ومن اياته ان خلق لكم
تفسير الآية الكريمة
يقول الله -تعالى- في سياق الامتنان على عباده في سورة الروم: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)، وفيما يأتي بيان المقصود من هذه الآية الكريمة.
(وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا)
قال -تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا)، وفيما يأتي بيان المعاني الواردة في هذه الآية:
- من آياته: أي آياته الدالة على رحمته وعنايته بعباده وحكمته العظيمة.
- خلق لكم من أنفسكم أزواجًا: أي أنّ الله خلق حواء من ضلع آدم، والنساء بعدها من أصلاب الرجال.
والمقصود أنّ الله بحكمته ورحمته خلق للناس أزواجًا من أنفسهم؛ فحواء قد خلقت من آدم كما أخبر الله ثم إن الأزواج وما تناسل بعد آدم، وحواء إنما هم من جنس واحد؛ فالنساء من جنس الرجال حيث يجمعهم العنصر البشري، وذلك يحصل به من الإلف، والسكن ما لا يحصل بحال من الأحوال فيما لو اختلفت الأجناس.
(لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا)
السكن، والسكون يدل على معانٍ من الهدوء، الطمأنينة، الراحة؛ وفي هذا بيان لعلة خلقهم على هذه الطريقة؛ خلق لكم من جنسكم أزواجا، لتسكنوا إليها، ويميل بعضكم إلى بعض، فإن الجنس إلى الجنس أميل، والنوع إلى النوع أكثر ائتلافًا وانسجامًا.
(أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا)، ولم يقل: لتسكنوا معها، فهو دليلٌ على أنّ الزواجَ سكنٌ واستقرار وهَدأة وراحةُ بال، ومِن هنا جاءت أهمّيّة الزواج في الإسلام والعِنايةُ بالأسرة، فرغَّب الشرع في الزواجِ وحثَّ على تيسيرهِ وتسهيلِ طريقه.
(وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً)
والمقصود أن الله جعل بين الأزواج وداداً وترحماً بسبب عصمة النكاح يعطف به بعضكم على بعض، فلقد بيَّن الله -تعالى- في هذه الآية الكريمة، أنّ الأصل في العلاقة بين الزوجين، هو المودّة والرحمة.
وقال مجاهد: المودة؛ الجماع، والرحمة؛ الولد، وبه قال الحسن وابن عباس، وقال السدي: المودة؛ المحبة، والرحمة: الشفقة وقيل: المودة حب الرجل امرأته، والرحمة رحمته إياها من أن يصيبها بسوء.
ومن دقة اللفظ القرآني (مَوَدَّةً وَرَحْمَةً)، لأن المودة والرحمة هي مفتاح البيوت، والمودة والرحمة تشتمل على الحب، أما الحب فليس بالضرورة أن يشتمل على المودة والرحمة.
(إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)
ثم ختم هذه الآية بقوله: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)،هذه القضية تحتاج إلى تفكر، وإلى إعمال ذهن، ومجال التفكر في حكمة الله ورحمته وآياته التي جعلها للناس.
وفيها إرشاد بأن الإنسان الذي يتفكر هو من يعقل هذه الآية من آيات الله سبحانه، وهو الذي يدرك أن سبب خلق الله الأنثى للذكر هو حاجة الذكر لذلك، وحاجة الأنثى لذلك، وحاجة المجتمع والأرض لذلك؛ إذ لابد من الزواج حتى يتناسل الخلق ويعمروا هذه الأرض ويعبدوا الله سبحانه وتعالى.
الدروس المستفادة من الآية الكريمة
ومما ترشد إليه الآية الكريمة ما يلي:
- الخلق والإبداع دليل على وحدانية الله -تعالى-.
- بنو آدم بعضهم من بعض.
- الزواج سكن للأزواج، وراحة من كل اضطراب.
- أساس العلاقة بين الأزواج المودة والرحمة.
- وجوب التدبر في آيات الله -تعالى-.