هل يسمع الميت
هل يسمع الميت؟
تعدّدت آراء العُلماء في سماع الميّت من عدم سماعه، وجاءت أقوالهُم كما يأتي:
الرأي الأول: صحة سماع الميت
ذهب إلى هذا القول الإمامُ الطبريّ، وابن تيمية، وابن رجب، وابن القيّم، وابن كثير، فقاموا بإثبات الآيات التي تُثبت السّماع، وقاموا بتأويل الآيات التي تنفي السّماع، وممّا استدلّوا به على سماع الميّت ما يأتي:وممّا استدلّوا به على سماع الميّت ما يأتي:
- الدّليل الأوّل
مُناداة النبيّ -عليه الصّلاةُ والسّلام- لِقتلى المُشركين في غزوة بدر، وكان ذلك بعد موتهم بثلاثة أيّام، لِما جاء في الحديث الصّحيح عن أنس بن مالك -رضيَ الله عنه-: (أنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، تَرَكَ قَتْلَى بَدْرٍ ثَلَاثًا، ثُمَّ أَتَاهُمْ فَقَامَ عليهم فَنَادَاهُمْ، فَقالَ: يا أَبَا جَهْلِ بنَ هِشَامٍ يا أُمَيَّةَ بنَ خَلَفٍ يا عُتْبَةَ بنَ رَبِيعَةَ يا شيبَةَ بنَ رَبِيعَةَ أَليسَ قدْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا؟ فإنِّي قدْ وَجَدْتُ ما وَعَدَنِي رَبِّي حَقًّا فَسَمِعَ عُمَرُ قَوْلَ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فَقالَ: يا رَسولَ اللهِ، كيفَ يَسْمَعُوا وَأنَّى يُجِيبُوا وَقَدْ جَيَّفُوا؟ قالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بيَدِهِ ما أَنْتُمْ بأَسْمع لِما أَقُولُ منهمْ، وَلَكِنَّهُمْ لا يَقْدِرُونَ أَنْ يُجِيبُوا).
وما ذُكر عن السيدة عائشة -رضي الله عنها- من إنكار ذلك؛ فلأنها لم تسمع وتحضر قول النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- لهم.
- الدّليل الثّاني
ما ورد في بعض الأحاديث من سماع الميّت لمن يُشيّعه، وكذلك سماعهُ لمن يُسلّم عليه، ووصيّة النبيّ -عليه الصّلاةُ والسّلام- للصّحابة بالسّلام على أهل القُبور، وردّ الله -تعالى- لروح النبيّ -عليه الصّلاةُ والسّلام- وردِّه السّلام على من يُسلّم عليه، لِقول النبيّ -عليه الصّلاةُ والسّلام-: (ما من أحدٍ يُسلِّمُ عليَّ، إلا ردَّ اللهُ عليَّ رُوحي، حتى أَرُدَّ عليه السَّلامَ).
- الدليل الثالث
ما جرت به العادة من تلقين الميت، وما ورد في وصية عمرو بن العاص -رضي الله عنه- من البقاء على قبره بعد دفنه، لكي يستأنس بهم.
وأمّا ما ورد من آيات في نفي السّماع، كقولهِ -تعالى-: (إِنَّ اللَّـهَ يُسْمِعُ مَن يَشَاءُ وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ)؛
وقد بوّب الإمامُ البُخاريُّ في صحيحه باباً اسمهُ: الميّت يسمع خفق النِّعال، وأورد فيه حديث النبيّ -عليه الصّلاةُ والسّلام-: (العَبْدُ إذَا وُضِعَ في قَبْرِهِ، وتُوُلِّيَ وذَهَبَ أصْحَابُهُ حتَّى إنَّه لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ، أتَاهُ مَلَكَانِ).
الرأي الثاني: عدم صحة سماع الميت
ذهب إلى هذا القول عُمر بن الخطّاب -رضيَ الله عنه-، والسيّدة عائشة -رضيَ الله عنها-، وأنكرت ما ورد في غزوة بدر، وسؤال النبيّ -عليه الصّلاةُ والسّلام- لهم، بقولهِ -تعالى-: (إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى).
وقامت عائشة -رضي الله عنها- بحمل الآيات التي تنفي سماع الموتى على الحقيقة، وإبقائها على ظاهرها وعُمومها،فقامت بحمل الآيات التي تنفي سماع الموتى على الحقيقة، وإبقائها على ظاهرها وعُمومها.
وقامت بحمل الآيات التي تنفي سماع الموتى على الحقيقة، وإبقائها على ظاهرها وعُمومها،يدُلّ على نفي إسمّاع النبيّ -عليه الصّلاةُ والسّلام- مَن في القُبور ، ومن باب أولى يكون النّفي لغيره،
وقد ذهب إلى هذا القول القاضي أبو يعلى من الحنابلة، وهو مذهب الحنفيّة، وقاموا بالرّد على جميع الأحاديث الواردة في إثبات سماع الميّت، وما ورد في حديث غزوة بدر، فقالوا: إنّ النبيّ -عليه الصّلاةُ والسّلام- أخبر بأنّهم يعلمون، ولم يقل يسمعون، وأوردوا بعض الأحاديث وقالوا: إنّ فيها نكارة، وبعضها مُنكرةٌ وباطلة.
وذهب بعضُهم إلى أنّ ما حدث مع النبيّ -عليه الصّلاةُ والسّلام- من الإخبار بإسماعه قتلى المُشركين في بدر كان استثناءً من الأصل، وهو عدم سماع الميّت، وأنّ سماع الميّت يثبت بما ورد من الأدلّة كسمعه لخفق النِّعال عند قبره، وفي حال السّلام عليه، وما عدا ذلك فالأصل أنَّ الميّت لايسمع كلام النّاس.
الرأي الثالث: صحة سماع الميت في حالات معينة فقط
ذهب إلى هذا القول الإمامُ القُرطُبيّ، والشوكانيّ، وابنُ عطية، وابن الجوزيّ، وابنُ قُدامة، حيثُ أنّ الأصل عدم السّماع، وأن ما جاء في الأدلّة هو استثناء، ويكون في حالاتٍ مُعيّنة، كسماعه لِخفق النِعال، وما حدث في غزوة بدر مع المُشركين.
ولمّا سُئل ابن تيمية عن سماع الموتى، أجاب: أنّهم يسمعون، وذكر عدداً من الأدلّة التي تُثبت ذلك، كسماعهم لِخفق نعال النّاس عند انصرافهم، وما حصل في غزوة بدر، وأنّ هذه الأدلّة لا تُثبتُ سماعهم دائماً، فقد يَسمع في بعض الأحوال دون بعض.
وأما ما ورد في نفي السّماع، فحمَلهُ على السّمع الذي يترتّب عليه الامتثال والقبول، فسماع الكافر؛ كالميّت الذي لا يستجيب، وكالبهائم التي تسمع ولا تستجيب، والميّت إن سمع؛ فلا يُمكنهُ الإجابة، وقد ذُكر ذلك في قوله -تعالى-: (إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ).
سماع الأحياء للموتى
ورد في بعض الأدلّة ما يكون من سماع الأحياء للأموات، ويُمكن تقسيمُ ذلك كما يأتي:
- سماع النبيّ -عليه الصّلاةُ والسّلام-
وهذا خاصٌ به، وهو نوعٌ من مُعجِزاته، ومن ذلك ما ورد في حديث ابن عباس -رضيَ الله عنهما-، عن النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام-: (خَرَجَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن بَعْضِ حِيطَانِ المَدِينَةِ، فَسَمِعَ صَوْتَ إنْسَانَيْنِ يُعَذَّبَانِ في قُبُورِهِمَا).
وهذا الكشف له من الله -تعالى- ؛ لاطّلاعه على بعض حال بعض المُشركين، والعُصاة في قُبورهم، بل إنّه كان قادرٌ على إسماع المُشركين؛ وكان ذلك من باب التّوبيخ، والتّصغير، والحسرة لهم.
- سماع غير النبيّ -عليه الصّلاةُ والسّلام-
لم يثبُت في سمّاع غير النبيّ -عليه الصّلاةُ والسّلام- من الحياء للأموات أيّ شيء، ومن قال بذلك فقد استدلّ بأثرٍ ضعَّفهُ الإمامُ ابنُ حجر، وأمّا الحكمةُ من عدم سماع الأحياء للأموات؛ لئلا يكون هُناك نُفورٌ من النّاس من دفن بعضهم بسبب الخوف، والفزع عند سمّاعهم لأصوات الموتى .
وذهب بعضُ العُلماء إلى أنّه قد يكون هُناك مَن قد يُمكنهُ سمّاع أصواتهم؛ من باب الاتّعاظ، ويكون ذلك استثناءً من قول النبيّ -عليه الصّلاةُ والسّلام-: (ثُمَّ يُضْرَبُ بمِطْرَقَةٍ مِن حَدِيدٍ ضَرْبَةً بيْنَ أُذُنَيْهِ، فَيَصِيحُ صَيْحَةً يَسْمَعُهَا مَن يَلِيهِ إلَّا الثَّقَلَيْنِ).