وقت قيام الليل بالضبط
وقت قيام الليل
تحديد وقت قيام الليل
وقت قيام الليل غير مقيّدٍ، إذ إنّه متّسعٌ؛ مثل وقت صلاة الوتر ، وصلاة التراويح ، إذ يبدأ وقت قيام الليل من بعد صلاة العشاء، وينتهي بطلوع الفجر؛ فيجوز أن تكون صلاة قيام الليل في أوّل الليل، أو وسطه، أو آخره، فقد أدّى النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- قيام الليل في كلّ تلك الأوقات، وقال أنس بن مالك -رضي الله عنه-: (ما كنَّا نشاءُ أن نرى رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في اللَّيلِ مصلِّيًا إلاَّ رأيناهُ ولاَ نشاءُ أن نراهُ نائمًا إلاَّ رأيناه).
أفضل أوقات قيام الليل
والوقت الأفضل لقيام الليل آخره، إذ ورد عن عمرو بن عبسة أنّه قال: (قلتُ يا رسولَ اللَّهِ أيُّ اللَّيلِ أسمَعُ قالَ جوفُ اللَّيلِ الآخرُ فصلِّ ما شئتَ)، فمَن أحبّ أن ينال أجراً عظيماً، وفضيلةً كاملةً لقيام الليل؛ فيجدر به أن تكون صلاته في آخر الليل، فكلّما كان وقت الصلاة أقرب من آخر الليل؛ كان نَيْل الفَضْل التامّ أقرب، فقد أخرج الإمام مُسلم في صحيحه، عن عائشة أمّ المؤمنين -رضي الله عنها-: (سَأَلْتُ عَائِشَةَ عن عَمَلِ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فَقالَتْ: كانَ يُحِبُّ الدَّائِمَ، قالَ: قُلتُ: أَيَّ حِينٍ كانَ يُصَلِّي؟ فَقالَتْ: كانَ إذَا سَمِعَ الصَّارِخَ، قَامَ فَصَلَّى)، ويُقصد بالصّارخ؛ الدَّيك الذي يصرخ قُبيل طلوع الفجر في آخر الليل.
وسبب كون قيام الليل في الثُلث الأخير من الليل أفضل الأوقات أنه وقت النزول الإلهي إذ إنّه تعالى يبسط فَضْله ورحمته -عزّ وجلّ-، فيستجب لعباده، ويستغفر لهم، فقد أخرج الإمام البخاريّ في صحيحه، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (يَنْزِلُ رَبُّنا تَبارَكَ وتَعالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إلى السَّماءِ الدُّنْيا، حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ فيَقولُ: مَن يَدْعُونِي فأسْتَجِيبَ له، مَن يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَن يَسْتَغْفِرُنِي فأغْفِرَ له).
كما يُفضّل قيام داود -عليه السلام-، بأن يُقسم وقت الليل إلى نصفَين، ليكون القيام في الثُلث الأوّل من النّصف الثاني أفضل؛ لِما ورد عن عبدالله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- قال: (أَحَبُّ الصَّلَاةِ إلى اللَّهِ صَلَاةُ دَاوُدَ عليه السَّلَامُ، وأَحَبُّ الصِّيَامِ إلى اللَّهِ صِيَامُ دَاوُدَ، وكانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ ويقومُ ثُلُثَهُ، ويَنَامُ سُدُسَهُ، ويَصُومُ يَوْمًا، ويُفْطِرُ يَوْمًا)، وقد ورد مدح قيام داود -عليه السلام-؛ إذ كان ينام نصف الليل، ثمّ يقوم الثُلث، ثمّ ينام السُّدس، ورغم تفضيل ذلك؛ إلّا أنّه ورد أيضاً تفضيل قيام الثُلث الأخير، والحثّ على الفوز برحمة الله -تعالى- في ذلك الوقت، ويتضمّن ذلك السُّدس الأخير من الليل.
حكم قيام الليل
قيامُ الليل سنّةٌ مؤكّدةٌ، وهو من القُرب العظيمة التي تُشرع طوال العام، ولا تختصّ بزمانٍ محدّدٍ، وقد جاءت العديد من النّصوص الثابتة في الكتاب والسنّة، التي تحثّ على قيام الليل، وتوجّه الناس إليه، وترغّبهم فيه، وذلك من خلال بيان عَظَمة ذلك الأمر، والثواب الجزيل عليه، وأنّ ذلك الفعل مختصٌّ بمَن هم أولياء الله الذين مدحهم الله -تعالى-، وأثنى عليهم في قوله: (أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ*الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ*لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).
فَضْل قيام الليل
مدح الله -عزّ وجلّ- أهل الإيمان والتقوى بأجمل الصفات وأجّل الأعمال، وخُصّ بذلك قيام الليل، إذ قال -عزّ وجلّ-: (إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ*تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ*فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)، كما أنّ قيام الليل يُعلّم المسلم الإخلاص فيما يقدّمه، فلا يكون في قيامه كِبرٌ أو رِياءٌ، وقد بيّن الله -عزّ وجلّ أنّ قيام الليل من صفات عباده المُحسنين، فقال -عزّ وجلّ-: (إِنّ الْمُتّقِينَ فِي جَنّاتٍ وَعُيُونٍ*آخِذِينَ مَآ آتَاهُمْ رَبّهُمْ إِنّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ*كَانُواْ قَلِيلاً مّن اللّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ).
وقد قال الحسن البصريّ -رحمه الله- في بيان فَضْل قيام الليل: "لم أجد من العبادة شيئاً أشدّ من الصلاة في جوف الليل، فقيل له: ما بال المتهجّدين أحسن الناس وجوهاً؟ فقال: لأنّهم خلوا بالرحمن فألبسهم من نوره"، ومن فضائل قيام الليل؛ أنّه يحقّق الصِّلة القويّة والقريبة بين العبد وربّه، كما قال النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (أقربَ ما يَكونُ الرَّبُّ عزَّ وجلَّ منَ العبدِ جوفَ اللَّيلِ الآخِرَ فإنِ استطعتَ أن تَكونَ مِمَّن يذكرُ اللَّهَ عزَّ وجلَّ في تلكَ السَّاعةِ فَكُن)، فمن أراد الفوز برحمة الله -تعالى-، والنّجاة من الآخرة؛ فيجدر به أن يُحيي الليل بذِكْر الله -عزّ وجلّ-؛ ذلك لعِلمه بفَضْل تلك المنزلة، وبسموّ درجة تلك العبادة عند الله -تعالى-، وممّا يدلّ على ذلك؛ أنّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- بيّن أنّ صلاة ركعَتين في جوف الليل من أفضل وأحبّ الأعمال عند الله، ولذلك فإنّ عبادة قيام الليل من النِّعم التي منّ الله -تعالى- بها على عباده، ومن الفضائل التي منحها لهم، فعُدّ مُقيم الليل من عباد الله الصالحين المتّقين، ومَن نال محبّة الله -سُبحانه-؛ وفّقه لأداء الطاعات والأعمال الصالحة، وشرح صدره لها.