موضوع عن هجرة الرسول
انتظار الإذن بالهجرة
أقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بمكة بعد خروج أصحابه من المهاجرين ينتظر أن يُؤذن له بالهجرة، ولم يبقى مع النبي -صلى الله عليه وسلم- أحدٌ بمكة من المهاجرين إلا من حُبس أو فُتن سوى علي بن أبي طالب، وأبو بكر الصديق رضي الله عنهما، وكان أبو بكرٍ الصديق -رضي الله عنه- كثيراً ما يستأذن النبي -صلى الله عليه وسلم- بالهجرة إلى المدينة، فيُجيبه رسول الله- صلى الله عليه وسلم: لا تعجل لعلَّ الله -تعالى- يجعل لك صاحباً، فيطمع أبو بكر بصحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
تآمر قريش والإذن بالهجرة
حينما علمت قريش بمبايعة الأنصار للنبي -صلى الله عليه وسلم- على الموت في سبيل حماية دعوته، اجتمع رؤساؤهم في دار الندوة ، وهي دار قصي بن كلاب، وكانت قريش لا تقضي أمراً إلا فيها، يتشاورون في أمر النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ازدادت مخاوفهم من انتشار دعوته بين العرب، فقال بعض سادات قريش : ننفيه من أرضنا حتى نستريح منه، وقال بعضهم: نوثّقه ونحبسه حتى يُدركه الموت، وقال أبو جهل: بل نأخذ من كل قبيلةٍ شاباً قوياً، فيجتمعون أمام داره، فإذا خرج من بيته ضربوه ضربة رجلٍ واحدٍ، فيتفرّق دمه بين قبائل العرب، فلا يستطيع بنو عبد مناف على قتال قريشٍ كلّها فيرضون بالدية، فاجتمعوا على هذا الرأي.
فأخبر الله -سبحانه وتعالى- نبيّه -صلى الله عليه وسلم- بتآمر قريشٍ على قتله، وذلك في قوله تعالى: (وَإِذ يَمكُرُ بِكَ الَّذينَ كَفَروا لِيُثبِتوكَ أَو يَقتُلوكَ أَو يُخرِجوكَ وَيَمكُرونَ وَيَمكُرُ اللَّـهُ وَاللَّـهُ خَيرُ الماكِرينَ)، ثمّ أذن الله -تعالى- لنبيّه -صلى الله عليه وسلم- بالهجرة، وذهب النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى أبي بكرٍ الصديق حتى يُخبره بأنّ الله أذن له بالهجرة، وليُرتّب معه أمرها، ففي الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إِنَّ الله أذن لي بالخروج والهجرة، فقال أبو بكرٍ: الصحبةُ يا رسول الله؟ قال: الصحبةُ، قالت عائشةُ: فوالله ما شعرتُ قطُّ قبل ذلك اليوم أنَّ أحداً يبكي من الفرح حتى رأيت أبا بكر يومئذ يبكي)، وكان أبو بكر الصديق قد أعدَّ ناقتين للسفر، واستأجر عبد الله بن أُريقط دليلاً لهما في الطريق إلى المدينة المنورة، فأعطاه الناقتين، وتواعدوا أن يلتقوا عند غار ثور بعد ثلاث ليال، وأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- علي بن أبي طالب أن يبقى في مكة، ويؤدّي الأمانات التي كانت عنده إلى أصحابها.
ثمّ رجع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى بيته وهو على علمٍ بما اجتمعت عليه قريش من المكر، فلمّا أعتم الليل اجتمع عددٌ من كفار قريش على باب حُجرة النبي -صلى الله عليه وسلم- ينتظرون نومه حتى يتمكّنوا من قتله، فلما رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- حصارهم لبيته أمر علي بن أبي طالب أن ينام مكانه، وأخبره بأنّه مُهاجرٌ إلى المدينة مع أبي بكر الصديق، ثمّ خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من بيته من بين جموع المشركين ، وقد أخذ الله -تعالى- أبصارهم عن رؤيته، وأخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حفنةً من التراب ونثرها على رؤوس المشركين، وهو يتلو آياتٍ من سورة يس ، ومضى إلى بيت رفيقه في الهجرة أبو بكر الصديق رضي الله عنه.
المبيت في غار ثور
خرج النبي -صلى الله عليه وسلم- من بيته من بين جموع المشركين الذين كفَّ الله أبصارهم عنه، ثمّ توجه إلى أبي بكرٍ الصديق رضي الله عنه، وانطلقا حتى بلغا غار ثور فلبثا فيه ثلاث ليالٍ؛ حتى ينقطع البحث عنهما وتيأس قريشٌ من مطاردتهما، وعند وصول النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر الصديق إلى غار ثور، أسرع أبو بكر الصديق في الدخول إلى الغار ليتفقّد خلوَّه من الحشرات والهوام الضارّة، فلما اطمأنّ من سلامة المكان نادى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليدخل في غار ثور، وكان عبد الله بن أبي بكر الصديق يأتي عليهما في الغار إذا حلَّ الليل فيخبرهما خبر قريش وما سمع من تدبيرهم وتآمرهم، وكان يأتيهما عامر بن فهيرة مولى أبي بكر بقطيعٍ من الغنم، فيشرب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من ألبانها، ويأكل من لحومها، فإذا عاد عبد الله بن أبي بكر إلى مكة تبعه عامر بن فهيرة بأغنامه؛ حتى تمحوا آثار أقدامه.
وقد فزعت قريش فزعاً شديداً لخبر هجرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من مكة ، فانطلقوا يبحثون في كل مكان، ويتتبّعون كل أثر، حتى وصل بهم البحث إلى مقربةٍ من غار ثور ، وانتابهم الشك في أن يكون النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر الصديق قد اختفيا فيه عن نظر قريش، وعندما سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر أصوات المشركين تقترب منهما، استولى الخوف الشديد على أبي بكر حتى تصبّب عرقاً، وقال: يا رسول الله لو نظر أحدهم إلى مكان قدمه لرآنا، فأجابه النبي -صلى الله عليه وسلم- باطمئنان: يا أبا بكر، ما ظنّك باثنينٍ الله ثالثهما، يا أبا بكر، لا تحزن إنّ الله معنا، ثمّ تقدّم أحد المشركين إلى باب الغار باحثاً عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر، فظنه مهجوراً، فعاد المشركون أدراجهم خائبين، ونجّا الله -تعالى- رسوله من مكرهم.
طريق الهجرة
حين توقّفت دوريات البحث والتفتيش عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وصاحبه أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- بعد ثلاث أيام من البحث المستمر، تجهّز رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر للخروج إلى المدينة المنورة ، حيث استأجرا دليلاً لهما في الطريق وهو عبد الله بن أُريقط، وكان ماهراً بالطريق ويتبع دين كفار قريش، فلما كانت ليلة الاثنين غرة ربيع الأول جاءهما عبد الله بن أُريقط بالراحلتين، وأتتهما أسماء بنت أبي بكر بطعامهما، وقد نسيت أن تجعل له عصاماً -أي رباطاً- فشقّت نطاقها نصفين، وعلّقت طعامهما بواحد، وارتدت الآخر نطاقاً لها، فسمّيت ذات النطاقين، ثمّ ارتحل النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر الصديق، وارتحل معهما عامر بن فهيرة، وسلك بهم الدليل طريق الساحل، فأوّل ما سلك بهم بعد خروجهم من الغار أنّه اتجه باتجاه اليمن جنوباً، ثمّ اتجه نحو الساحل غرباً، حتى إذا بلغ طريقاً لم يألفه الناس اتّجه شمالاً على مقربةٍ من شاطئ البحر الأحمر، وسلك بهم طريقاً قلَّ أن يسلكه أحد.
وعرض للنبي -صلى الله عليه وسلم- وهو في طريق هجرته سراقة بن مالك بن جُعشم وهو على فرس، فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فغارت قوائم فرسه في الرمل، فقال: "ادعُ الله لي أن يُطلق فرسي، وأكفُّ عنك، وأردُّ من ورائي من الناس"، فدعا له النبي -صلى الله عليه وسلم- فأُطلق فرسه ورجع، فوجد الناس يبحثون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "ارجعوا فقد استبرأت لكم ما ها هنا، وقد علمتم معرفتي بالأثر"، فرجع الناس، وانتهى النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى بني عمرو بن عوف بمنطقة قُباء، وجاء المسلمون يُسلّمون على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونزل -عليه الصلاة والسلام- على كلثوم بن الهِدم، وقيل: سعد بن خيثمة، وأقام النبي -صلى الله عليه وسلم- بقُباء أربع عشرة ليلة، وقيل: أربع ليال، وأسّس مسجدها، وخرج من قُباءٍ يوم الجمعة بعد أن صلّى الجمعة في بني سالم وبمن كان معهم من المسلمين، وهم مئة رجل، ودخل النبي -صلى الله عليه وسلم- المدينة يوم الجمعة في الثاني عشر من ربيع الأول، وقيل: قَدم المدينة يوم الاثنين في الثاني عشر من ربيع الأول، وقيل: قَدم المدينة في يوم الاثنين في الثامن من شهر ربيع الأول، وقيل غير ذلك.