هنالك دعا زكريا ربه
تفسير آية (هنالك دعا زكريا ربه)
رأى زكريا -عليه السّلام- أنّ مريم تتوجّه إلى ربّها بالرّجاء والدّعاء أكثر منه، فتوجّه إلى المكان الذي كانت تتعبّد فيه إلى ربها، ويأتيها إليه كلّ حين وآخر ويراها تتوجّه إلى الله وما تنطق إلّا بالبر والتقوى.
وكان زكريا يرجو من الله أن يهبه ولداً، فذهب إلى مكان مريم وتوجّه إلى الله بالدّعاء أن يرزقه ولداً، مع يقينه الكامل بقدرة الله -سبحانه وتعالى-، قال -تعالى-: (هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ) .
دعاء نبي الله زكريا
دعا زكريا -عليه السّلام- بالذريّة المباركة الطيّبة، فقال: (رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ) ، وأراد بالذريّة الولد سواءً أكان فرداً أم جماعة.
استجابة الله لدعاء زكريا
استجاب الله دعاء زكريا -عليه السّلام- ، فقال -تعالى-: (فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّـهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللَّـهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِّنَ الصَّالِحِينَ) ، فأرسل له جبريل يُبشّره بيحيى مؤمناً بعيسى، وقيل إنّ يحيى هو أول من آمن بعيسى، وأخبره بأنّ ابنه سيكون حصوراً؛ أيّ يمنع نفسه من الاقتراب من الفتن والشهوات، فلا يقرب النّساء، وقيل الحصور هو الذي لا يشترك في الميسر مع قومه لما فيه من اللّعب واللّهو.
وهو من الصّالحين، كونه من ذرية الأنبياء، أو لكونه سيكون صالحاً، وفي كونه صالحاً إشارةٌ لما سيجعله الله نبياً، فالله يختار أنبيائه من الصّالحين، ويجعل الصلاح فيهم ويعصمهم عن الخطأ قبل النبوة، وسيجعله سيداً في قومه يترفع عن الانغماس في سفاسف الأمور وما ليس له أهميةٌ، فتضمّنت السيادة؛ السيادة على قومه، والتحلي بمكارم الأخلاق وفضائلها.
وقد جاءت الملائكة زكريا حين كان قائماً يصلي في أعلى المسجد ناحية المصلّى، وفي ذلك دلالةٌ أنّ الصّلاة كانت مشروعةً عندهم، وقد سمّاه الله يحيى؛ لأنّ الله أحيا به عقر أمّه، وقيل لأنّ الله أحيا قلبه بالإيمان، وقيل لأنّ الله أحياه بالطاعة فلم يلتفت إلى معصيةٍ أو لهوٍ مُنذ صغره.
أسباب استجابة دعاء زكريا
نادت الملائكة زكريا أثناء قيامه بالمحراب يدعو ربّه يتضرّع إليه، وقد دلّت الفاء في كلمة فنادته على الفورية والموالاة، فقد تكلّم زكريا مع مريم وهي في المحراب، ثمّ دعا ربّه في المحراب، وكانت الإجابة لدعائه في المحراب أيضاً، حيث توجّه زكريا إلى ربه بكامل إخلاصه له ورجائه إياه، فكانت الإجابة للدعاء تحقيقاً لقول الله -تعالى-: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) .
وتحقّق الدعاء كاملاً بالبشرى بالولد، ثمّ اقترنت البشرى باسمه الذي سماه الله به، وهو يحيى الذي سيُحيي الله اسمه في حياته وبعد مماته، فقال -تعالى-: (يَرِثُني وَيَرِثُ مِن آلِ يَعقوبَ وَاجعَلهُ رَبِّ رَضِياً) .