نظرية المعرفة عند أصحاب المذهب البراجماتي
نظرية المعرفة عند أصحاب المذهب البراجماتي
يمكن تسمية المذهب البراجماتي بالمذهب العَمَلي، إذ ذهب فلاسفته إلى أن المعرفة لا تكون إلا كأداة لسلوك العملي؛ ولهذا يطلق عليها الأداتية، وبذلك تكون الفكرة التي تعد مادة للمعرفة بمثابة الخطة الاسترشادية التي يهتدي الباحث بها للوصول إلى نتيجة عملية، وإذا لم تحقق الفكرة الهدف المراد منها فهي ليست إلا وهمًا محضًا في عقل الإنسان، وعدّها البراجماتيون لغوًا لا فائدة منه.
يضرب البراجماتيون مثالًا على القيمة العملية للمعرفة، وهي القيمة الوحيدة، فمثلًا لو كان هنالك شخص يقف عند مفترق طرق، ولاحظ أن الإشارة حمراء، ثم قال أنا أعرف هذا اللون، فماذا يعني أنه يعرف اللون؟
بالنسبة للواقعيين، فالمعرفة هي أن يمتلك الإنسان في ذهنه صورة مطابقة للواقع، لكن البراجماتيين ينفون صحة هذا الرأي، ويقولون أن لا وجود للمعرفة إلا إذا هدت الشخص إلى السلوك اللازم عندما تكون الإشارة حمراء.
بذلك تكون الفكرة ذات نتائج مفيدة، أما مجرد امتلاك فكرة تطابق الواقع فلا يمكن عدها معرفة حسب وجهة نظر الفلسفة البراجماتية، أما وظيفة المعرفة فهي تحقيق السعادة، وتعميم الفائدة على البشرية والتخفيف من معاناتها؛ لذلك عد البراجماتيون المعرفة أداة تطورية وحيوية يراد من خلالها تأمين بقاء الجنس البشري، وضمان ديمومته من خلال توفير ما يحتاجه.
المعرفة عند تشارلز بيرس
يعد بيرس من أهم الفلاسفة في القرن العشرين، فقد كان عالمًا موسوعيًا درس الفلسفات جميعها، ورغم اهتمامه الكبير بالفلسفة المثالية إلا أنه وجه نقدًا كبيرًا لنظرية المعرفة عند الفلاسفة المثاليين، واهتم بيرس بنظرية المعرفة بشكل منفرد، وتتمثل آراؤه في كتابين، وهما؛ تثبيت الاعتقاد، وكيف نجعل أفكارنا واضحة.
إضافةً على ذلك، أجاب بيرس على التساؤل في كيفية جعل أفكارنا واضحة، والذي كان عنوانًا لكتابه، وذلك من خلال قوله: "إن كل معرفة إنما تعني أولًا من جهة الطبيعة أو الواقع الذي يُقصد به أنه مناقض للوهم ، والقابل للمعرفة، وإن ظل مستقلًا عن معرفتنا له"، وشملت المعرفة عند بيرس المعرفة الذاتية، أي دراسة الذات للذات.
من هذا المنطلق أكّد بيرس على أنه ينتهج المنهج العلمي، ومفادها تقديم فهم للكون يساعد في تحسين حياة الفرد، وعرّف الفكرة بأنها الخريطة، أو الخطة التي تقود الإنسان إلى تحقيق هدفه.
ومن أهم إسهامات بيرس هو تحديد القاعدة المنطقية لمعاني الأشياء، ويميز بيرس بين المعنى والصدق، وذكر أن المعنى لا يكون إلا من خلال إثبات الاستدلال من خلال التجربة، ولا تكون الألفاظ ذات معانٍ دون الخبرة الحسية، أما الصدق فهو أمر لم يركز عليه بيرس، وذكرت المراجع أن براجماتية بيرس هي براجماتية المعنى، وليست براغماتية الصدق.
المعرفة عند وليم جيمس
يعد ويليام جيمس من أهم رواد المذهب البراجماتي، وألّف كتابًا في البراجماتية، وعده المتخصصون في الفلسفة ممثلًا للفلسفة الأمريكية الحديثة، ذكر من خلال محاضراته أنه لو أردنا أن نعبّر عن المعرفة من خلال العبارات الكلامية، سيكون التحليل لهذه الكلمات من خلال معرفة ما هو المعنى المستنبط من العبارات هذه، إلا أن المعنى بالنسبة لوليم جيمس مرتبط بالنتيجة.
بذلك يكون تصور الفهم البشري للكلام مبنياً على ما يمكن إنتاجه من الفكرة، وما يتم تخزينه من خبرات، فالفكرة الحقة هي الفكرة التي تنتج، ولكن الإنتاج مبني على التجريب والاختبار، ومن هنا يمكن الربط بين الفلسفة البراجماتية والتيار التجريبي في الفلسفة، وعلى الرغم من الاختلافات الموجودة بين كل منهما، إلا أن كلتا الفلسفتين وجهتا انتقادات كبيرة جدًا للتيار العقلاني.
إلى جانب ذلك، المعرفة لا تكون إلا من خلال العقل والتأمل النظري البحت، لكن التيار التجريبي يدرس نظرية المعرفة من حيث تشكلها، وهذا ليس من القضايا الرئيسة في الفكر البراجماتي، ذكرت المراجع أنه بالنسبة للبراجماتيين بدلًا من الاهتمام في سبل تشكل المعرفة وأصلها، ينبغي الالتفات إلى نتائجها، وبذلك يمكن عد الفلسفة البراجماتية ثورة على أبستمولوجيا الفلسفة الحديثة.
قام فلاسفة الفلسفة الحديثة بنصّ أسس نظرية المعرفة من خلال البحث أولًا في سبل تحصيلها، وأدى هذا الأمر إلى انقسام الفلاسفة إلى تيارين، وهما؛ التيار العقلاني، ويعدّ ديكارت وسبينوزا من رواده، والتيار الثاني وهو التيار التجريبي ويمثله جون لوك، وديفيد هيوم، ورغم الحيز الكبير الذي شغلته نظرية المعرفة في الفلسفة الحديثة، إلا أن هذا الاهتمام انحسر في الفلسفة المعاصرة، وأصبح اهتمام الفلاسفة يتمحور حول سعادة الإنسان.