نظرية بياجيه في التطور المعرفي
ما هي نظرية بياجيه في التطور المعرفي؟
تحدث المعرفة نتيجة عمليات التفكير والتذكر، والتطور المعرفي هو عبارة عن تغييرات طويلة المدى تحدث نتيجة هاتين العمليتين (التفكير، والتذكر)، ومن أكثر النظريات شيوعًا حول التطور المعرفي هي نظرية المرحلة المعرفية لعالم النفس السويسري جان بياجيه، الذي درس وأنشأ نظرية حول كيفية تمكن الأطفال والشباب تدريجياً من التفكير المنطقي والعلمي، وتقترح نظرية التطور المعرفي لجان بياجيه أن الأطفال يمرون خلال أربع مراحل مختلفة من النمو العقلي، وتركز نظريته ليس فقط على فهم كيفية اكتساب الأطفال للمعرفة، ولكن أيضًا على فهم طبيعة الذكاء، ووفقًا لنظرية التطور المعرفي لبياجيه، فإن الإنسان يمر بأربع مراحل أساسية وهي:
- المرحلة الحس حركية: من الولادة حتى عمر سنتين.
- مرحلة ما قبل العمليات: من سن 2 إلى 7 سنوات.
- مرحلة العمليات المادية المحسوسة: من 7 إلى 11 سنة.
- مرحلة العمليات المجردة: من سن 12 وما فوق.
كيف وضع بياجه نظرية التطور المعرفي؟
وُلد بياجيه في سويسرا في أواخر القرن التاسع عشر، وقد كان طالبًا مجدًّا، نشر أوَّل بحثٍ علميٍّ له وهو في الحادية عشرة سنةً من عمره، واهتم بالتَّطوُّر الفكريِّ للأطفال مبكِّرًا عندما كان يعمل كمساعد لألفريد بينيت وثيودور سيمون اللذين عملا على بناء اختبار الذَّكاء الشَّهير، وقد استلهم بياجيه الكثير من اهتمامه في التَّطوُّر المعرفيِّ للأطفال من ملاحظاته التي كان يسجلها لابنته وابن أخيه، وعزَّزت هذه الملاحظات فرضيته النَّاشئة في أنَّ عقول الأطفال ليست نسخًا أصغر من عقول الكبار.
ويعتقد بياجيه أن هناك عمليتين اثنتين يحدث من خلالهما التعلم وهما: عملية تفاعل المحاكاة (التي يتم خلالها تعديل الخبرات الجديدة لتتناسب مع المفاهيم السابقة)، وعملية التكيف (التي يتم خلالها تعديل المفاهيم السابقة لتتناسب مع الخبرات الجديدة)، وهاتين العمليتين تسيران بشكل تبادلي، ويعتقد بياجيه أن الاتجاه المتبادل بين هاتين العمليتين لا يؤدي إلى التعلم على المدى القصير فحسب، بل يؤدي أيضًا إلى إحداث تغيرات نمائية طويلة المدى، حيث أن التطورات والتغيرات طويلة المدى هي في الحقيقة المحور الرئيسي لنظرية بياجيه المعرفية.
وبعدما قام بياجيه بمراقبة الأطفال عن كثب، اقترح أن الإدراك تطور عبر مراحل متميزة عند الإنسان منذ الولادة وحتى نهاية المراهقة، حيث كان يقصد بكلمة "مراحل" أنها سلسلة من أنماط التفكير، والتي تتميز بأربع سمات رئيسية وهي:
- أن المراحل تحدث دائمًا بنفس الترتيب.
- لا يمكن تخطي أو تجاوز أي مرحلة.
- تعتبر كل مرحلة تحولًا كبيرًا وتغيرًا نوعيًا عن المرحلة التي تسبقها.
- كل مرحلة لاحقة تتضمن تلك التغيرات التي حدثت في المرحلة التي سبقتها.
المراحل الأربعة لبياجيه
فيما يلي شرح عن المراحل الأربعة التي تحدث عنها بياجيه:
المرحلة الحس حركية
المرحلة العمرية: تبدأ هذه المرحلة منذ لحظة الولادة وتستمر حتى عمر 18-24 شهرًا.
تتميز هذه المرحلة بالخصائص النمائية الآتية:
- يعرف الطفل العالم من خلال حركاته وأحاسيسه.
- يتعلم الأطفال عن العالم المحيط بهم من خلال الإجراءات الأساسية مثل النظر، الاستماع والإمساك، والمص.
- يتعلم الأطفال أن الأشياء تستمر في الوجود على الرغم من أنه لا يمكن رؤيتها وهو ما يسمى (دوام الكائن).
- يعتبرون أنفسهم كائنات منفصلة عن الناس والأشياء من حولهم.
- إنهم يدركون أن أفعالهم يمكن أن تسبب في حدوث أشياء في العالم من حولهم.
وتتضمن هذه المرحلة ما قبل اللغوية التكيف مع عالم الأشياء والمهارات الحركية البسيطة، وخلال الأشهر الأولى من هذه المرحلة، لا يدرك الأطفال أن الأشياء تستمر في الوجود عندما تكون بعيدة عن أنظارهم، وبالتالي، فإن لحظة التوازن الرئيسية هي عندما يكتسبون ديمومة الكائن، ومن هذه النقطة يفهم الأطفال أن لعبة ما أو أي شيء آخر سيبقى في الصندوق مثلاً.
وفي الوقت نفسه، يتعلم الأطفال التنقل في بيئتهم من خلال الزحف والتدحرج والمشي في النهاية، كما يبدأون في المشي في نفس الوقت تقريبًا، ويتوسع الأطفال في الدروس المجردة عن دوام الأشياء ويبدأون في تمثيل الأشياء والأفكار باستخدام اللغة، وبمجرد أن يفهم الطفل أن الطعام لا يزال في الخزانة، حيث يمكنه طلبه، هكذا تبدأ المرحلة التالية.
مرحلة ما قبل العملية
تتميز هذه المرحلة بالخصائص الرئيسية والتغيرات النمائية الآتية:
- يبدأ الأطفال في التفكير بشكل رمزي وتعلم استخدام الصور والكلمات لوصف الأشياء.
- يميل الأطفال في هذه المرحلة إلى التمركز حول الذات ويكافحون لرؤية الأشياء من منظور الآخرين.
- بالرغم من تقدمهم في تعلم اللغة والتفكير، إلا أنهم لا يزالون يميلون إلى التفكير في الأشياء بشكل ملموس (محسوس).
في مرحلة ما قبل العملية، يستخدم الأطفال قدرتهم الجديدة على تمثيل الأشياء في مجموعة متنوعة من الأنشطة، لكنهم لا يستطيعون فعل ذلك بطرق منظمة أو منطقية تمامًا، ومن الأمثلة الأكثر وضوحًا لهذا النوع من الإدراك هو اللعب الدرامي، أو التخيل المرتجل لأطفال ما قبل المدرسة.
إن الأطفال الذين ينخرطون في الأنشطة التخيلية يفكرون على مستويين في وقت واحد - أحدهما تخيلي والآخر واقعي، هذه المعالجة المزدوجة للتجربة تجعل اللعب الدرامي مثالًا جيدًا على التفكير في ما وراء المعرفة، أو التفكير في التفكير نفسه ومراقبته، نظرًا لأن التفكير في ما وراء المعرفة هو مهارة مرغوب بها للنجاح في المدرسة، وإن معلمي الأطفال الصغار (مرحلة ما قبل المدرسة ورياض الأطفال وحتى الصف الأول أو الثاني) غالبًا ما يخصصون وقتًا ومساحة في فصولهم الدراسية للعب الدرامي، وأحيانًا يشاركون فيه بأنفسهم للمساعدة في تطوير الأعمال المسرحية كذلك.
مرحلة العمليات المادية (المحسوسة)
تتميز هذه المرحلة بالخصائص الرئيسية والتغيرات التنموية الآتية:
- خلال هذه المرحلة، يبدأ الأطفال بالتفكير المنطقي في الأحداث الملموسة (المحسوسة).
- يبدأ الأطفال في فهم مفهوم الحفظ؛ مثلًا أن كمية السائل في كوب قصير وعريض تساوي نفس كمية السائل الموجودة في كوب طويل ورفيع.
- يصبح تفكيرهم منطقيًا ومنظمًا بصورة أكبر، لكنه لا يزال ملموسًا (يعتمد على الأشياء المحسوسة).
- يبدأ الأطفال في استخدام المنطق الاستقرائي ، أي الانتقال في التفكير من معلومات محددة إلى مبدأ عام (بتعبير آخر من الجزء إلى الكل).
ويبدأ الأطفال أيضًا في تقليل روابط الأنانية لديهم، ويبدأون في رؤية أن أفكارهم ومشاعرهم تخصهم وليس بالضرورة أن يشاركها الآخرون، كما يمكنهم أيضًا البدء في رؤية كيف يمكن للآخرين تجربة حدث ما ويكونون أكثر وعياً بالأحداث والمواقف الخارجية التي لا تتضمنهم.
المرحلة العمليات المجردة (غير المحسوسة)
تتميز هذه المرحلة بالخصائص الرئيسية والتغيرات النمائية الآتية:
- في هذه المرحلة، يبدأ المراهق أو الشاب البالغ في التفكير بشكل تجريدي وعقلانية حول المشكلات الافتراضية.
- يبدأ الفكر المجرد بالظهور لدى المراهق.
- يبدأ المراهق في التفكير أكثر في القضايا الأخلاقية، والفلسفية، والاجتماعية، والسياسية التي تتطلب التفكير النظري والتجريدي.
- يبدأ المراهق في استخدام المنطق الاستنتاجي، أي الانتقال في التفكير من مبدأ عام إلى معلومات محددة (من الكل إلى الجزء).
وتتضمن المرحلة الأخيرة من نظرية بياجيه زيادة في المنطق ، والقدرة على استخدام التفكير الاستنتاجي، وفهم الأفكار المجردة، كما يصبح الأفراد قادرين على رؤية عدة حلول للمشكلات المتعددة التي يواجهونها، والتفكير بشكل أكثر علميًا حول العالم من حولهم، إضافة إلى زيادة القدرة على التخطيط المنظم للمستقبل والتفكير بالمواقف الافتراضية التي تعتبر قدرات هامة تظهر خلال هذه المرحلة.
على الرغم من أن هذه هي المرحلة الأخيرة من التطور المعرفي لبياجيه، إلا أن الإدراك البشري يستمر في النضوج والنمو عند الإنسان، هذا لأن بياجيه رأى أنه في هذه المرحلة من الحياة، يتمتع الناس عمومًا بالقدرات الأساسية التي يحتاجونها للعيش في العالم، ومن عمر الحادية عشر سنة فصاعدًا، يستمر الناس في الاستجابة للحاجة إلى التوازن ولديهم القدرة على التكيف والنمو.