منهج أبو حنيفة النعمان
منهج أبي حنيفة النعمان
منهج أبي حنيفة في الحديث
قال الإمام الكاساني: "إنّه كان من صيارفة الحديث، وكان من مذهبه؛ تقديم الخبر وإن كان في حدّ الآحاد على القياس، بعد أن كان راويه عدْلًا، ظاهر العدالة" وعليه فإنّ أئمة الحديث وجهابذة المحدّثين والحفّاظ من المتقدمين والمتأخرين أذعنوا في مكانة الإمام أبي حنيفة في علم الحديث ، وأقرّوا بأنه من أئمة الحديث المشهورين في أقوالهم حول الجرح والتعديل والتصحيح والتعليل، إذ إنهم اعترفوا ببراعة الإمام أبي حنيفة في الحديث وضبطه وإتقانه وحفظه وورعه في روايته.
فكان كثير الاعتناء بالحديث والعمل به، غير أن طريقته كانت تتميز بأنها كانت تتسم بقلة الرواية، وذلك بسبب أمرين اثنين لا ثالث لهما:
- اشتغاله عن الرواية باستنباط المسائل من الأدلة، حيث إن الإمام أبي حنيفة قد سلك نهج الصحابة كأبي بكر وعمر وغيرهما، إذ إنهم كانوا يشتغلون بالعمل على الرواية، حتى قلّت روايتهم بالنسبة إلى كثرة اطلاعهم، وكثرة رواية من دونهم بالنسبة إليهم.
- إنّه كان لا يرى الرواية إلا لما يحفظ؛ فقد روى الخطيب عن إسرائيل بن يونس رضي الله عنه قال: "نعم الرجل النعمان، ما كان أحفظه لكل حديث فيه فقه، وأشد فحصه عنه، وأعلمه بما فيه من الفقه".
منهج أبي حنيفة في الفقه
قال ابن الجوزي في "المنتظم":" لا يختلف الناس في فهم أبي حنيفة، وفقهه، كان سفيان الثوري، وابن المبارك يقولان: أبو حنيفة أفقه الناس. وقيل لمالك: هل رأيت أبا حنيفة؟ فقال: رأيت رجلًا، لو كلّمك في هذه السارية أن يجعلها ذهبًا، لقام بحجّته. وقال الشافعي: الناس عيال في الفقه على أبي حنيفة".
حيث إنّ منهجه المتوارث يكمن في ملازمته الشيوخ العلماء، والأخذ عنهم، ومتابعتهم فيما يقولون مما تناقلوه جيلًا عن جيل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقول رحمه الله: "لزمت حمّادًا لزومًا ما أعلم أن أحدًا لزمه مثل ما لزمته، وكنت أكثر السؤال، فربّما تبرم مني، ويقول: يا أبا حنيفة قد انتفخ جنبي وضاق صدري".
ومما يجدر بالقول أن من أجلى ما تميز به مذهب أبي حنيفة ؛ أنه مذهب شورى، فقد كان الإمام يجتمع بتلامذته في حقل من حقول العلم، ثمّ يتحاورون ويناقشون فيما بينهم عن المسائل الفقهية المتوارثة من قبلهم، والتي قد نزلت عليهم من النوازل الجديدة، فكانوا يختلفون في جواب المسألة جميعًا حتى يشاورونها، ثمّ يرفعونها إلى إمامهم، ويسألونه عنها، فيأتي الجواب من قربٍ، فكانوا يقيمون في المسألة الواحدة ثلاثة أيام، ثم يدّونونها في كتبهم.
قال عبيد الله بن عمرو الرَّقي: كنا عند الأعمش وعنده أبو حنيفة، فسُئل الأعمش عن مسألة فقال: أفته يا نعمان، فأفتاه أبو حنيفة، فقال: من أين قلت هذا؟ قال: لحديث حدَّثتناه أنت! ثم ذكر له الحديث، فقال له الأعمش: أنتم الأطباء ونحن الصيادلة.
علم أبي حنيفة وشيوخه
كان أبو حنيفة منذ نعومة أظفاره ذكيًا فطِنًا، كثير الصمت، طويل التفكّر، وأتم حفظ القرآن الكريم في صغره، وحين بلغ السادسة عشر من عمره خرج به أبوه لأداء فريضة الحج وزيارة مسجد النبي عليه الصلاة والسلام، فاتّجه بعدها إلى علم الكلام وأصول الدين ومناظرة أهل الإلحاد والضلال؛ فقد كان متكلِّمًا ومناظرًا فذًّا، إذ استطاع أن يناقشهم حتى أسكتهم، وردّ على شبهاتهم حول مغالطاتهم في نقضهم للشريعة الإسلامية وعقائدها، فجعلهم يقرّون عليه ويقتنعون بحججه القوية.
أما شيوخه؛ فتفقه بحماد بن أبي سليمان صاحب إبراهيم النخعي ، إذ روي عنه أنه قال: "صحبته عشرة أعوام، أحفظ قوله، وأسمع مسائله"، وقد سمع الحديث من عطاء بن أبي رباح بمكة المكرمة، وسمع من عطية العوفي، وعبد الرحمن بن هرمز الأعرج، وعكرمة، ونافع، وعدد كثير من التابعين.