هل الخوف من المستقبل خلل في العقيدة؟
معنى الخوف
الخوف شعور يرتبط بأمرٍ سيحدث في المستقبل، أو لن يحدث، وقد عرّفه الغزالي أنه: "تألم القلب واحتراقه بسبب توقع مكروهٍ في المستقبل" [1]، فالمكروه المتوقع قد يكون أمراً يتوقع حدوثه؛ كحدوث حريق، أو حدوث الفقر، أو قد يكون توقع المكروه بعدم حصول أمرٍ ما؛ كعدم حصول الزواج، أو عدم الحصول على وظيفة، وهو ما يُسمّى حالياً بـِرهاب المستقبل أو كرونوفوبيا.
أنواع الخوف
لو نظرنا إلى الخوف وأردنا تقسيمه على أنواع لوجدنا أنه يتنوع بناءً على عدة أمور وهي:
- من ناحية عامة في سبب الخوف؛ فهناك خوف دنيوي سببه الدنيا، ويتعلق بأمر من أمور الدنيا؛ كالخوف من الفقر، والخوف من عدم الزواج، والخوف من المستقبل بشكل عام، وهذا الخوف خوف سلبي مذموم، وهناك خوف أخروي متعلق بمصير الإنسان يوم القيامة ، وأصل هذا الخوف هو الخوف من الله، وهذا الخوف خوف إيجابي محمود.
- لو نظرنا إلى صفة هذا الخوف وطبيعته؛ فإما أن يكون خوفاً طبيعياً؛ كالخوف على الأبناء عند قطع الشارع إلى حد ٍمعقول لا يصل إلى الوساوس، وهناك خوف غير طبيعي، ويكون زائدًا يصل إلى حد الرهاب و الوسوسة ؛ كالخوف من صعود الدرج، أو الخوف من الجلوس تحت الأسقف.
أسباب الخوف
الخوف له أسباب كثيرة ومن هذه الأسباب:
- أسباب دينية كانعدام حسن الظن بالله، ووجود الوساوس الشيطانية، وضعف الإيمان بقضاء الله وقدره، وضعف التوكل على الله والتسليم بأمره.
- سلوكيات تربوية خاطئة؛ كتخويف الآباء لأبنائهم من أمرٍ محدّد، وكثرة التخويف والمحاسبة عليه، ممّا يُنشئ خوفاً متزايداً غير مبرر لدى الابن من هذا الأمر.
- التفكير الزائد في أمرٍ ما؛ ككثرة التفكير في الموت وكثرة التفكير في الفشل.
- حدوث صدمات ومواقف أدت إلى خسارات أنشأت خوفاً كبيراً من مثل هذه المواقف، وهناك أسباب أخرى ولكن من المهم جداً معرفته أنّ الشيطان يلعب دوراً كبيرا في جعل المسلم خائفاً حزيناً.
هل الخوف من المستقبل خلل في العقيدة؟
الخوف الزائد غير الطبيعي من أمور المستقبل خلل كبير في عقيدة المسلم، وهو أمر ينافي الإيمان بالله، وعلى وجه التحديد فهو ينافي التوكل على الله ، وينافي حسن الظن بالله، وينافي الإيمان بقضاء الله وقدره، فالمؤمن الحقّ هو من يتوكل على الله حقّ التوكل.
بل إنّ الإيمان ب أركان الإيمان الستة ومنها الإيمان بقضاء الله وقدره، هو الضمان الأكيد لاستقرار النفس، وتوازن الخوف والقلق فيها، وهو الدافع لمكافحة الوساوس الشيطانية من خوف من المستقبل أو غيره من الأمور؛ فعندما يعلم المؤمن أنّ كل شيء يحصل إنّما يحصل بأمر من الله اللطيف الخبير، فعندها تطمئن النفس غاية الاطمئنان.
أمّا الخوف الطبيعي المتزن المعتدل؛ كالخوف الذي يبعث المسلم لأخذ الاحتياطات والوقايات متوكلاً على الله راضياً بقضائه وقدره؛ فهذا خوف محمود مطلوب لا ضير فيه، وهو مباح لا حرمة فيه ولا يؤدي إلى خلل في العقيدة، ومثاله: الخوف من انحراف الأبناء بسبب أصدقاء السوء، فيقوم المربي بإرشادهم إلى الحرص على انتقاء الأصدقاء، ويمكن تسمية هذا الخوف بـِالخوف الوقائي الإيجابي.
علاج الخوف من المستقبل
لعلاج هذا المرض عند من وقع به لا بدّ من الأخذ بالآتي:
- الدعاء واللجوء إلى الله تعالى، وإظهار الافتقار إليه بالتخلص من هذا الأمر، حيث إنّ كل الأمر بيد الله تعالى يقول سبحانه: (وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى* وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا*...* وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى)،لا سيّما دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: (اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بكَ مِنَ الهَمِّ والحَزَنِ)، والهم أمر يتعلق بالمستقبل والحزن أمر يتعلق بالماضي.
- أخذ الأمور بعين الحقائقية؛ فينظر المرء إلى الأمر بحقائقه؛ فالخوف من الرزق مثلاً لا بدّ من التعامل معه بالحقائق الآتية: الرزق بيد الله تعالى، والرزق لا بدّ له من السعي وطلب الجد والاجتهاد، وصناعة مقومات النجاح سبب من أسباب الرزق، فعندما يتعامل الإنسان مع الرزق بهذه الحقائق ينتفي الخوف، والخوف من الموت لا بدّ من تعلم حقائق الموت وتأكيد الإيمان بها.
- حسن الظن بالله تعالى؛ يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي الصحيح: (يقولُ اللَّهُ تَعالَى: أنا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بي).
- التفاؤل والنظر بعين الإيجابية والجلوس مع المتفائلين.
- كثرة ذكر الله تعالى فإن ذكر الله يبعث على الطمأنينة، يقول تعالى: (أَلا بِذِكرِ اللَّـهِ تَطمَئِنُّ القُلوبُ).
- الرجوع إلى المستشارين النفسيين المختصين عندما تكون الحالة الخوفية مسيطرة على المرء وخارجة عن الحد المعقول.