نشأة مدارس علم النفس
نشأة مدارس علم النفس
يُعتبر علم النفس هو العلم الذي يدرس العمليات العقلية للإنسان وسلوكه ووظائف الدماغ، ويرتبط هذا العلم لأهميته بالعديد من المعارف والعلوم، وبمختلف الثقافات والأدبيات في العالم، ولقد تفرّع علم النفس حسب نظرياته وتوجهات روّاده في تقديم التفسيرات حول العمليات العقلية وتحليل السلوك والمشاعر إلى عدة مدارس نفسية،فيما يأتي نبذه عن هذه المدارس:
مدرسة التحليل النفسي
نشأت مدرسة التحليل النفسي على يد الطبيب النمساوي سيجموند فرويد، الذي قسّم الذات إلى ثلاثة أجزاء؛ الأنا التي تتمثل بالذات والشخصية، والهو المتمثلة بالغرائز، الأنا الأعلى وهي الضمير والنفس الأمارة بالخير، ويعتبر أول من وصف اللاوعي الإنساني الذي يتحكم بسلوك الأفراد بشكل لا شعوريّ؛ بسبب امتلائه بذكريات الطفولة وما تعرّض له المرء خلال مسيرة حياته من أحداث وظروف ومشاعر، وما يحمله من دوافع ورغبات ومخاوف.
ويتجلى اللاوعي في أحلام الإنسان وما تحمله من رمزيات يمكن فهم رغبات الإنسان ومخاوفه من خلالها، لقد توصّل فرويد إلى كل تحليلاته ونظرياته في علم النفس من خلال ملاحظاته السريرية على المرضى الذين أشرف عليهم خلال مسيرته المهنية، ولقد تركت ملاحظاته أثرًا هامّا في تحليل السلوك البشري والأبعاد النفسية له.
قسّم فرويد الغرائز الأساسية عند الإنسان إلى قسمين؛ غريزة الموت المتمثلة بالعدوان، وغريزة الحياة المتمثلة بالجنس، ووصل به الأمر -على ما وصفه منتقديه- إلى المبالغة في تحليل اللاوعي والجنس لدى الأفراد، لكنّ نظرياته التي وصفت بكونها غير تجريبية بمعنى أنّها ليست دقيقة وثابتة قد ساهمت في التطور التجريبي لعلم النفسي، وقدمت تحليلات قامت نظريات اجتماعية عليها، كنظرية المراحل النفسية الاجتماعية لإريكسون.
المدرسة السلوكية في علم النفس
أسست المدرسة السلوكية على يد العالم جون واطسون الذي قدّم طرحًا حول علمية تخصص علم النفس، وأنّ السلوك والأحداث الملموسة القابلة للقياس هي الأمور الوحيدة التي يجب أن تُعنى بالدراسة النفسية، فخالف بذلك النظريات والمعتقدات للمدرسة التحليلة التي نظرت إلى السلوك كنتيجة لحدث نفسي أعمق من أن يرى أو يقاس.
تمت محاججة واطسون بمفاهيم مثل الإحساس والفكر، وكيف بإمكاننا قياس تلك المفاهيم وأثرها على العقل، لكنّه وجد أنّ بإمكاننا من خلال السلوك الظاهر تقديم كافة القياسات العلمية، وتأثر بذلك بافلوف العالم الذي قدّم من خلاله تجاربه نظرية الاستجابات المشروطة، المعنية بالتعلم السلوكي من خلال استخدام الثواب والعقاب.
ثم جاء سكينر الذي قدّم طرحًا أكثر راديكالية في النظرية السلوكية؛ حيث اعتقد أنّ العمليات المعرفية كالفكر والشعور هي مجرد نتاجات لأفعالنا والأحداث، واعتقد أنّ البيئة هي التي تحدد الشخصية، كما ويتحكم التعزيز والعقاب، وخبرات الماضي والحاضر في تحديد سلوكنا.
المدرسة المعرفية في علم النفس
ظهرت المدرسة المعرفية في خمسينات القرن الماضي، كردّ فعل على فشل المدرسة السلوكية في تقديم تفسيرٍ مقنع حول تأثير العمليات العقلية على السلوك، وبدأت المدرسة المعرفية في هذه الفترة بعمل العديد من الأبحاث حول مفاهيم جديدة مثل اللغة والذاكرة والإدراك؛ فقامت بدراسة العمليات العقلية التي تُعنى بكيفية التفكير والإدراك والذاكرة، الأمر الذي ربط هذه المدرسة بعلم الأعصاب، والفلسفة، واللغويات.
قدّم بياجيه نظرية التطوّر المعرفي التي شرح خلالها كيفية تطوّر العمليات العقلية للإنسان منذ أن كان رضيعًا؛ حيث اعتقد أنّ الأطفال يولدون ببنية عقلية أساسية يتم عبر التجارب الحياتية تعبئها وتوجيهها، ووضع مفهوم المخططات في التطور المعرفي والتي تعني مجموعة التصورات الذهنية عن العالم التي نكوّنها ونخزنها لنستخدمها عند الحاجة إليها، لفهم المواقف أو الاستجابة لفعل ما.
المدرسة البنائية في علم النفس
أسّس المدرسة البنائية الألماني فيلهام وونت الذي أكّد على ضرورة إعطاء الأولوية في البحث النفسي لخبراتنا الداخلية، ومشاعرنا وأفكارنا الخاصة، أمّا عن خبراتنا الخارجية الظاهرية فهي من شأن العلوم الطبيعية، وتستخدم هذه المدرسة أسلوب التأمل الباطني (الاستبطان) في تحليل الوعي الإنساني للفرد ومحتوى خبراته.
يطبق الاستبطان على الفرد من خلال ملاحظة حالته النفسية وانفعالاته خاصة تلك التي تظهر عند استثارته بمؤثرات تحمل خصوصية نفسية عنده، فيتم بذلك تفسير البناء العقلي له، وشعوره، وانتباهه، وخيالاته، وتعتبر اللغة والأسلوب الاستقرائي مهمان في عملية التحليل في المدرسة البنائية؛ حيث أنّ اللغة لا تنفصل أبدًا عن أي عنصر في التحليل، ويقوم الاستقراء على تحليل البيئة والتجربة والبناء عليها.