موضوع عن جابر بن حيان
جابر بن حيان
يُعَدُّ جابر بن حيّان أبا الكيمياء؛ فإليه يعود الفضل في تأسيس هذا العِلم الكبير، ووَضعِ قواعده، وأساسيّاته التي اعتمدَ عليها الكيميائيّون لاحقاً، فكانَ أوّل عالِم كيميائيّ، حيث أُطلِقَ على هذا العِلم اسم (كيمياء جابر)؛ نسبةً إليه. وجابر بن حيّان هو أبو موسى بن عبدالله الطوسيّ الكوفيّ، وُلِدَ في مدينة طوس سنة 102هـ، وفي بعض الروايات عام 120هـ، إذ نشأ جابر في كَنَفِ والده العطّار شابّاً يميل طبعه إلى الهدوء، والذكاء ، والتأمُّل، والفضول، وكانَ دائم السؤالِ عن طبيعة الأشياءِ، بالإضافة إلى أنّ والده كان يُجيبُه بما يفقَه من عِلم النباتات، والزهور، والمعادنِ، والأحجار، ممّا أثرى الفتى بشتّى العلوم، ومعارف الفلاسفة القُدماء، حتى تُوفِّيَ والده؛ بسبب الحروب بينَ الأمويّين الهاشميّين، والعلويّين على السُّلطة، وبعدَ وفاة والده، دأبَ جابر يتعلَّمُ في كافّةِ المجالات، حتى أصبحَ من الشخصيّاتِ التاريخيّة التي يفخرُ المسلمون بها؛ فقد بَرَعَ في الفلسفةِ، والطبّ، والرياضيّاتِ، والفلكِ، والمنطقِ، والنجوم، كما انتقلَ جابر مع أهله إلى الكوفة سنة 132هـ تقريباً؛ طلباً للعِلم، فدخلَ البلاط العبّاسي في عَهد هارون الرشيد ، وتقرَّبَ منهم، وهناكَ افتتحَ مَحلّاً للعطارةِ، وتزوّجَ من أهل الكوفة، وعَكفَ على الكُتُب العِلميّة ينهلُ منها، وأنشأ لنفسه مَعملاً خاصّاً للكيمياء، بحيث كان مُزوَّداً بالأدواتِ، والموادِّ التي يستخدمها؛ ليجريَ تجاربَه الخاصّة.
المنهج العِلميّ لجابر بن حيان
طبَّقَ جابر بن حيّان خلال تجاربه المختلفة منهجاً علميّاً مُميَّزاً، وهو يشبه إلى حَدٍّ كبير المنهجَ العلميّ الذي أوجده العلماء المُعاصرون، ويمكن وصف المنهجّ العمليّ الذي كان يتَّبعه جابر ضمن عدّة نقاط،هيَ:
- المشاهدة المباشرة: إذ يشترط جابر في وضعه للنظريّات المشاهدة المباشرة، والتجريب الشخصيّ، أو الاستعانة بنظريّات العلماء الذين يُشترَط أن يكونوا أهلاً للثقة، والأخذ بعِلمهم، وتجاربهم المنقولة عنهم.
- المُزاوَجة بين الجانبَ الاستنباطيّ والجانب الاستقرائيّ: فالجانب الاستنباطيّ هو الذي يعتمد فيه العالِم على ما يؤدّيه بيده، أمّا الجانب الاستقرائيّ فهو الذي يتلخَّص بقراءة ما توصَّلَ إليه السابقون من نتائج، حيث يرى ابن حيّان أنّ التجربة باليد مُهمّة، إلّا أنّ دقّتها تزداد إذا ما وجدَ العالِمَ تجاربَ سابقةً تدلُّ عليها، وعلى صحّتها عن طريق الاستقراءِ، وبذلك يتلخَّص منهج جابر بن حيّان في التجربة باليد، يتبعُها إعمال العقل بما توصَّلت إليه اليد، ثمّ استنتاج نظريّة، أو فرضيّة ما، ثمّ امتحانها تطبيقيّاً؛ للتأكُّد من الفرض الذي تمّ وضعه.
- التخطيط للتجارب: كانَ ابن حيّان يحرص على أن يعرفَ التفاصيل الدقيقة كلّها، والمُتعلِّقة بالتجربة قَبلَ عملها، فيُحدِّد خطواتها، والأدواتِ، والموادّ اللازمة؛ لإجرائها، والظروف الأنسب؛ لتجربتها.
إنجازات جابر بن حيّان
قدَّمَ جابر بن حيّان للعالَم إرثاً علميّاً عظيماً في العديد من المجالات، وفيما يلي نبذة عن الإنجازات التي قدَّمها هذا العالِم في مختلف العلوم:
- إنجازات جابر بن حيّان في الكيمياء: استطاعَ جابر أن يربطَ علمَ الكيمياءِ باسمه؛ لكثرة الإنجازاتِ، والاكتشافاتِ، والاختراعاتِ التي قدَّمها في هذا العلم، وقد كانَ جابر منارةً لمَن بعده من العلماء، كالرازيّ ، والعراقيّ، وفيما يلي لمحة مختصرة لبعض إنجازاته الكيميائيّة:
- استطاعَ جابر أن يُصنِّع -لأوّل مرّة- أحماض النتريك، والكبريتيك.
- كانَ جابر أوّل من فصلَ الذهب عن المعادن الأخرى، باستخدام نترات البوتاسيوم؛ وهي مُركَّب من الرصاص ، والملح.
- كان أوّل من عملَ على تنقية الزئبق ، كما اهتمّ بتنقية الموادّ باتِّباع طريقة التبلوُر.
- أدرج الأملاح كمادّة قابلة للذوبان في الماء، وأطلق مُصطلح (قلويّ) على الموادّ القاعديّة، وعلى الغراء.
- أنتجَ الملح الصخريّ عن طريق تجربة خَلَط فيها حِمض النتريك بالبوتاس؛ وهو مُركَّب من كربونات البوتاسيوم.
- استفادَ من دراساته الكيميائيّة، وطبَّقها على العمليّات التصنيعيّة المختلفة؛ بهدف تحسينها، ممّا أحدثَ أثراً في تحسين صناعة الفولاذ، والمعادن الأخرى، ومُقاومة الصدأ ، ونَقش الذهب، والصباغة، والقماش المُضادّ للماء، والدباغة الجلديّة، والتحليل الكيميائيّ للأصباغ.
- كانَ مَرجعاً للرازي في اكتشافه للإيثانول؛ فقد أشارَ إلى أنّ غليان النبيذ ينتجُ غازاً قابلاً للاشتعال.
- حضَّر بعض الأحماض، كحمض أرسينوز، وأكسيد الزئبق، وأنتج الريجيا المائيّة القادرة على إذابة الذهب.
- إنجازات جابر بن حيّان في علم الفَلَك: اهتمَّ جابر بعِلم النجوم، والفَلَك، فاشتُهِرَ ببراعته في معرفة أسرارِ هذا العِلم، ومعرفته بتأثير النجوم ، والكواكب، كما أنّه استطاعَ أن يُؤلِّف كتاباً في عملِ الاصطرلاب ، وكتاباً في عِلم النجوم.
- إنجازات جابر بن حيّان في الطبّ: تتلمذَ جابر على يدِ مُعلّمهِ الإمام جعفر الصادق، فنقلَ عنه العديدَ من الرواياتِ الطبّيةِ، ممّا جعله معروفاً بسعة عِلمه في الطبّ، إلى جانبِ كونِه عالِماً كيميائيّاً، كما أنّه كانَ يُعالجُ كبارَ رجال الدولةِ العبّاسيةِ، وخَلّفَ وراءه 500 كتاب في الطبّ.
- إنجازات جابر بن حيّان في الرياضيّات: يُعَدُّ ما أُطلِق عليه اسم (الجسم الجابريّ) أشهر ما قدَّمه جابر بن حيّان في مسيرته العلميّة؛ وهيَ نظريّة تُعَدّ نوعاً من علوم الأعداد، حيث وصفَ الطبيعة بكونها تتناسب في مُكوِّناتها كلّها حسب نَمطٍ من الأعداد، هوَ: 1:3:5:8 حتى وصل إلى ما يزيد عن 17 مُضاعفاً، وأطلقَ على هذه الطريقة (طريقة التوازن)، والتي طبَّقها؛ لتحديد كمّية أربع مُكوِّنات طبيعيّة تتمثَّل بالطبيعة الساخنة، والباردة، والرطبة، والجافّة.
كُتُب جابر بن حيّان
تُوفِّيَ جابر بن حيّان في الكوفة سنة 815م، وتركَ خَلفه إرثاً مُتنوِّعاً من المُؤلَّفات الصغيرةِ، والكبيرةِ، حيث بلغَ عدد كُتُبه التي حَظِيت بأهمّية كبيرة 54 كتاباً اهتمّ بها علماء أوروبا، والدارسين في الكيمياء؛ فتُرجِمت إلى اللغات الأوروبّية، واللاتينيّة، وكانت أساساً لعلم الكيمياء حتى القرن 18م، كما أنّها دُرِّست في الجامعاتِ، والمدارسِ، والهيئاتِ العِلميّة، وقد اهتمَّ الغربُ بشخصيّة جابر بن حيّان، فألَّف عنه العديد من الكُتُب التي تناولت حياته، وأعماله، ومكانته العِلميّة. أمّا في ما يتعلَّق بالكُتُب التي ألَّفها جابر بن حيّان، ونال شُهرةً كبيرةً بسببها: الرياض الأكبر، والراهب، والمقالات الكُبرى في عِلم الصنعة، والميزان، والإتقان، وصندوق الحكمة، وغيرها. ومن الكُتُب التي تُنسَب إلى جابر بن حيّان، والمكتوبة باللاتينيّة: مجموع الكمال، وتحقيق الكمال، واختراع الحقيقة، وكتاب الأفران، والعهد.