مواقف الصحابة من وفاة الرسول الكريم
وفاة الرسول
تُوُفِّيَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- حينما بلغ من العُمُر ثلاثاً وستين سنةً، إذ كانت وفاته يوم الاثنين الثاني عشر من شهر ربيع الأول من السنة الحادية عشرة للهجرة، ووفاته -صلّى الله عليه وسلّم- هي أعظمُ مصيبةٍ على وجه الأرض، ولذلك قال -صلّى الله عليه وسلّم-: (إذا أُصيبَ أحدكم بمصيبةٍ فليذكُرْ مصيبَتَهُ بي فإنَّها أعظمُ المصائبِ)، وعندما شاع خبر وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم- في المدينة النبوية، نزل الخبر على الصحابة -رضي الله عنهم- كالصاعقة؛ فكانت تلك الفجيعة، التي لم يُفجع المسلمون بمثلها من قبل، ولم يُفجعوا بمثلها من بعد، فطاشت عقول ذوي العقول، حتى ذُهل بعض الصحابة -رضي الله عنهم- ولم يستطع التفكير، وقَعَدَ بعضهم ولم يستطع القيام، وأنكر بعضهم الخبر، وفي هذا المقال بيانٌ لأبرز مواقف الصحابة -رضوان الله عليهم- من وفاة الرسول -صلّى الله عليه وسلّم-.
مواقف الصحابة من وفاة الرسول الكريم
موقف عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-
- كان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- ممّن أنكر وفاة النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، وذلك من شدة محبته للنبي -صلى الله عليه وسلم- وتعلَُقه به، ومن شدة الصدمة التي أصابته عندما سمع الخبر، مع أنه رآه مَيْتًا، ورأى كل العلامات تدلّ على وفاته، إلا أنه لم يستطع تصديق الأمر، فأبعد فكرة موت الرسول عن عقله، وتوهَّم أنّه قد أُغمي عليه فقط، وأعلن حرباً على من يتكلّم في هذا الخبر، وتَأوّلَّ ما حلَّ بالنبيِّ -صلّى الله عليه وسلّم- على أنّه ممّا وقع لموسى -عليه السلام- من خروجٍ لميقات ربّه -عزّ وجلّ-.
- أخرج ا لإمام البخاري في صحيحه عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- قالت: (قَامَ عُمَرُ يقولُ: واللَّهِ ما مَاتَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، قَالَتْ: وقَالَ عُمَرُ: واللَّهِ ما كانَ يَقَعُ في نَفْسِي إلَّا ذَاكَ، ولَيَبْعَثَنَّهُ اللَّهُ، فَلَيَقْطَعَنَّ أيْدِيَ رِجَالٍ وأَرْجُلَهُمْ)، وجاء في روايةٍ أخرى عن عمرَ-رضي الله عنه- أنه كان يقول للناس يوم وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لَا أَسْمَعَنَّ أَحَدًا يَقُولُ: إِنَّ مُحَمَّدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ مَاتَ، إِنَّ مُحَمَّدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ يَمُتْ، لكِنْ أَرْسَلَ إِلَيْهِ رَبُّهُ كَمَا أَرْسَلَ إِلَى مُوسَى، فَلَبِثَ عَنْ قَوْمِهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَة).
موقف أبي بكر الصديق -رضي الله عنه-
- جاء أبو بكرٍ الصديق - رضي الله عنه- من مسكنه بِالسُّنح حين بلغه خبرُ وفاة الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وكان عمر-رضي الله عنه- في ذلك الوقت يُكلّم الناس، فلم يلتفت إليه، ودخل مُسرعاً إلى بيت الرسول -عليه الصلاة والسلام-، بيت ابنته عائشة -رضي الله عنها- ، فرأى رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- على فراشه وهو مُغطى، فكشف عن وجهه، فقال: (بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، طِبْتَ حَيًّا وَمَيِّتًا، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُذِيقُكَ اللَّهُ المَوْتَتَيْنِ أَبَدًا)، ثمّ قبّله وبكى -رضي الله عنه- بكاءً مُرَّاً.
- وأنزل الله -تعالى- عليه في ذلك الموقف ثباتاً عجيباً، نَفع به النّاس، ثمّ خرج إلى الناس، فوجد عمر يقول ما يقول، ويُقسم على أن الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- ما مات، فقال: (أَيُّهَا الحَالِفُ عَلَى رِسْلِكَ، فَلَمَّا تَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ جَلَسَ عُمَرُ، فَحَمِدَ اللَّهَ أَبُو بَكْرٍ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَقَالَ: أَلا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ، وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ، وَقَالَ: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ} وَقَالَ: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ}).