مواقف من حياة الصحابة الزوجية
مواقف من حياة الصحابة الزوجية
كان للصحابة الكرام -رضي الله عنهم- مواقف كثيرة مع زوجاتهم، تظهر وتتجلى فيها للمؤمنين تربية رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لصحابته الكرام، فهؤلاء جيل عظيم تربَّى بين يدي نبي كريم -عليه الصلاة والسلام-.
ولا عجب أن يصل عنهم في مجال العلاقات الزوجيَّة مواقف عظيمة يتبين فيها مدى محبة الصحابي لزوجته، ومدى اهتمام الصحابية بزوجها وحرصها عليه، وفيما يأتي مواقف جميلة للصحابة مع زوجاتهم:
موقف الصحابية أم الدحداح من زوجها في بيعه البستان
رُويت قصة عظيمة وجميلة للصحابي أبي الدحداح مع زوجته أم الدحداح، وبيانها ما يأتي:
- في يوم من الأيام جاء رجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأخبره أنَّه كان يبني حائطًا له حول بيته، وفي أثناء بنائه للحائط اصطُدم بوجود نخلة لجاره.
- طلب من جاره أن يبيعه النخلة حتى يكمل بناء الجدار، فرفض الجار وتخاصما فذهبا إلى رسول الله -عليه الصلاة والسلام- ليحكم بينهم، فقال الرسول لصاحب النخلة:(أَعْطِها إياه بنخلةٍ في الجنةِ)، ورفض الجار مرة أخرى.
- ذهب الصحابي الجليل أبو الدحداح إلى صاحب النخلة وعرض عليه أن يبيعه بستانه المليء بالنخيل مقابل تلك النخلة، فوافق الرجل.
- ذهب أبو الدحداح إلى رسول الله -عليه الصلاة والسلام- وأخبره أنَّه اشترى النخلة ويريد أن يوهبها للرجل الذي يريد بناء الحائط، فقال عليه الصلاة والسلام: (كم من عَذقٍ دوَّاحٍ لأبي الدَّحداحِ في الجنةِ).
- عاد هذا الصحابي الكريم إلى زوجته أم الدحداح ليخبرها أن تخرج من البستان؛ لأنَّه باعه بنخلة في الجنة، فقالت له: (قد ربحتِ البيعُ).
- جواب أم الدحداح -رضي الله عنها- هو الشاهد في هذه القصة، فهي لم تغضب ولم تعاتبه؛ لأنَّه باع ما كل ما يملك، بل فرحت بفعله، وبشَّرته بأنَّه ربح في بيعته هذه ولم يخسر.
موقف أم سليم في زواجها من أبي طلحة
أراد أبو طلحة قبل إسلامه أن يتزوج من الصحابية أم سليم، فذهب إليها وطلبها وهو على غير دينها، فقالت له: (واللهِ ما مِثلُك يا أبا طلحةَ يُرَدُّ، ولكنك رجلٌ كافرٌ، وأنا امرأةٌ مسلمةٌ، ولا يحلُّ لي أن أتزوجَك، فإن تُسْلِمْ فذاك مهري، وما أسألُك غيرَه)، فهي بذلك تخبره أنَّه رجل كريم وحسن الأخلاق، ومن كان مثله لا يُرد.
وما منعها من الزواج منه إلا أنه كافر، فعرضت عليه الإسلام؛ فإن أسلم تزوجته ويكون إسلامه مهرًا لها، ولا تريد منه مهرًا غيره، فما كان من أبي طلحة إلا أن أعلن إسلامه وتزوج منها.
ويقول ثابت البناني -رحمه الله-: "فما سمِعْتُ بامرأة قطُّ كانت أكرمُ مهرًا من أُمِّ سليم الإسلام"، فهنا تتجلى المحبة التي بين أم سليم وأبي طلحة -رضي الله عنهم- وكيف دعته للإسلام حتى يحل لها الزواج منه.
موقف سهيمة بنت مسعود من زوجها جابر يوم الخندق
بيان موقف سهيمة بنت مسعود من زوجها جابر يوم الخندق ما يأتي:
- عندما كان الرسول -عليه الصلاة والسلام- يحفر هو والصحابة الخندق في غزوة الأحزاب، أصابهم الجوع ولم يكن عندهم من طعام، ورأى جابر بن عبد الله أنَّ رسول الله أصابه الجوع الشديد.
- فذهب إلى زوجته سهيمة بنت مسعود، وسألها ماذا يوجد عندها من طعام، فأخبرته أنَّه عندها مُد من طعام وعندها شاة صغيرة.
- فأمرها بصنع العجين وقام هو ليذبح الشاة وجهَّزوا الغداء وهو لا يكفي إلا اثنين أو ثلاثة رجال.
- ذهب جابر ليدعو رسول الله إلى الطعام، ومعه نفر أو نفران من الصحابة، فقام رسول الله -عليه الصلاة والسلام- ونادى بالناس أنَّ الغداء عند جابر، وكان عدد الرجال في ذلك اليوم ألف وخمسمائة.
- فعاد جابرًا مسرعًا إلى زوجته ليتدارك الموقف ويخبرها بما فعل رسول الله.
- سألته زوجته إن كان أخبر رسول الله بما عندهم من طعام، فقال لها نعم، فقالت: لا عليك فهو يعلم ما يصنع.
وكلامها هذا هو الشاهد في هذه القصة فهي لم توبخه؛ لأنَّه جاء بالرجال كلهم، بل طمأنته أنَّ رسول الله يعلم ما يفعل، وأنَّه قد أدَّى ما عليه، وهكذا هي مواقف الصحابة مع زوجاتهم يظهر فيها الحب والصبر وطمأنة بعضهم وتشجيع بعضهم البعض في أعمال الخير.