نشاط الغدة الدرقية للحامل
نظرة عامة حول نشاط الدرقية للحامل
يحدث فرط الدرقية أو فرط نشاط الغدة الدرقية (بالإنجليزية: Hyperthyroidism or Overactive thyroid) عندما تنتج الغدة الدرقية كميات كبيرة من هرموناتها ؛ المتمثّلة بهرمون الثيروكسين (بالإنجليزيّة: Thyroxine or Tetraiodothyronine) المعروف ب T4 وثلاثي يودوثيرونين (بالإنجليزيّة: Triiodothyronine) المعروف ب T3، وفي الحقيقة إنّ الزيادة في مستوى هذان الهرمونان تؤدّي من خلال عملية تغذية راجعة إلى انخفاضٍ حادّ في مستويات الهرمون المنبّه للدرقية (بالإنجليزيّة: Thyroid-stimulating Hormone) واختصارًا TSH ؛ وهو الهرمون الذي يحفّز الغدّة الدرقية لإنتاج هرموناتها، ومن ناحية أخرى يؤدّي فرط نشاط الغدّة الدرقية إلى زيادة عمليات الأيض وكيفية استخدام الجسم للطاقة.
وفقًا لمجلة أمراض النساء والتوليد (بالإنجليزية: Clinical Obstetrics and Gynecology) فإنّ نسبة انتشار فرط الغدة الدرقية تصل إلى 0.2% لدى الحوامل، إذ يؤثّر فرط نشاط الغدة الدرقية على النّساء اللاتي تتراوح أعمارهنّ بين العشرين والأربعين عامًا خلال سنوات الإنجاب في العادة، وتجدر الإشارة إلى أنّ هذا الاضطراب قد يبدأ أثناء أو بعد الحمل لدى النّساء اللّاتي لم يعانين من أيّ مشاكل في الغدة الدرقية قبله، وذلك بسبب تأثير الحمل على مستويات الهرمونات التي يتم إنتاجها في الغدة الدرقية، وفي الحقيقة قد تتشابه أعراض فرط نشاط الغدة الدرقية مع أعراض تغيّر مستويات الهرمونات خلال الحمل الطبيعي، وأهم هذه الأعراض هي الشعور بالحرارة والتعب والعصبية، وفي الواقع يؤدّي الحمل الى ارتفاع مستويات اثنين من الهرمونات المرتبطة به في الدم؛ هما: موجهة الغدد التناسلية المشيمائية (بالإنجليزيّة: human chorionic gonadotropin) واختصارًا hCG والإستروجين (بالإنجليزيّة: Estrogen)، حيث يؤدّي ارتفاع هذين الهرمونين الى ارتفاع مستويات هرمونات الغدة الدرقية، وتجدر الإشارة إلى أنّ الغدة الدرقية تتضخّم بشكل بسيط أثناء الحمل، إلّا أنّ هذا التضخم غير كافٍ ليتم ملاحظته من قبل الطبيب خلال إجراء الفحص السريري.
أسباب نشاط الغدة الدرقية للحامل
تتعدّد الأسباب التي تؤدي الى فرط الدرقية عند الحامل، ويمكن بيان كلٍّ منها بشيءٍ من التفصيل كما يأتي:
فرط الدّرقية الناجم عن هرمون الحمل
إنّ لهرمون موجهة الغدد التناسلية المشيمائية تأثيرٌ بسيط على نشاط الغدة الدرقية، لذا يمكن أن يؤدّي إلى ظهور بعض الأعراض المتعلّقة بفرط نشاط الغدة الدرقية، كما يعتبر هذا الهرمون مسؤولاً عن الغثيان المرافق للجزء الأول من الحمل، وفي هذا السياق تدر الإشارة إلى وجود ما يُعرف بفرط نشاط الغدة الدرقية الحملي (بالإنجليزية: Gestational hyperthyroidism) وهو حالة صحية عابرة ومؤقتة من التسمم الدرقي الناجم عن التحفيز المفرط للغدة الدرقية بواسطة موجهة الغدد التناسلية المشيمائية، يقتصر حدوثها عادة على أول 12-16 أسبوعًا من الحمل، ووفقًا لما نُشر في مجلة BioMed Central عام 2013 م فإنّ هذه الحالة تؤثّر على ما نسبته 1-3% تقريبًا من حالات الحمل، خصوصًا لدى النّساء اللّاتي يعانين من القيء المفرط الحملي (*) (بالإنجليزية: Hyperemesis Gavidarum)، أو حالات الحمل المتعدد (بالإنجليزية: Multiple gestation).
داءُ غريفز
يُعدّ داءُ غريفز (بالإنجليزية: Grave's disease) من أكثر الأسباب شيوعًا لحدوث فرط الغدة الدرقية خلال الحمل، وهو من أكثر الأمراض شيوعًا لدى النساء صغيرات السن والنساء في منتصف العمر، وهو مرض مناعيّ يعتقد الباحثون أنّ يحدث نتيجة تحفيز الأجسام المضادة للغدة الدرقية من أجل إنتاج كميات كبيرة من هرموناتها..
أسبابٌ أخرى
من الأسباب الأخرى الأقل شيوعًا لحدوث فرط نشاط الغدة الدرقية خلال الحمل ما يأتي:
- الدّراق العُقَيدِيّ السامّ: (بالإنجليزيّة: Toxic nodular goiter) الذي ينطوي على وجود تضخم في الغدة الدرقية، إذ يزداد حجم بعض المواضع في الغدة الدرقية وتتشكّل العديد من العُقَيْدات فيها، بحيث تنتج واحدة أو أكثر من هذه العُقَيْدات مستويات مرتفعة من هرمونات الغدة الدرقية..
- التهاب الدَّرقيَّة تحت الحادّ: (بالإنجليزيّة: Sub-acute thyroiditis) وهو التهاب حادّ في الغدة الدرقية يُظنّ أنّ سبب حدوثه فيروسيّ، يؤدّي في معظم الأحيان إلى فرط نشاط الغدة الدرقية، الذي قد يكون متبوعًا أحيانًا بفترة عابرة من قصور الدرقية، وتتضمّن الأعراض المرتبطة به ارتفاع درجات الحرارة، والشعور بألم عند لمس الغدة الدرقية..
- مصدر خارجي من هرمونات الدرقية: ويحدث بسبب تناول مرضى قصور الدرقية لجرعات مرتفعة من الأدوية البديلة لهرمون الدرقية، ممّا يؤدي إلى فرط نشاط الدرقية، وذلك بحالة تُعرَف بفَرْطُ الدَّرَقِيَّةِ الصُّنْعِي (بالإنجليزية: Factitious Hyperthyroidism)..
أعراض نشاط الدرقية
قد تتضمّن أهم الأعراض والعلامات التي قد تظهر لدى النساء المصابات بفرط نشاط الغدة الدرقية أثناء الحمل الطبيعي كلًّا من التعرّق وعدم تحمّل الحرارة، والإرهاق، والقلق، والعصبيّة، وصعوبة النوم، وارتفاع ضغط الدم، وازدياد عدد نبضات القلب والتنفّس السريع حتى أثناء الراحة، والغثيان، وانخفاض الوزن أو عدم ازدياده كما هو متوقّع ، وفتح الشهيّة، والصداع، وتورّم الرقبة، وانتفاخ العينين، واضطرابات الرؤية، وصعوبة النوم، وكذلك المعاناة من الإمساك أو الإسهال.
ولمعرفة المزيد عن أعراض نشاط الغدة الدرقية بشكل عامّ يمكن قراءة المقال التالي: ( ما هي أعراض زيادة نشاط الغدة الدرقية ).
تشخيص نشاط الغدة الدرقية للحامل
قد يكون تشخيص فرط نشاط الغدة الدرقية عند الحوامل صعبًا؛ وذلك لأنّ العلامات والأعراض التي تصاحب ظهوره قد تكون متشابهة مع أعراض الحمل، ومع ذلك فإنّ التشخيص يعتمد على المظاهر السريريّة ونتائج التحاليل، حيث تكون مستويات الهرمون المنبه للدرقية TSH منخفضة، في حين تكون مستويات الهرمونات الدرقية مرتفعة عن المستوى الطبيعي، وفي حال وجود أجسام مضادة لمستقبلات الهرمون المنبه للدرقية فإنّ ذلك يشير إلى وجود داء غريفيز، وتجدر الإشارة إلى أنّه لا يمكن تشخيص الحالة بواسطة اليود المشع خلال الحمل بسبب قدرته على اختراق المشيمة، الأمر الذي قد يُعزّز حدوث قصور الدرقية عند الجنين، إضافة إلى ازدياد خطر حدوث سرطان الغدة الدرقية لدى الحامل..
علاج نشاط الدرقية للحامل
الهدف من العلاج
تهدف الخطة العلاجية في حالة الإصابة بفرط نشاط الغدة الدرقية إلى التخفيف من الأعراض الظاهرة على المصابة، والوصول بمستويات هرمون الدرقية T4 المرتفعة ضمن الحد العلوي من المستوى الطبيعي له، وكذلك مجاراة الوضع الطبيعي للغدة من خلال استخدام أقل جرعة دوائية ممكنة من الأدوية المضادة للهرمونات الدرقية.
العلاج والمتابعة الطبية
يمكن للطبيب أن يقرّر الخطة العلاجية المتّبعة لعلاج نشاط الغدة الدرقية لدى الحامل بناءً على كلّ من السبب الكامن وراء الإصابة به، إضافة إلى شدّة الأعراض التي تُعاني منها المصابة؛ فإذا كان ارتفاع هرمونات الغدة الدرقية طفيفًا ورافق ذلك عدم ظهور الأعراض على المصابة، كالحالات التي يكون سبب فرط الدرقية هو ارتفاع هرمون HCG المرافق للحمل، فقد يكتفي الطبيب حينئذٍ بمتابعة فحوصات المصابة بشكل منتظم دون اللجوء إلى استخدام أي علاج، وذلك لأنّ هذه الحالة تعود إلى الوضع الطبيعي مجددّا مع حلول الأسبوع الرابع عشر إلى الثامن عشر من الحمل دون الحاجة إلى التدخّل الطبي، وتجدر الإشارة إلى أنّ الغالبية العظمى من المصابات اللاتي يعانين من القيء المفرط الحملي وفرط الدرقية لا يحتجن إلى استخدام أدوية مضادة لهرمونات الدرقية، إلّا أنّه يمكن توفير اجراءات مساعدة لهن، في حين يجب أن تخضع النساء اللاتي يعانين من حالة متوسطة إلى شديدة من فرط الغدة الدرقية كما هو الحال في حالة الإصابة بداء غريفز والعقيدات الدرقية السامة إلى لعلاج بالأدوية المضادة للغدة الدرقية.
يمكن للمصابة استخدام جرعات دوائية بناءً على ما يقرّره الطبيب إلى أن تصل المصابة إلى الوضع الطبيعي للغدة الدرقية وهرموناتها؛ وعندها تُكمل المصابة استخدام العلاج بأقل جرعة دوائية ممكنة للتحكّم بمستوى هرمونات الغدة الدرقية؛ وفي هذا السّياق يجدر بيان أنّ الدواء الموصى به لعلاج فرط الدرقية خلال الثلاثة شهور الأولى من الحمل هو البروبيل ثيُوراسيل (بالإنجليزية: Propylthiouracil)، ثم وبناءً على توصيات الطبيب يتم تحويله الى مِيثِيمازُول (بالإنجليزية: Methimazole) مع بدء الثلاثة أشهر الثانية من الحمل، مع التأكيد على أهمية مراقبة مستويات هرمونات الدرقية بشكلٍ منتظم أثناء الحمل والتي عادةُ ما تكون كل 4-6 أسابيع ويتم تعديل جرعة الأدوية المضادة لهرمونات الدرقية إذا تطلب الأمر بناءً على توصيات الطبيب.
علاجات أخرى
قد يكون هنالك حاجة للجوء لعلاجات اخرى أو إضافية للتحكم بوضع المصابة في بعض الحالات الشديدة من مرض فرط الدرقية لدى الحامل خاصّة في حال كان داء غريفيز هو المسبب؛ ويمكن بيان هذه العلاجات كما يأتي:
- حاصرات بيتا: المتعارف عليها كأحد الأدوية المستخدمة في علاج ارتفاع ضغط الدم، ولكنّها يكمن أن تستخدم كعلاج للمصابين بحالات شديدة من فرط الدرقية للتخفيف من الأعراض والعلامات الظاهرة عليهم، مثل تسارع دقات القلب ورعشة اليدين،حيث تستخدم لفترة قصيرة تمتد إلى بضعة أسابيع..
- استئصال الغدة الدرقية: (بالإنجليزية: Thyroidectomy) يتم اللجوء إلى هذا الخيار الجراحي في حالاتٍ نادرة للمصابات اللاتي لم يستطعن تحمّل الأدوية المضادة للدرقية التي تم استخدامها بسبب الاثار الجانبية، أو في حال لم تنجح هذه الأدوية في إعطاء نتائج مرغوبة؛ حيث يمكن إجراء استئصال الدرقية في حال لزم الأمر خلال الثلاثة شهور الثانية من الحمل، ومن الجدير الذكر أنّه يمنع استخدام العلاج باليود المشع خلال الحمل على الإطلاق؛ والذي يأتي على شكل قرص دوائي بجرعة واحدة ولمرة واحدة في العادة.
النّساء اللاتي يخططن للحمل
على الرّغم من أنّ فرط نشاط الدرقية قد يمنع حدوث الحمل، إلّا أنّه يمكن للحمل أن يحدث بمجرّد التحكّم بهذه الحالة وعودة مستويات الهرمونات إلى الوضع الطبيعي، وتجدر الإشارة إلى أهمية إعلام الطاقم الطبي في حال المعاناة السابقة أو الحالية للمرأة التي تخطّط للحمل من أيّ اضطرابات في الغدة الدرقية ، بما في ذلك فرط نشاط الغدة الدرقية، وذلك من أجل السيطرة على الحالة وتعديل الجرعات الدوائية عند الحاجة بما يُناسب وضع المرأة المصابة، وذلك في حال استخدام الأدوية المضادة لهرمونات الدرقية، كما يمكن طلب النصح والإرشاد من الطاقم الطبي هند الحاجة لذلك.
الهوامش: (*) القيء المفرط الحملي: حالة تتمثّل بالمعاناة من الغثيان الشديد والقيء وفقدان الوزن واضطراب المواد الكهرلية أثناء الحمل.