة على ذلك ومنها ما رواه ابن عباس عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه أمر بقتلى أحد أن يُنزع عنهم الحديد والجلود، ويدفنوا بدمائهم وثيابهم.
- الشهيد لا يُكفن: إذ يجب دفن الشهيد بثيابه التي قُتل فيها، ولا يجوز أن يُجرد منها، لما روي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال يوم أحد: (زمِّلوهم في ثيابهم)، وإنما يُستحب تكفينه بثوب واحد فوق ثيابه كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- مع حمزة بن عبد المطلب، ومصعب بن عمير رضي الله عنهما.
- الصلاة على الشهيد: إذ تصح الصلاة على الشهيد، أو عدم الصلاة عليه، لأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلى على جماعةٍ من الشهداء، وترك الصلاة على جماعةٍ أخرى.