موافقة عمر بن الخطاب لربه
موافقة عمر لربّه سبحانه وتعالى
وافق عُمر بن الخطاب -رضي الله عنه- القُرآن في العديدِ من الآياتِ والمواقف، وورد عنه -رضي الله عنه- قولهُ: "وَافَقْتُ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ فِي ثَلَاثٍ: فِي الْحِجَابِ، وَفِي أَسَارَى بَدْرٍ، وَفِي مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-"، وفيما يأتي تعداد المواقف التي وافق فيها -رضي الله عنه- ربّه -سبحانه-:
- وافق عمر ربّه في رأيهُ باتّخاذِ مُصلّى من مقام إبراهيم، فنزل قولهُ -تعالى-: (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى).
- أشار على النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- بأمر نسائهِ بِالحِجاب، لِما يدخُل عليهنّ من أصناف الناس، فنزلت آيةُ الحِجاب، وهي قولهُ -تعالى-: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ).
- وافقهُ القُرآن فيما قالهُ لِنِساءِ النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- عندما اجتمعن عليهِ في الغيرة، فوعظهنّ وهدّدهنّ بأنَّ الله -تعالى- قادرٌ على أن يُبدله بِخيرٍ مِنهنّ، فنزل قولهُ -تعالى-: (عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا).
- لمّا نزلت الآيات التي تتحدّث عن خَلق الإنسان، قال عُمر -رضي الله عنه-: فتبارك الله أحسنُ الخالقين، فنزلت الآية توافقهُ فيما قال، وهي قولهُ -تعالى-: (فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ).
موافقة عمر بن الخطاب في آية الحجاب
أُنزلت آية الحِجاب بعد أن أشار عُمر بن الخطاب -رضي الله عنه- على النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- بأن تُغطّي نساءَهُ وُجوهُهنّ عن الرِجال، فإنه يدخُلُ عليهنّ من الناس البرُّ والفاجر، قال النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-: (قالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عنْه: قُلتُ: يا رَسولَ اللَّهِ يَدْخُلُ عَلَيْكَ البَرُّ والفَاجِرُ، فلوْ أمَرْتَ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِينَ بالحِجَابِ، فأنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ الحِجَابِ)، وكُلُّ ذلك لِمَا بلغ به من الغِيرةِ عليهنّ، فدعا الله -تعالى- أنّ يُنزل في الحِجابِ حُكماً، فنزلت الآيات من سورة الأحزاب .
وذكر ابنُ كثير ذلك في تفسيره في سبب نُزولها، وهي الآيات الوارة في قولهِ -تعالى-: (أَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتَ النّبِيّ إِلاّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَىَ طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُواْ فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُواْ وَلاَ مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النّبِيّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ وَاللهُ لاَ يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنّ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تؤْذُواْ رَسُولَ اللهِ وَلاَ أَن تَنكِحُوَاْ أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَداً إِنّ ذَلِكُمْ كَانَ عِندَ اللهِ عَظِيماً* إِن تُبْدُواْ شَيْئاً أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنّ اللهَ كَانَ بِكُلّ شَيْءٍ عَلِيماً).
موافقة عمر بن الخطاب في مقام إبراهيم
جاء في عِدّةِ روايات أنَّ عُمرَ بِنِ الخطاب -رضي الله عنه- مرَّ بِمقامِ إبراهيم -عليه السلام-، فقال للنبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-: ألستَ تقوم مقام خليل الله، فقال له: نعم، فأشار عليه باتّخاذهِ مُصلّى، فنزلت الآيات التي تُؤكّدُ قوله، وقيل: إنّ النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- أخذ بيد عمر، وأراه مقام إبراهيم، فأشار عمر عليه باتّخاذِ المقامِ مُصلّى، فنزلت الآيات في نفس اليوم، وهي قولهُ -تعالى:- (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى).
موافقة عمر بن الخطاب في طلاق نساء النبي
كان ذلك عندما رأى عُمر بن الخطاب -رضي الله عنه- النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- غاضبٌ في المسجد واعتزالهِ لِنسائه، وقد أُشيع خبر طلاقهِ لَهُنّ، فدخل على عائشة -رضي الله عنها- ووعظها، ثُمّ دخل على ابنتهِ حفصة -رضي الله عنها- فوعظها، ثُمّ دخل على النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- وأشار عليه بطلاقِهِنّ -أي حفصة وعائشة- فإن الله -تعالى- معه، والملائكة، وجبريل -عليه السلام-، فنزل قولهُ -تعالى-: (إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّـهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّـهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ* عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا)، فوافقَ القُرآن رأيَهُ في تطليق النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- لِزوجاته، ووقوف الله -تعالى- والملائكة وجبريل معه.
موافقة عمر بن الخطاب في أسرى بدر
بلغَ عددُ الأسرى في غزوةِ بدر سبعين أسيراً من المُشركين، فاستشار النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-، أبا بكرٍ وعُمر وعلي -رضي الله عنهم- فيما يفعلونهُ بهم، فأشار أبو بكر -رضي الله عنه- بِأخذِ الفِداء منهم؛ لأنّهم من عشيرتهم وأقربائهم، وأشار عُمر -رضي الله عنه- بقتلهم، كي تهابهم قبائل المُشركين ويخافون منهم، فأخذ النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- برأي أبو بكر -رضي الله عنه- ولم يأخذ برأي عمر، وفي اليوم التالي ذهب عُمر إلى النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- فوجده يبكي هو وأبو بكر -رضي الله عنه-، فتباكى معهما، فسألهُما عن السبب، فأخبره أنّ الله -تعالى- أنزل على النبيّ آياتٍ توافقُ رأيه في الأسرى، وهو قولهُ -تعالى-: (ما كانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكونَ لَهُ أَسرى حَتّى يُثخِنَ فِي الأَرضِ تُريدونَ عَرَضَ الدُّنيا وَاللَّـهُ يُريدُ الآخِرَةَ وَاللَّـهُ عَزيزٌ حَكيمٌ* لَولا كِتابٌ مِنَ اللَّـهِ سَبَقَ لَمَسَّكُم فيما أَخَذتُم عَذابٌ عَظيمٌ).
موافقة عمر بن الخطاب في ترك الصلاة على المنافقين
وافق القُرآن عُمر بن الخطاب -رضي الله عنه- في ترْك النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- صلاتهُ على المُنافقين ، وذلك عندما مات عبد الله بن أُبيّ بن سلول زعيمُ المُنافقين، فجاء ابنه يطلبُ قميصَ النبيّ -عليهِ الصلاُة والسلام- ليُكفّن به والده، ثُمّ طلب منه الصلاة عليه، والاستغفار له، فأعطاهُ النبيّ القميص، ولمّا أرادَ الصلاةَ عليه جذبهُ عُمر -رضي الله عنه- وقال له: "أليسَ قد نُهيت عن الصلاةِ عليهم"، ولكنّ النبيّ صلّى عليه، فنزل قولهُ -تعالى-: (وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنهُم ماتَ أَبَدًا وَلا تَقُم عَلى قَبرِهِ إِنَّهُم كَفَروا بِاللَّـهِ وَرَسولِهِ وَماتوا وَهُم فاسِقونَ).
وجاء ذلك في حديث النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-: (لَمَّا تُوُفِّيَ عبدُ اللَّهِ بنُ أُبَيٍّ، جَاءَ ابنُهُ إلى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَقالَ: يا رَسولَ اللَّهِ، أعْطِنِي قَمِيصَكَ أُكَفِّنْهُ فيه وصَلِّ عليه، واسْتَغْفِرْ له. فأعْطَاهُ قَمِيصَهُ، وقالَ: إذَا فَرَغْتَ منه فَآذِنَّا فَلَمَّا فَرَغَ آذَنَهُ به، فَجَاءَ لِيُصَلِّيَ عليه، فَجَذَبَهُ عُمَرُ فَقالَ: أليسَ قدْ نَهَاكَ اللَّهُ أنْ تُصَلِّيَ علَى المُنَافِقِينَ، فَقالَ: {اسْتَغْفِرْ لهمْ أوْ لا تَسْتَغْفِرْ لهمْ إنْ تَسْتَغْفِرْ لهمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لهمْ} [التوبة: 80] فَنَزَلَتْ: {وَلَا تُصَلِّ علَى أحَدٍ منهمْ مَاتَ أبَدًا ولَا تَقُمْ علَى قَبْرِهِ} [التوبة: 84] فَتَرَكَ الصَّلَاةَ عليهم).
فضل عمر بن الخطاب
وردت الكثير من الأدلةِ والمواقف التي تُبيّنُ فضل عُمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، ومن هذه الفضائل ما يأتي:
- فِرارُ الشياطينُ منهُ، لِقول النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- له: (والذي نَفْسِي بيَدِهِ، ما لَقِيَكَ الشَّيْطانُ قَطُّ سالِكًا فَجًّا إلَّا سَلَكَ فَجًّا غيرَ فَجِّكَ)، وكذلك إخبارهُ له بأنّه من أهل الجنّة وهو سِراجِها، ومناداة النبيّ له بـِ (يا أخي) أكثر من مرة، فقال -رضي الله عنه- عن هذه الكلمة: "ما أحبّ أن لي بها ما طلعت عليه الشمس"، وشهادة النبي له بأنّه لا يُحبُّ الباطِل.
- شهادةُ النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- له بأنّه أشدُّ أُمّتهِ في الحقّ، وأنَّ رِضاهُ عِزٌّ، وغضبه حكم، وأنّ الله -تعالى- يغضب لِغضبه، وأنّه يكون بعد الموت من الإيمان على ما كان عليه في الدُنيا، ودُعاء النبيّ له عندما رآهُ يلبسُ ثوباً جديداً، ورؤيتهِ له في المنام، كما جاء في الحديث: (رَأَيْتُ النَّاسَ مُجْتَمِعِينَ في صَعِيدٍ، فَقامَ أبو بَكْرٍ فَنَزَعَ ذَنُوبًا أوْ ذَنُوبَيْنِ، وفي بَعْضِ نَزْعِهِ ضَعْفٌ، واللَّهُ يَغْفِرُ له، ثُمَّ أخَذَها عُمَرُ فاسْتَحالَتْ بيَدِهِ غَرْبًا، فَلَمْ أرَ عَبْقَرِيًّا في النَّاسِ يَفْرِي فَرِيَّهُ حتَّى ضَرَبَ النَّاسُ بعَطَنٍ)، ورؤية النبي له بأنّهُ أعطاه في المنام قَدَح بعد أن شَرِبَ منه، فسألهُ عن ذلك، فقال: تأويله العلم، وغير ذلك من المنامات التي رآها النبيّ في عمر.
- تسمية النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- له بالفاروق ، لأنَّ الله -تعالى- فرَّقَ به بين الحقِّ والباطل، وإخبار النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- عنه أنّه من المُلهمين، وأنّه لو كان بعدَهُ نبيٌّ لكان عُمر، وأنّ الحقَّ على لسانهِ وقلبه، فقد قال -عليه الصلاة والسلام-: (إنَّ اللَّهَ جعلَ الحقَّ على لسانِ عمرَ وقلبِهِ)، بالإضافةِ إلى تولّيهِ الخلافةَ بعد أبي بكر -رضي الله عنه-.