موضوع حول هجرة الأدمغة
تعريف هجرة الأدمغة
يُطلَق مصطلح هجرةُ الأدمغة (بالإنجليزية: Brain Drain) على انتقال العلماء، والكفاءات، والمتخصّصين، وأصحاب المهارات، والموهوبين من البلدان ذات الأحوال الاقتصادية والمعيشية المحدودة إلى البلدان المتقدّمة؛ بحثاً عن ظروفٍ معيشيةٍ أفضل، وبيئةٍ سياسيّةٍ واجتماعيّةٍ أكثر استقراراً، والوصول إلى الأنظمة التكنولوجيّة المتقدّمة، من أجل تحصيل فرص عمل أفضل برواتب أعلى وبالتالي الحصول على نوعيّة حياة أفضل، وتُعدّ هجرة الأدمغة أو كما يُطلق عليها أكاديمياً بهجرة رأس المال البشري (بالإنجليزية: Human Capital Flight) شأناً مقلقاً على النطاق الدوليّ؛ وذلك لتأثيرها سلباً على أحوال البلدان التي تعرّضت لهجرة رأس مالها البشريّ إلى الخارج.
لا تُعدّ هجرةُ الأدمغة ظاهرةً حديثةً، إذ شهدَ التاريخ هجرات واسعة للكفاءات من المناطق الريفيّة إلى المدن، كما توالت هجرات الأدمغة من أوروبا إلى أمريكا الشمالية في القرنيْن التاسع عشر والعشرين، أمّا في العصر الحالي فهجرات الأدمغة الأكثر شيوعاً تكون من البلدان النامية في آسيا وأفريقيا وبعض بلدان أمريكا اللاتينية، إلى البلدان المتقدّمة والأكثر احتضاناً للمواهب والقدرات مثل أمريكا وبعض بلدان أوروبا، ولا تقتصر هجرة الأدمغة على الانتقال من البلدان النامية إلى البلدان المتقدّمة، فأحياناً تحدث هجرة الأدمغة بين بلديْن متقدِّمَيْن خصوصاً في المجالات المالية، والصحية، ومجالات البرمجيات، والفضاء؛ وذلك لأنّ بعض الدول المتقدّمة تمنح فرصاً أفضل في هذه المجالات من دولٍ متقدّمةٍ أخرى.
أشكال هجرة الأدمغة
تتعدّد أشكال هجرة الأدمغة؛ فهناك هجرة الأدمغة جغرافيّاً من بلدٍ إلى آخر أكثر احتضاناً لمهاراتهم وإمكانيّاتهم، وهناك هجرة الأدمغة التي تحدث من خلال انتقال جماعيّ للكفاءات من إحدى الشركات لافتقارهم الاستقرار الوظيفي ونقص الفرص المتاحة أمامهم في الشركة للترقّي والتقدّم المهني، إلى شركاتٍ أخرى توفّر لهم الامتيازات والإمكانيات اللازمة لحياة وظيفية أفضل ممّا يزيد من قدرتهم على الإنجاز والتطوّر، أمّا الشكل الثالث من أشكال هجرة الأدمغة فيكون بتخلّي الكفاءات عن صناعةٍ أو مجالٍ بأكمله والبحث عن مجالٍ آخر يُمكن أن يوفّر لهم متطلّباتهم، وعادةً ما تتمّ أشكال الهجرة من الشركات والصناعات عندما يكون حال البلد الاقتصادي متأزّماً بشكل عام، وبعيداً عن الانفتاح على التقنيّات والتكنولوجيا الحديثة، فتبدو فيه فرص تحقيق الأمان الذاتيّ والوظيفيّ صعبة.
أسباب هجرة الأدمغة
تتعدّد الأسباب التي تؤدّي إلى هجرة الأدمغة من بلدها إلى بلدان أخرى ولكن يُمكن تقسيمها إلى قسمين رئيسيّين؛ أولهما الأسباب الدافعة للهجرة من البلد الأم والتي تتضمّن ضعف الإمكانيات والموارد فيه، وسوء الأحوال الاقتصادية، وارتفاع نسب البطالة ، وضعف الإمكانيات البحثيّة والعلميّة، وأحياناً قد تتضمّن عدم الاستقرار السياسيّ أو عدم الأمان المعيشيّ، أمّا القسم الآخر فيتضمّن الأسباب الجاذبة لهجرة الأدمغة؛ وهي أسباب متعلّقة بالبلد الذي يجذب العقول إلى الهجرة إليه، إذ توفّر البلدان الجاذبة فرص عملٍ أكثر برواتب أفضل، وسقفاً أعلى للحريّة الفكريّة، بالإضافة إلى الغِنى الثقافيّ لهذه البلدان، وتطوّر الأنظمة التعليميّة فيها، وتوفير نوعيّة حياة أفضل للأشخاص ذوي المهارة والعلم.
ولمعرفة مزيدٍ من المعلومات حول أسباب هجرة الأدمغة، يمكنك قراءة مقال أسباب هجرة الأدمغة .
آثار هجرة الأدمغة
الآثار السلبيّة لهجرة الأدمغة
تتنوّع الآثار السلبيّة التي تتركها هجرة الكفاءات والأدمغة في شتّى المجالات، ومن أبرزها ما يأتي:
- توسُّع الفجوة بين الدول المُتقدِّمة الجاذبة والدول الأصليّة.
- تبعيّة الأدمغة والكفاءات ثقافيّاً للدول التي هاجروا إليها، وتخلّيهم عن عاداتهم وتقاليدهم، وبالتالي التأثير سلباً في هويّاتهم.
- التكلفة المرتفعة لاستقطاب الكفاءات الأجنبيّة التي ستسدُّ النقص الحاصل في البلد الجاذب وتدريبهم على طبيعة العمل فيه.
- ضعف إجراء البحوث العلميّة، ممّا يعني تبعيّة الدول الفاقدة للكفاءات للدول الجاذبة لها.
- الخسارة الماليّة الكبيرة المُتمثّلة بالموارد الوطنيّة التي تمّ إنفاقها في سبيل تعليم الكفاءات قبل هجرتهم.
- عرقلة التطوُّر الفكري والتعليمي في البلد الذي تُهاجر منه الكفاءات، والتأثير في عمليّات التنمية، وزيادة المهام والأعباء على الأفراد المُتبقِّين، ممّا قد يؤدّي إلى فتورهم، وشعورهم بالإرهاق، وضعف إنتاجيّتهم.
- فقدان نسبة كبيرة من القوى المُنتِجة في الميادين المختلفة ممّا يؤثر سلباً في اقتصاد البلد الذي تُهاجر منه الأدمغة.
- تراجع المستوى الاقتصاديّ، والصحّي، والاجتماعيّ في البلد الذي تُهاجر منه الكفاءات؛ نتيجة فقدان العلماء والمُتخصِّصين في هذه المجالات.
الآثار الإيجابيّة لهجرة الأدمغة
هناك عدّة آثار إيجابيّة لهجرة الأدمغة على الرغم من كثرة الآثار السلبيّة الناتجة عنها، ومن هذه الإيجابيات ما يأتي:
- التحويلات الماليّة وزيادة الأموال التي يُحوّلها الأفراد إلى الدول الأصليّة ممّا يدعم عمليّة التنمية.
- تبادل المعرفة ونقلها إلى الدول الأصليّة عبر المؤتمرات والمشاركة في المشاريع العلميّة.
- دفع عمليّة التطوُّر واستخدام التكنولوجيا ، وتوفير الدعم اللازم للتنمية في الدول المُستقطِبة للكفاءات والأدمغة.
- احتمالية عودة المهاجرين إلى أوطانهم بعد اكتسابهم المهارات اللازمة لعمليّة التنمية بما يصبّ في مصلحة أوطانهم.
الحدّ من هجرة الأدمغة
يُمكن الحدّ من الآثار السلبيّة لهجرة الأدمغة عن طريق فرض البلد الذي يُعاني من هذه الظاهرة سياسات تشجيعيّة للكفاءات التي تعود إليه، ومحاولة تسخير خبراتهم ومهاراتهم لصالح البلد وبما يُحقّق رضاهم، لكن هذه الخطوات رغم تقليلها من الآثار السلبية لظاهرة هجرة الأدمغة إلّا أنّها لا توقِفها نهائياً ولا تُنهي كافّة الآثار الاقتصادية والتنموية المترتّبة عليها، إذ تحتاج البلدان المتضرّرة من هذه الظاهرة إلى تضافر كافّة الجهود المحليّة وتعاون المؤسسات الحكومية وغير الحكوميّة؛ لاستقطاب كفاءات من دول أخرى وتعويض النقص الحاصل في الكفاءات المحليّة، ومن الأمثلة على الإجراءات التي تحدّ من ظاهرة هجرة الأدمغة ما يأتي:
- توفير فرص اقتصاديّة حيويّة ومُشجّعة: من أهمّ عوامل هجرة الكفاءات عدم توافر الفرص الوظيفيّة في بلدهم الأمّ، وإذا توافرت هذه الفرص فإنّها قد لا تكون برواتب مناسِبة لمستوى المعيشة، لذا يجب إنعاش الاقتصاد ومنح الكفاءات فرص وظيفية مشجّعة للبقاء والإنجاز في البلد الأم.
- توفير بيئة سياسيّة واجتماعيّة مستقرّة: يُشجّع إحساس الكفاءات بالثقة بأنّ بلدهم خالي من الفساد ويتّجه في مسار واضح إلى التطوّر والازدهار على البقاء فيه واستثمار إمكانيّاتهم ومهاراتهم على أرضه؛ لذا فإنّه يجدر بالبلد المتضرّر من هجرة كفاءاته توفير بيئة سياسية مريحة وآمنة، ومساحة اجتماعيّة حيويّة تُعزّز ثقة الكفاءات بمستقبل البلد.
- تعزيز الإحساس بالهويّة الوطنيّة: من الغايات المهمّة التي يجب أن تسعى الدول المتضرّرة من هجرة الأدمغة إلى الوصول إليها هي بناء هويّة ثقافية قويّة وتعزيز قيم المواطنة لديهم؛ ممّا يدفع الكفاءات للنهوض ببلدهم والسعي إلى تطويرها بكلّ ما يمتلكون من مهارات وإمكانيّات.