نبذة عن أبي القاسم القشيري
مولد أبي القاسم القشيري
هو أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن بن عبد الملك بن طلحة القشيريّ الخراسانيّ النيسابوريّ الشافعي. كان إمامًا من أئمّة الصوفية على مرّ القرون وكان المُقدّم في عصره على سائر شيوخ التصوّف، ولد في قرية "أسوا" من أعمال نيسابور في خراسان التي تقع اليوم ضمن أراضي جمهوريّة إيران. وهو عربي الأصل وكانت ولادته - بحسب ما ذكر الخطيب البغدادي - سنة 376هـ في شهر ربيع الأول.
لُقّب بزين الإسلام له كتاب الرسالة في التصوف الذي كتبه لجماعة الصوفية في بلدان الإسلام وله التفسير الكبير من التفاسير المشهورة للقرآن الكريم. وفي "إنباه الرواة" للجمال القفطي يذكر أنّ نسبة القُشيري تعود إلى قُشير بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، وهو جدّ إحدى القبائل العربية وإلى هذه القبيلة يُنسب كثير من العلماء العرب. كان يجمع بين علمَي الشريعة والحقيقة، ويُقصد بعلم الحقيقة هو التصوّف والسلوك والسير إلى الله، بينما علم الشريعة يُعنى به الفقه والعقيدة ونحوها من علوم الشريعة المعروفة .
حياة أبي القاسم القشيري
قُدّر لأبي القاسم القشيري أن يتحمّل المصاعب منذ صغره، فقد توفي والده وهو ما يزال في سنوات حياته الأولى فنشأ يتيمًا وعاش في كنف والدته، وما لبث أن بدأ بتعلم العربيّة والأدب العربي في قريته إستوا، كانت هذه العلوم من المُسلّمات التي يتعلّمها الطفل في تلك النواحي إضافة لتعلّم القرآن الكريم.
وفي تلك الناحية - أي إستوا - كان الناس يُعانون ظلمَ عمّال الخراج، فكان لزامًا على أبي القاسم القشيري أن يتعلّم طرفًا من علم الحساب حتى يتمكن من إدارة مصالحه وحماية الناس من الظلم، وقد كان للقشيري ضيعة يعود خراجها له، فكان تعلُّم الحساب لازمًا للقشيري، فرحل إلى نيسابور ليتعلم ذلك.
نشأة أبي القاسم القشيري العلمية
حين رحل القشيري إلى نيسابور لتعلّم الحساب صادفَ حلقة للشيخ أبي علي الدقاق الذي كان إمام الصوفية في زمانه، فاستأذنه في الانضمام إلى حلقة مريدي الشيخ الدقّاق، فلمّا رأى الشيخ الدقاق ملامح النجابة بادية على القشيري فقد أذنَ له بالانضمام إلى مريديه شريطة أن يتعلم الشريعة فلا يصح أن يكون المسلم صوفيًّا من دون الاضطلاع في علوم الشريعة.
فاتّجه إلى الشيخ أبي بكر محمد بن أبي بكر الطوسي ليتعلّم على يديه الأصول والفروع، وبعده انتقل إلى الشيخ أبي إسحاق الإسفراييني، فوجد الإسفراييني أنّ القشيري لا يحتاج لحضور مجالسه، وأجازه بأن يقرأ من كتبه مباشرة.
كانت إجازة الإسفراييني أشبه بشهادة تُعطى للتلميذ أنّه قد تجاوز مرحلة كبيرة في طلب العلم، فصار الإمام القشيري يطالع كتب الإسفراييني وبعده صار يطالع كتب أبي بكر الباقلّاني وغيره من العلماء المعروفين آنذاك، فبرع القشيري في الأصول والفروع.
ونحى في العقيدة منحى أبي الحسن الأشعري إذ أخذ العقيدة عن بعض تلامذة الأشعري كابن فورَك، ودرس علم الكلام وأتقنه وتعلّم النحو حتى صار في زمرة النحاة وعلماء اللغة، وتعلم التفسير وبرع فيه وترك في ذلك مؤلَّفًا ضخمًا، وبعد رحلته العلمية تلك ذاع صيته وصار من كبار العلماء وصاحبه الجويني والبيهقي إلى الحج.
عاد القشيري إلى أبي علي الدقاق بعد أن صار عالمًا وصار من تلامذته المقربين، ثمّ ما لبث الدقّاق أن جعله من أصفيائه وقرّبه من نفسه وزوّجه بابنته، وشيئًا فشيئًا صار القشيري من المتصوفة الذين يُشار إليهم بالبنان ويشهد لهم أهل زمانهم، فعندما توفي أبو علي الدقاق لم يكن هنالك من ينازعه كرسي الأستاذيّة، ومنذ ذلك الوقت صار القشيري أستاذ نيسابور بلا منازع.
أهم مؤلفات أبي القاسم القشيري
لقد ترك الإمام القشيري وراءه كثير من المؤلفات، فمنها ما حُقّق ومنها ما فُقد ومنها ما لا يزال مخوطًا، ومنها:
- الرسالة القشيريّة: وهي رسالة كتبها أبو القاسم القشيري للصوفية في بلدان الإسلام يوضّح لهم فيها أصول التصوف والاعتقاد ورجال الطريقة وغير ذلك من الأمور التي ينبغي للسالك أن يعرفها، وللكتاب طبعات كثيرة.
- لطائف الإشارات: وهو كتاب في تفسير القرآن الكريم، وعدد مجلداته بحسب الطبعة التي تُصدرها دور النشر، وللكتاب طبعات كثيرة.
- حياة الأرواح والدليل على طريق الصلاح والفلاح: وهو كتاب يظهر من عنوانه أنّه في التصوف والزهد، ولكنه مخطوط لم يُطبع بعد.
- التيسير في علم التفسير: ويظهر انّ الكتاب في تفسير القرآن الكريم، ولكنّه مخطوط لم يُطبع بعد.
- آداب الصوفية: وهذا من الكتب المفقودة.
- المعراج: وهو كتاب في التصوف يشرح فيه القشيري حقيقة معراج النبي - صلى الله عليه وسلم - هل كانت في اليقظة أو في المنام، ونحو ذلك من الأمور التي رافقت هذه الرحلة، وقد طُبع الكتاب بعد أن كان مخطوطًا.
أشهر اقتباسات أبي القاسم القشيري
من أشهر الأقوال التي نُسبت إلى الإمام القشيري:
- إذا أراد الله أن ينقل العبد من ذل المعصية إلى عز الطاعة آنسه بالوحدة، وأغناه بالقناعة، وبصّره بعيوب نفسه.
- يستدل على تقوى الرجل بثلاث: حسن التوكل فيما لم ينل، وحسن الرضا فيما قد نال، وحسن الصبر على ما قد فات.
- الفرق بين الرجاء وبين التمني أنّ التمني يورث صاحبه الكسل ولا يسلك طريق الجد والجهد، وبعكسه صاحب الرجاء، فالرجاء محمود والتمني معلول.
- من صفا سره لم يتكدرْ عليه الشرب، ومن صار الشراب له غذاء لم يصبرْ عنه، ولم يبقَ دونه.
- فُتِحَ علي بابٌ منَ البسطِ، فزَلَلْتُ زَلَّةً، فحُجِبْتُ عن مَقَامِي.
- إذا تمكن الذكرُ من القلب، فمن دنا منه الشيطان صُرع كما يُصرع الإنسان إذا دنا منه الشيطان، فتجتمع عليه الشياطين فيقولون: ما لهذا؟ فيقال: قد مسَّه الإنس.
- يقال إنَّ الخَلْق لا يصدقونك وإنْ حَلَفْت لهم، والحقُّ يَقْبَلُكَ وإِنْ تخَلَّفْتَ عنه؛ فالاشتغالُ بالخلْقِ محنةٌ أنت غيرُ مأجورٍ عليها، والإقبالُ على الحقِّ نعمةٌ أنت مشكورٌ عليها، والمغبونُ مَنْ تَرَكَ ما يُشْكَرُ عليه ويُؤثِر ما لا يؤجرُ عليه.
- الزَّلةُ الواحدةُ بعد كشف البرهان أقبحُ من كثيرٍ منها قبل ذلك، ومَنْ عُرِفَ عنه الخيانة لا يُعْتَمد عليه في الأمانة.
- اخْتُصَّ النهارُ بضيائه وانفرد الليلُ بظلماته من غير استيجاب لذلك، ومن غير استحقاق عقاب لهذا، وفي هذا دليلٌ على أَنَّ الردَّ والقبولَ والمَنْعَ والوصولَ ليست معلولةً بسبب، ولا حاصلةً بأمرِ مُكْتَسبٍ؛ كلَّا إنها إرادةٌ ومَشِيئَةٌ، وحُكْمٌ وقضية.
وفاة أبي القاسم القشيري
كان القشيري كثير الترحال وعاش في بغداد زمنًا طويلًا، ولكنه عاد في أواخر حياته إلى نيسابور مكان ميلاده ومات فيها ودفن في المدرسة إلى جوار أستاذه أبي علي الدقاق، ويذهب أكثر المؤرخين إلى أنّه مات سنة 465هـ يوم الأحد 16 من ربيع الآخر وقد بلغ نحوًا من 90 سنة من العمر.
وهكذا يظهر أنّ القشيري هو واحد من أئمة الصوفية الذين ساروا على النهج الذي رسمه أسلافهم الأوائل القاضي بضرورة الجمع بين علمي الشريعة والحقيقة التي لا يمكن للمتصوّف أن يسلك الطريق الحق من دون الجمع بينهما، وقد تدرّج في المراتب العلميّة حتى بلغ الأستاذية المطلقة في التصوف والشريعة في زمانه.