نماذج من القدوة الحسنة في التراث الإسلامي
نماذج من القدوة الحسنة في التراث الإسلامي
لقد سطر المسلمون أمجاداً لم يعرف التاريخ لها مثيلاً، وبرز منهم نماذج وقدواتٌ في كلّ شأنٍ، فكان المسلمون حقًّا نموذجًا يُحتذى وقدواتٍ تُقتفى، فبرعوا أيّما براعةٍ في كلّ فنٍّ من الفنون، وكلّ مجالٍ من المجالات، وسنتحدث عن بعض الشخصيات عبر التاريخ، ولن نتحدّث عن القامات العظيمة التي لا تخفى كالنبيّ -صلى الله عليه وسلم- و خلفائه الأربعة الراشدين ، بل سنتجاوز الأمر لإظهار بعضٍ من النماذج الأخرى.
قدوات في الشجاعة والبسالة والتضحية
البراء بن مالك
لقد سطر فرسان المسلمين عبر تاريخهم بطولاتٍ وأمجادًا وقف أمامها وجه الزمان مندهشاً؛ لشدَّة غرابتها وقوّتها وصدق موقفها ونبل أصحابها، فهذا الصحابي الجليل البراء بن مالك -رضي الله عنه- يسطّر تضحيةً وشجاعةً فاقت كلّ الأوصاف والتضحيات؛ حيث اشتدّ الموقف بالمسلمين في فتح الحديقة في معركة اليمامة عندما قاتل المسلمون المرتدين من جيش مسيلمة الكذاب.
وقرّر هذا الأسد المغوار أن يكون السبب في إنهاء هذه الشدَّة، فأمر الجيش بأن يجعلوه على ترسٍ، ثمّ يلقوا به داخل أسوار الحديقة، ليقوم بفتح بابها؛ ليسهّل على المسلمين اقتحام تلك الحديقة التي كانت محور شدَّةٍ على المسلمين، وقد تجرّد هذا الرجل العظيم من كلّ المخاوف ولم يرَ إلّا البسالة والتضحية طريقاً له، ورمى به الجيش، ثمّ دخل بين جحافل الكفر المرتدّة يسير بينهم بقوّةٍ يحرّكها الإيمان، ويقتحم الصفوف ويشقّ السبل حتّى يصل لمقصوده في إرادةٍ منقطعة النظير، فتلقّى ما تلقى من الطعنات والضربات أمام ذهول تلك الجموع المرتدّة من قوّة جأش هذا الصحابي الكريم حتّى وصل للباب، وقد حاول مرَّاتٍ ومرَّاتٍ وهو في موقف من أصعب المواقف ليفتح باب الحديقة، حتى استطاع أن يفتح الباب، ثمّ انسل المسلمون من وراء الباب كالبركان الثائر، ففتحوا الحديقة، وتمّت كلمتهم بإذن الله -تعالى-.
عكرمة بن أبي جهل
وعلى غرار البراء بن مالك -رضي الله عنه- يأتي صحابيٌّ آخر من صحابة محمد -صلى الله عليه وسلم- وهو عكرمة بن أبي جهل -رضي الله عنه- فيقوم بتشكيل فرقةٍ من الفدائيين في معركة اليرموك بعد أن اشتدّ بأس الروم على ميسرة جيش المسلمين، وأحدثت فيهم شرخاً كاد أن يستأصل جيش المسلمين، وبعد أن استعصى الأمر على المسلمين، قام عكرمة بتشكيل كتيبةٍ سمّيت بكتيبة الموت، وقوامها أربعمئة فارسٍ عاهدوا الله على الموت في سبيل الله؛ استجابةً لنداء عكرمة -رضي الله عنه-، فتقدّموا وقاتلوا بكلّ بسالةٍ وضراوةٍ حتّى قلبوا الموازين، وأثخنوا في الروم جراحاً، وقدموا أرواحهم رخيصةً في سبيل الله -تعالى-، حتى فتح الله عليهم، وكانوا سبباً في نصر المسلمين.
قدواتٌ علميةٌ حسنةٌ في التاريخ الإسلامي
أمّا من النماذج العلميّة؛ فقد برز علماء كثرٌ لا يمكن عدّهم وحصرهم، ومن هؤلاء العلماء الربانيين: شيخ الإسلام أحمد بن تيمية -رحمه الله-، فقد كان حقًّا موسوعةً علميَّةً متكاملة العلوم، عالماً عاملاً مجاهداً، أحيا الله به أمَّة الإسلام في زمانه، وغيره الكثير من النماذج التي مرت في التاريخ الإسلامي ولا يسع المقام لحصرها، يقول ابن كثير -رحمه الله- في وصف ابن تيمية: "وَقَرَأَ بِنَفْسِهِ الْكَثِيرَ، وَطَلَبَ الْحَدِيثَ، وَكَتَبَ الطِّبَاقَ وَالْأَثْبَاتَ، وَلَازَمَ السَّمَاعَ بِنَفْسِهِ مُدَّةَ سِنِينَ، ثُمَّ اشْتَغَلَ بِالْعُلُومِ، وَكَانَ ذَكِيًّا كَثِيرَ الْمَحْفُوظِ، فَصَارَ إِمَامًا فِي التَّفْسِيرِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ، عَارِفًا بِالْفِقْهِ وَاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ، وَالْأَصْلَيْنِ وَالنَّحْوِ وَاللُّغَةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْعُلُومِ النَّقْلِيَّةِ وَالْعَقْلِيَّةِ، وَمَا تَكَلَّمَ مَعَهُ فَاضِلٌ فِي فَنٍّ مِنَ الْفُنُونِ الْعِلْمِيَّةِ إِلَّا ظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ الْفَنَّ فَنُّهُ، وَرَآهُ عَارِفًا بِهِ مُتْقِنًا لَهُ".