موضوع عن زيارة دار الأيتام
اليتيم
أكثر الله -عزّ وجلّ- في كتابه من الحثّ والترغيب على الإحسان إلى اليتيم، حيث قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (أنا وَكافلُ اليتيمِ في الجنَّةِ كَهاتين، وأشارَ بأصبُعَيْهِ، يعني: السَّبَّابةَ والوسطى)، واليتيم هو مَن فقد أباه قبل أن يبلغ الحلم، فإن بلغ؛ فقد زال عنه وصف اليتم، وقد يفقد الأب والأم فيكون حينئذٍ أشدّ حاجةً إلى الإحسان والصدقة ، وذلك في حال لم يتركا الأبوين من بعدهما ما يكفي حاجته، أمّا إن تركا ما يكفيه فلا يكون محلّاً للصدقة، وتكون حاجته في الرعاية، والإحسان، والتربية، والتوجيه، ولا يجور الاقتراب من مال اليتيم بأيّ حالٍ من الأحوال؛ فيحفظ له؛ حتى إذا بلغ ووصل مرحلة الرشد وزال عنه السفه يُدفع إليه ويُشهد عليه، فإنّ التصرف في مال اليتيم والطمع فيه واستغلاله من كبائر الذنوب، وأسباب العقوبات، حيث قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَىٰ ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا)، ويصحّ أن يُؤخذ من مال اليتيم من أجل تنميته، وفي قول الله تعالى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَىٰ قُلْ إِصْلَاحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ)؛ توجيهٌ من الله -تعالى- إلى كلّ من يتولّى أمر يتيمٍ، والإسلام أوصى بكلّ ما فيه الخير والصلاح للأيتام، فقد فوّض الله أولياء اليتامى بالتصرّف لهم، بكلّ ما فيه خير، فيتصرفون لهم، ويحرصون عليهم، كما يحرصون على التصرّف فيما يخصّ أنفسهم، وبذلك يكون ولي اليتيم قد أدّى الأمانة ، وأحسن بما يملك لمن يتولّى أموره.
عناية الإسلام باليتيم
جعل الإسلام الإحسان إلى اليتيم من أفضل الأعمال، وكان حقّ اليتيم ضائعاً قبل الإسلام ، فجاء الإسلام وأمر بإكرامه، وحذّر من إهانة اليتيم بأيّ نوعٍ من أنواع الإهانة، ولكفالة اليتيم والعناية به فوائدٌ كثيرةٌ، وفيما يأتي بيان بعضها:
- إنّ كفالة اليتيم سببٌ لصُحبة النّبي -صلّى الله عليه وسلّم- في الجنة.
- إنّ في كفالة اليتيم مضاعفةٌ للأجر إن كان اليتيم من الأقرباء، ففضلاً على أنّها كفالة يتيمٍ، وإنّ فيها كذلك صلة رحمٍ .
- إنّ كفالة اليتيم دليلٌ على الفطرة السليمة.
- كفالة اليتيم والمسح على رأسه؛ ممّا يرقّق القلب، ويساعد على إزالة قسوته، وتعود كفالة اليتيم على صاحبها بالخير الكثير قي الدنيا والآخرة.
- إنّ في كفالة اليتيم مساهمةٌ في بناء مجتمعاتٍ متماسكةٍ، خاليةٍ من الحسد ، والحقد، يملؤها الود والحبّ.
- إنّ في كفالة اليتيم دليل محبة الرسول صلّى الله عليه وسلّم، فقد كان يتيماً، وفي إكرام اليتيم إكراماً لمن شارك رسول الله في نفس الصفة.
- إنّ كفالة اليتيم تزكيةٌ للمال، وتطهيرٌ له.
- إذا رعت المرأة أولادها بعد وفاة زوجها، وكفتهم حاجتهم، فلها الخيرية في الدنيا، والفوز بالجنة ، ومصاحبة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
- إنّ في كفالة اليتيم بركةٌ تحلّ على الكافل، وتزيد من رزقه.
صور الإحسان إلى الأيتام
تتعدّد مجالات الإحسان إلى اليتيم، وإكرامه وكفالته، وفيما يأتي بيانٌ لصور الإحسان إلى اليتيم بشكلٍ مفصلٍ:
- تقديم ما يكفي اليتيم من الطعام؛ لأنّ في الأكل بقائه وديمومته، وإنّ ذلك من أعظم القُربات إلى الله تعالى.
- سُكناه في منزلٍ، أو دفع الإيجار عنه، ومداواته عند المرض، والحرص على تعليمه ما ينفعه من العلوم الدينية والدنيوية، ويدخل في ذلك؛ بناء دور الأيتام التي تحرص على إيواءهم، وترعاهم، وتهتم بهم، حتى يصل الواحد منهم سنّ البلوغ.
- التربية الصالحة التي تقوم على مكارم الأخلاق، والآداب، وإبعادهم عن كلّ سوءٍ.
- الرعاية النفسية السليمة، محاولةً في تعويضه عمّا فقده؛ من حنان أبيه، والرحمة التي فقدها بفقده.
- حفظ مال اليتيم، وما يملك، وحُسن التصرّف فيه، فمن خاف على نفسه التقصير في تلك الأمانة؛ فيجب عليه أن يتركها لمن له القدرة على تحمّلها، وحُسن التصرّف فيها.
- إن كان اليتيم أنثى وأراد الوصي عليها أن يتزوّجها إن كانت مما يحلّ له أن يتزوجها ، فيجب عليه ألّا يظلمها في حقوقها، ومهرها، وإنّما يعطيها مثل ما تُعطى مثيلاتها من النساء، وإن أراد أن يزوّجها لغيره؛ فيجب عليه أن يُحسن في اختيار الزوج المناسب لها.
- تجنّب الإساءة إلى اليتيم، سواءً بالقول أو الفعل، فيجب عليه ألّا يقهره ولا يذلّه، حيث قال الله تعالى: (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ).
ضوابط التعامل مع أموال اليتامى
إنّ القاعدة العامة التي تتعلّق في تصرّف الوصي بمال اليتيم؛ هي مصلحة اليتيم، وبالتالي فلا يجوز للوصي التصرف المطلق بذلك المال، وألّا يتصرّف بما فيه ضرراً محضاً على اليتيم؛ كالهبة ، أو البيع والشراء بغبنٍ فاحشٍ، ويكون للوصي حقّ مباشرة التصرّفات التي فيها نفعاً محضاً لليتيم، وكذلك التصرفات التي تدور ما بين النفع والضرر، وفيما يأتي بيان أهم الضوابط في التعامل مع أموال الأيتام:
- الإنفاق على الأيتام يكون من أموالهم، مع مراعاة الأولويات الشرعية في درجات الإنفاق؛ فيجب أن يُتأكد من تحقيق الضروريات، ثمّ الانتقال إلى الحاجيات، ثمّ الانتقال إلى الكماليات، ويشمل ذلك كلّ ما يحتاجه اليتيم؛ من طعامٍ، وشرابٍ، ومسكنٍ، وملبسٍ، وعلاجٍ، وتعليمٍ .
- من المفترض أن يكون الإنفاق من أموال اليتامى ضمن دائرة المباح شرعاً، دون إسرافٍ ولا تبذيرٍ، وبما يعود بالنفع، وتجنب كلّ إنفاقٍ محرّمٍ لا يعود بالنفع والخير على اليتيم.
- إذا كانت أموال اليتامى فيها فائضٌ عن حاجاتهم، فيجوز للولي استثمارها وتنميتها؛ وذلك حفاظاً عليها من أن تفنى بالنفقات، أو بالزكاة، حيث قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (اتَّجِرُوا في أموالِ اليتامَى، لا تأكلُها الزكاةُ).
- إذا أراد الوصي أن يُودع أموال اليتامى في البنوك، فيجب أن يُودعها في البنوك الإسلامية منها، ولا يُودعها في الربوية ؛ إلّا في حال عدم وجود البنوك الإسلامية .
- إخراج الزكاة من تلك الأموال؛ لأنّ الزكاة حقّ من حقوقّ المال.