يمكرون والله خير الماكرين
ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين
هذه العبارة هي آية كريمة وردت في سورة الأنفال في القرآن الكريم، وهي الآية رقم ثلاثون في السورة، يقول الله -سبحانه وتعالى-: (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ)،وسنتعرف من خلال العناوين الآتية على أهم ما يتعلق بهذه الآية الكريمة.
سبب نزول آية (ويمكرون ويمكر الله)
نزلت هذه الآية الكريمة في النبي -صلى الله عليه وسلم-، حيث إن قريش تآمرت عليه في دار الندوة، حيث اجتمعوا يريدون المشاورة حول ما سوف يفعلونه بالرسول الكريم -عليه الصلاة والسلام-، فاقترح عمرو بن هشام أن يتم تقييده وحبسه في بيت والتربص به، واقترح أبو البختري أن يخرجوه ويطردوه بعيدًا عنهم؛ ليستريحوا من أذاه كما يزعمون.
بينما اعترض أبو جهل على هذا كله، وقال إنه ليس برأي سديد، وإنما الرأي السديد أن يجمعوا من كل قبيلة رجلًا، ويضربوه بأسيافهم ضربة رجل واحد، فيتفرق دمه بين القبائل ويقبل أهله بالدية، إلا أن الله -تعالى- أعلم نبيه الكريم -عليه الصلاة والسلام- بذلك، فخرج مهاجرًا من أذاهم إلى المدينة.
معنى آية (ويمكرون ويمكر الله)
يبيّن الله -سبحانه وتعالى- كمال حفظه ورعايته للنبي -عليه أفضل الصلوات والتسليم- في هذه الآية الكريمة، حيث إن قريشًا أرادو أن يمكروا للنبي الكريم -عليه الصلاة والسلام- مكرَ شر؛ ليتخلصوا منه ويتخلصوا من دعوة الإسلام، وذلك بأن يقتلوه أو يطردوه خارج مكة أو أن يقيدوه ويحبسوه.
إلا أن مكرهم هذا لم يحصل؛ ذلك لأنّ الله -تعالى- مكر للرسول -عليه السلام- بكيده المتين فخلصه منهم بأن أمره بالهجرة إلى المدينة، وقيل إن المراد من مكر الله لهم هنا إخراجهم من مكة ومقتلهم في معركة بدر بعد هجرة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وبهذا فإن الله -تعالى- دبر لنبيه -عليه السلام أحسن تدبير، وحماه ممن مكروا له.
معنى مكر الله سبحانه وتعالى
إن إطلاق لفظ المكر في أصله يعبر عن صفة نقص في الشخص الماكر، كمكر قريش للنبي -صلى الله عليه وسلم- فهي صفة نقص فيهم؛ لأن الدافع على المكر هو الحقد البشريّ على الدين والدعوة الإسلامية؛ مما دفعهم لمحاولة التخلص منها بأي طريقة كانت.
أما المكر بإضافته إلى الله -سبحانه وتعالى-؛ فإنه يعتبر صفة كمال إذا قيّد بأن كان بالمقابلة؛ لأنها حينئذ تحمل معاني العزة والقوة والقدرة والقهر، لذا فإن مكر الله من الصفات التي تطلق على وجه التقييد، فالله يمكر بأعداء رسله، ويمكر بأعدائه، ويمكر بمن يمكر بأوليائه ونحو ذلك؛ لأن الله منزه عن المكر المطلق.
فإن المكر هنا معناه إظهار قوة الله وغلبته وجبروته في دفاعه عن نبيه -صلى الله عليه وسلم- أمام أعدائه الذين كانوا يمكرون به، بأن جعل ما يمكرون إليه يرتد إلى نحورهم، ولم يمكنهم من أذية نبيه الكريم -صلى الله عليه وسلم-، وهذا من كمال قوة الله وغلبته.
الأمن من مكر الله سبحانه وتعالى
إن مما ينبغي على المسلم أن يتجنبه هو الأمن من مكر الله -سبحانه وتعالى-، فالأصل في الأمن من المكر هو ترك الخوف من الله -تعالى-، والخوف عبادة قلبية؛ فإن العبد إذا خاف الله -تعالى- سيسعى في مرضاته، وترك ما يغضبه، والابتعاد عما نهى عنه.
كما أن الخوف يكون عبادة بأنه يقرب العبد من الله -تعالى-، لذا فإن الأمن من مكر الله يعني أن يتهاون العبد في محارم الله، ولا يجتنب نواهيه، وقد يؤذي أولياءه، وكل ذلك لأنه غفل عن فهم صفات الله مثل: الجبار والقهار وغير ذلك، فظنّ أنه في أمان من العذاب رغم تجبره في الأرض، فلا ينبغي أن يأمن مكر الله وعذابه.