نشأة القصة في الأدب العربي
مفهوم القصة
القصة هي سرد لمجموعة من الأحداث سواء أكان بالطريقة النثرية أم بالطريقة الشعرية ، وذلك بغية عدة أهداف منها تثقيف السامعين أو إمتاعهم أو أخذ العبرة والعظة.
ودائمًا ما ترتكز القصة على مجموعة من الشخصيات التي تقدر على تحريك الأحداث والسير فيها علوًا وهبوطًا حتى الوصول إلى الحبكة ومن ثم النهاية، وتكمن مهمة القاص في نقل القارئ من واقعه الذي يعيش فيه إلى أحداث القصة؛ حيث يكون واحدًا من شخوصها.
القصة عند العرب
لم تكن القصة مزدهرة عند العرب كما كانت لدى الغرب، لأنّ القصة تحتاج إلى مجموعة من المقومات غير موجودة عند الإنسان العربي في تلك الفترة، من قوة الخيال أو الاستناد في تفسير الظواهر إلى الأساطير؛ لذا كانت القصة عندهم ضعيفة في الحبكة والنهاية واللغة.
ولمّا كان العربي يهتم بالشعر والأدب وقول المعلقات والحديث عن الكرم والجود، فإنّه لم يجد متسعًا في حياته للقصة، فالتفاخر كان في الشعر، وقوة السبك، وجمال اللفظ، وحسن التعبير، والقدرة على الإتيان بشعر يرفع شأن القبيلة ويحط من أعدائها، أي أنّ البيئة العربية لم تكن مناسبة لظهور القصة فيها.
نشأة القصة في الأدب العربي
نشأت القصة في البداية على شكل أخبار تناقلها العرب فيما بينهم على شكل قصة، فانقسمت بذلك القصة إلى نوعين اثنين، فأمّا النوع الأوّل فهو القصة التي يُعرف أبطالها وشخوصها مثل قصص عنترة التي تناقلها العرب بينهم، فالمؤلف هنا هو نفسه الراوي أو الناقل، أي أنّ القصة لا تحمل في ذاتها اسم مؤلف لأنّه هو مجرد ناقل للأخبار التي سمعها وتناهت إليه.
وأمّا النوع الثاني من القصص فهو القصة المترجمة من أمثال قصة ألف ليلة وليلة أو قصة كليلة ودمنة، بمعنى آخر إنّ القصص في تلك الفترة كلها لها أصل تاريخي أي ليست هي موجودة من العدم، ومع ذلك فإنّ القصة في تلك الفترة كانت توضع لإرضاء العامة من أجل الترفيه والتسلية، ولم توضع من أجل التثقيف أو التوعية أو غير ذلك من الأهداف.
تطورات القصة في الأدب العربي القديم
مرت القصة في الأدب العربي القديم بمجموعة من التطورات، ومن أهمها ما يأتي:
- القصة الشعبية
كانت القصة في العصر الجاهلي عبارة عن أحداث يتداولها النّاس من أجل الترفيه والمتعة والتسلية، وهي قصص شعبية يتناقلها النّاس فيما بينهم شفاهًا، وسبب رواجها أنّ العرب في تلك المرحلة كان لديهم شغف عظيم بأخبار القضاة وأسلافهم من الملوك.
- القصة الشعرية
تطوّرت القصة النثرية لتكون قصة شعرية، وفيها يحكي الشاعر عن قصة كاملة بمجموعة من الأبيات التي يُطرزها حتى تكون غاية في الجمال ولكن دون أن يتطرق إلى عناصر القصة الصحيحة.
- قصص القرآن الكريم
لم يعد العربي بحاجة لتأليف القصص فقد جاءته القصص من الله تبارك وتعالى؛ حيث وردت لعديد من القصص في القرآن الكريم، والهدف من القصة في القرآن الكريم هو التربية وأخذ العبرة.
- ظهور القصص لغايات سياسية ودينية
فصار الملوك يبثون بين رعايهم أناسًا عملها فقط هو تأليف القصص ونشرها بين النّاس وتسليتها بها، وكذلك فقد استعان الفقهاء بفن القصة من أجل بث روح الحماس في نفوس الشباب عند القتال أو من أجل الوعظ أو غير ذلك.
تطورات القصة في الأدب العربي الحديث
مرت القصة بمجموعة من التطورات في العصر الحديث حتّى وصلت إلى ما هي عليه اليوم، ومن ذلك ما يأتي:
مرحلة البدايات والتأسيس
كانت مرحلة البدايات والتأسيس هي أهم مرحلة في حياة القصة العربية، وقد مرت في أكثر من تطور في تلك المرحلة ومن ذلك:
مرحلة الترجمة
نظرًا لحركة الهجرة واندماج الشعوب الأوروبية مع الشعوب العربية فإنّ فئة من الشباب اتجهت في بداية القرن التاسع عشر إلى نفض الغبار عن نفسها والبدء بحركة الترجمة.
وقد بدأت حركة الترجمة بنقل التراث الفكري الأوروبي، ومن بين ذلك القصة المزدهرة عن الغرب، وكان ذلك في عام 1829م على يد محمد عثمان بك جلال الذي نقل مجموعة من القصص والمسرحيات.
قصص التعليم والإصلاح الاجتماعي
بدأ العرب يعون أنّ القصة تحمل أهدافًا كثيرة ومن بينها نشر الوعي والأخلاق والتعليم وإصلاح المجتمع، وقد ظهر ذلك جليًا لما ترجم ابن المقفع كتاب كليلة ودمنة، وكان المقفع ذا فصاحة عالية وقد أثر كثيرًا على مسيرة النثر العربي.
وقد كان الكتاب عبارة عن مجموعة من القصص التي تحمل حكمة ووعظًا، وتتداخل القصص بين بعضها الباب فالمؤلف يدخل من قصة إلى قصة، ثم وضع الجاحظ كتاب البخلاء الذي يحكي عن الحياة الاجتماعية ويجمع ما بين الطرفة والإصلاح في آن معًا.
قصص التسلية والترفيه
إنّ القصة لا بد أن تحمل في طياتها التسلية والترفيه، فهذا هو الهدف الموجود دائمًا في كل قصة، ولكن يُشارك هذا الهدف هدف آخر يكون إمّا تعليميًا أو إصلاحيًا أو غير ذلك.
ومن ذلك كتاب ألف ليلة وليلة، الذي يحوي مجموعة من الحكايا التي وصلت إلى العرب، ولكن من غير المعروف مؤلف ذلك الكتاب الأصلي ولا توقيت تأليفه، ولكن ما عُرف أنّه عندما وصل هذا الكتاب إلى العرب، ضخموا تلك القصص وبالغوا فيها وأحسنوا في وضعها.
مرحلة القصة الفنية
بعد مرور القصة بمجموعة من المراحل التي أثرت فيها كان لا بدّ أن تصل أخيرًا إلى مرحلة النضج الحقيقي، وقد بدأت تثبت وجودها بين الأجناس الأدبية في بداية القرن العشرين، وقد أفردت الصحف زاوية خاصة للقصة؛ أي صار فنًا له هويته يبحث الناس عنه.
وتذهب الآراء إلى أنّ أول قصة فنية ظهرت بالشكل المتعارف عليه أي تحوي عناصر القصة الفنية كاملة هي قصة القطار التي نشرت في جريدة السفور عام 1917م، وقال آخرون بل هي قصة "سنتها الجديدة" التي نشرت في بيروت عام 1914م، وبذلك تكون الصحيفة هي الأم الأولى الحاضنة للقصة الفنية.
وامتازت القصة بمجموعة من السمات من أهمها ما يأتي:
- تؤثر في القارئ وتُحاول أن تريه الأمور من زاوية مختلفة.
- يشترك فيها عدد معين من الشخصيات يتم التعريف عنهم من خلال القصة.
- تحتوي على نهاية غير متوقعة من قبل القارئ في بعض الأحيان.
- يكون الحل بعد العقدة وتصاعد الأحداث.
إنّ القصة لم تكن في بداياتها نتاج فكر عربي، ولكن بعد ذلك استطاع العرب أن يركبوا صهوة هذا الجنس الأدبي، وأن يبدعوا فيه منوعين في الأهداف واصلين إلى شكل القصة الفنية الحقيقي.