مناسبة سينية البحتري
سبب كتابة سينية البحتري
تقع سينية البحتري في وصف إيوان كسرى، وهو الذي ذاع صيته في تلك الفترة كثيرًا، وصارت الشعراء تتغنّى في الوصف عند البحتري وما عليه من صفات الجلال والجمال، لم تأتِ الكتب بشكل واضح على ذكر سبب كتابة البحتري لتلك القصيدة.
تنضوي القصيدة تحت الشعر الغنائي أي الشعر الوجداني الذي يُعبر عن عاطفة الكاتب، إذ عانى البحتري من ظلم أقاربه معاناة شديدة وذلك ما دعاه إلى الارتحال إلى إيوان كسرى والجلوس عنده وتأمله، بدأت عبارات الشاعر تتدفق لمّا رأى الإيوان بأبهته وجماله وهو الذي تناوب الملوك على بنائه.
القصيدة من أول أبياتها رثاء على الحال الذي وصل إليه، أمّا الأبيات الأربعة الأخيرة فهي بمثابة رثاء واضح لدولة الفرس وأمجادها التي ما بقي منها سوى الأطلال التي وقف الشاعر عليها، أمّا في قول آخر ضعيف فهو أنّ المتوكل لما اغتيل حزن البحتري عليه حزنًا شديدًا ومع أن المنتصر حاول أن يسترضي البحتري لكنّه لم يستطع.
بقي كل منهما يُضمر حقدًا على الآخر، والعنصر الذي كان مسيطرًا على الدولة في تلك الفترة هم الأتراك، لم يجد طريقة ينتقم فيها من الأتراك سوى مدح الفرس وذكر أمجادهم وهم العنصر المُصارع على الحكم في تلك الفترة.
تأثير مناسبة سينية البحتري على عاطفة القصيدة
استطاع الشاعر أن يربط في قصيدته السينية ما بين عاطفة الحزن الشخصية والأحداث التي دارت معه وما بين العاطفة السائدة في البلاج؛ حيث عانى من ظلم أقاربه وأولاد عمه في الوقت الذي انقلب فيه أمور الدولة، فصار اللئيم مكان العزيز والشرير مكان الخيّر، وكانت القافية هي حرف السين ويحمل الحرف هذا ما يحمل من التوجع والألم.
نظم البحتري قصيدته على البحر الخفيف ويُضفي ذلك البحر على القصيدة كآبة على كآبتها وحزنًا على كلماتها فكان البحر مناسبًا تمامًا لغرض القصيدة، ولم يكن حرف السين بمثابة حرف الروي للقصيدة فقط بل كان المفتاح الصوتي الفاضح للمآسي المعنوية التي يُعاني الشاعر منها.
أمَا على الصعيد التركيبي فقد قدّم الكاتب بضعًا من الكلمات وأخّر بعضًا منها، واعتمد على استعمال الكثير من التشبيهات والاستعارات والكنايات؛ إذ يشعر القارئ وكأنه يرى سلسلة من الصور بعضها خلف بعض، ومن ذلك قول الشاعر:
وَكَأَنَّ الزَمانَ أَصبَحَ مَحمو
لاً هَواهُ مَعَ الأَخَسِّ الأَخَسِّ
إنّ تماسك الأبيات عند الشاعر جعل من المعاني لوحة متماسكة لا ينفلت منها معنى إلا تنهار الصورة بأكملها، ونوّع الشاعر ما بين زمني الماضي والحاضر ليُقارن ما بين عيش الحاضر والماضي بالنسبة له وللدولة بأكملها.
أبيات من سينية البحتري
أما سينية البحتري فهي:
صُنتُ نَفسي عَمّا يُدَنِّسُ نَفسي
وَتَرَفَّعتُ عَن جَدا كُلِّ جِبسِ
وَتَماسَكتُ حينَ زَعزَعَني الدَه
رُ التِماسًا مِنهُ لِتَعسي وَنَكسي
بُلَغٌ مِن صُبابَةِ العَيشِ عِندي
طَفَّفَتها الأَيّامُ تَطفيفَ بَخسِ
وَبَعيدٌ ما بين وارِدِ رِفَهٍ
عَلَلٍ شُربُهُ وَوارِدِ خِمسِ
وَكَأَنَّ الزَمانَ أَصبَحَ مَحمو
لاً هَواهُ مَعَ الأَخَسِّ الأَخَسِّ
وَاِشتِرائي العِراقَ خُطَّةُ غَبنٍ
بَعدَ بَيعي الشَآمَ بَيعَةَ وَكسِ
لاتَرُزني مُزاوِلًا لاختباري
بَعدَ هَذي البَلوى فَتُنكِرَ مَسّي
وَقَديماً عَهِدَتني ذا هَناتٍ
آبِياتٍ عَلى الدَنِيّاتِ شُمسِ
وَلَقَد رابَني اِبنُ عَمّي
بَعدَ لينٍ مِن جانِبَيهِ وَأُنسِ
وَإِذا ما جفيت كُنتُ جَديرًا
أَن أَرى غَيرَ مُصبِحٍ حَيثُ أُمسي
حَضَرَت رَحلِيَ الهُمومُ فَوَجَّه
تُ إِلى أَبيَضَ المَدائِنِ عَنسي
أَتَسَلّى عَنِ الحُظوظِ وَآسى
لِمَحَلٍّ مِن آلِ ساسانَ دَرسِ
أَذكَرتِنيهُمُ الخُطوبُ التَوالي
وَلَقَد تُذكِرُ الخُطوبُ وَتُنسي
وَهُمُ خافِضونَ في ظِلِّ عالٍ
مُشرِفٍ يَحسِرُ العُيونَ وَيُخسي
مُغلَقٍ بابُهُ عَلى جَبَلِ القَب
قِ إِلى دارَتَي خِلاطَ وَمُكسِ
حِلَلٌ لَم تَكٌ كَأَطلالِ سُعدى
في قِفارٍ مِنَ البَسابِسِ مُلسِ
وَمَساعٍ لَولا المُحاباةُ مِنّي
لَم تُطِقها مَسعاةُ عَنسٍ وَعَبسِ
نَقَلَ الدَهرُ عَهدَهُنَّ عَنِ ال
جِدَّةِ حَتّى رَجَعنَ أَنضاءَ لُبسِ
فَكَأَنَّ الجِرمازَ مِن عَدَمِ الأُن
سِ وَإِخلالِهِ بَنِيَّةُ رَمسِ
لَو تَراهُ عَلِمتَ أَنَّ اللَيالي
جَعَلَت فيهِ مَأتَماً بَعدَ عُرسِ
وَهوَ يُنبيكَ عَن عَجائِبِ قَومٍ
لايُشابُ البَيانُ فيهِم بِلَبسِ
وَإِذا ما رأيت صورَةَ أَنطا
كِيَّةَ ارتعت بَينَ رومٍ وَفُرسِ
وَالمَنايا مَواثِلٌ وَأَنوشَر
وأن يُزجى الصُفوفَ تَحتَ الدِرَفسِ
في اِخضِرارٍ مِنَ اللِباسِ عَلى أَص
فَرَ يَختالُ في صَبيغَةِ وَرسِ
وَعِراكُ الرِجالِ بَينَ يَدَيهِ
في خُفوتٍ مِنهُم وَإِغماضِ جَرسِ