من هي أول فدائية في الإسلام
مكانة الصحابيات
كان للصحايبات رضي الله عنهنّ دورٌ بارزٌ في التاريخ الإسلامي، مما جعل منها قدوةً لجميع النساء في كل الأزمان، فأُقيم العدل بين النساء والرجال، الأمر الذي غيّر الكثير من المفاهيم التي اتخذها الرجال عن النساء قبل رسالة الإسلام، فتكّونت في العصر النبوي أرقى الصور والأساليب والطرق التي يمكن من خلالها التعامل مع المرأة، بناءً على العقيدة السليمة التي رسخت في النفوس، وارتبطت بالحقوق المرتبطة بالمسلم تجاه الله تعالى، وبناءً عليها يترتّب الثواب والعقاب في الحياة الدنيا والآخرة .
فكانت الصحابيات رضي الله عنهنّ خير مثال للمرأة المسلمة سواءً في البيت أو في المجتمع، فامتنعت الصحابية عن أمور، وأكدّت أموراً أخرى، وقامت بأمور لم تكن موجودة من قبل، ممّا جعلها متفوقة على غيرها في تجسيد كل ذلك بأعمالها، والتصريح بما يجول في نفسها وخاطرها من الأسئلة المتعلّقة بالحقوق والحدود والأمور التي كتبت لها، والتي كانت محرومة منها في الجاهلية، مثل: الميراث ، والحقوق المالية والزوجية، وفي المقابل لم يفرض عليها الإسلام الجهاد وأداء الصلاة جماعة، فالإسلام احتوى المرأة وحقّق لها ما ترغب، فازداد طموحها، نيلاً لفضل الله تعالى، وأملاً في تحقيق أهدافها وطموحاتها، فالصحابيات غيّرن دور المرأة.
أسماء بنت أبي بكر أول فدائية في الإسلام
هي أسماء بنت أبي بكر القرشية التيمية رضي الله عنها، وتكنّى بأم عبد الله، وُلدت في بيت ذي علم ونسب وحسب وكرم، وأمّها هي قتيلة بنت عبد العزى التي تزوّجت من أبي بكر في الجاهلية، وأنجبت له عبد الله وأسماء، وتطلّقت منه قبل ظهور الإسلام، وبقيت على الجاهلية لمدة من الزمن، وأسلمت بعد فتح مكة المكرمة، وكانت أسماء من الشاهدين على دعوة الإسلام وبدايتها، وعاشت مع أبيها أبي بكر أذى المشركين، فكانت من الحاملين للواء الإسلام والداعين إليه، كما أنّها تزوّجت من الزبير بن العوام رضي الله عنه حواري الرسول عليه الصلاة والسلام، وأنجبت منه ابنها عبد الله.
اتّصفت أسماء بالشجاعة والقوة والتحمّل والصبر، ومما يدل على ذلك ما كان منها في حادثة هجرة الرسول مع أبيها إلى المدينة المنورة، وروى ابن إسحاق ذلك، فقال: (لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكرٍ رضي الله عنه أتانا نفرٌ من قريش فيهم أبو جهل بن هشام فوقفوا على باب أبي بكرٍ فخرجتُ إليهم فقالوا: أين أبوك يا أسماء؟ قالت: قلت: لا أدري والله أين أبي! قالت: فرفعَ أبو جهلٍ يدَه وكان فاحِشًا خبيثًا فلطم خديْ لطمةً طرح منها قُرطي)، فكانت أسماء من العالِمين بأمر الهجرة، إلا أنّها أخفتْه، ولم تبديه لأحدٍ، ويروي البخاري في صحيحه عنها في سبب تسميتها بذات النطاقين، فيقول: (صنعتُ سُفْرةَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم في بيتِ أبي بكرٍ حين أرادَ أن يهاجرَ إلى المدينةِ ، قالت: فلم نجدْ لسُفرتِه ، ولا لسِقائِه ما نربطُهما به ، فقلت لأبي بكرٍ: واللهِ ما أجدُ شيئًا أربطُ به إلا نِطاقِي، قال: فشقِّيهِ باثنيْن فاربِطِيه بواحدِ السقاءِ وبالآخرِ السُّفرةِ ففعلتُ ، فلذلكَ سُمِّيتْ ذات النِّطاقيْن).
ومن المواقف التي تشهد لأسماء بنت أبي بكر بالفضل والمكانة الرفيعة موقف زواجها من الزبير بن العوام ابن عمة الرسول صفية بنت عبد المطلب، فلم يكن يملك الزبير عند زواجه إلا البيت الذي كان يقيم فيه، والفرس الذي يركبه، والسيف الذي يحمله، ورغم ذلك قبلت أسماء به زوجاً لها، فنشأ بيتهما على التقوى، وصبرت عليه باقي حياتهما رغم فقره.
مواقف من حياة أسماء بنت أبي بكر
كانت أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها من السابقين للإسلام ، فكان ترتيبها الثامن عشر من المسلمين، وكان عمرها لا يتجاوز أربعة عشر عاماً، ومن المواقف التي تشهد على وفائها وتضحيتها ما كان منها في أمر الهجرة إلى المدينة المنورة، حيث إنها هاجرت من مكة إلى المدينة قاطعةً الصحراء الحارة رغم أنها كانت حاملاً بعبد الله، حيث بدأ معها مخاض الولادة عندما بلغت مشارف قباء ، فوُلد عبد الله مع قدوم المهاجرين من الصحابة ، فكان أول مولود في المدينة المنورة من المهاجرين، فقبّله الرسول عليه الصلاة والسلام وحنّكه، فكان ريق الرسول أول ما دخل جوف عبد الله بن الزبير بن العوام، ففرح به المسلمون فرحاً كبيراً، وطافوا به المدينة المنورة مكبّرين مهلّلين.
وعندما شبّ عبدالله وأصبح أميراً للمؤمنين، ذهبت إليه أمّه تحدّثه بأمر الكعبة المشرفة، فقال عبد الله: (إن أمي أسماء بنت أبي بكر الصديق حدثتني أن رسول الله قال لعائشة أم المؤمنين: لولا حداثة عهد قومك بالكفر، لرددت الكعبة على أساس إبراهيم، فأزيد في الكعبة من الحجر)، ثمّ أمر بحفر الأساس القديم للكعبة المشرفة، وجعل لها بابين، وضمّ إليها حجر إسماعيل عليه السلام، وذلك كله بفعل نصيحة أمه له، ومن المواقف التي فعلتها أسماء أيضاً ما يرويه عنها هشام بن عروة عن أبيه أنها لم تكن تلبس الثياب التي فيها زعفران وهي مُحرمة ، وفي ذلك قالت فاطمة بنت المنذر: (ما رأيت أسماء لبست إلا المعصفر، حتى لقيت الله، وإن كانت لتلبس الثوب يقوم قياماً من العصفر)، ومن الأقوال التي وردت في أسماء ما كان من ابن الزبير، حيث قال: (ما رأيت امرأة قط أجود من عائشة وأسماء؛ وجودهما مختلف، أما عائشة فكانت تجمع الشيء إلى الشيء، حتى إذا اجتمع عندها وضعته مواضعه، وأما أسماء، فكانت لا تدخر شيئاً لغد)، وتوفيت أسماء بعد مقتل ابنها عبد الله بعدّة ليالٍ، وكان قتل ابنها في اليوم السابع عشر من شهر جمادى الأولى، من السنة الثالثة والسبعين.