من هي أول شهيدة فى الإسلام
أول شهيدة في الإسلام
تعرّض المسلمون في أول أيام الدّعوة للظلم والتعذيب الشّديدين لثنيهم عن التوحيد والإيمان، وكان ممّن ثبت على مبدئه سميّة بنت الخيّاط حتى لقيت وجه الله -تعالى- شهيدةً في سبيل ذلك، وهي سميّة بنت خيّاط مولاة أبي حذيفة بن المغيرة، امرأة تمتّعت برجاحة العقل، كانت في خدمة سيّدها حين جاء ياسر من اليمن باحثاً عن أخٍ له كان قد أتى مكّة ثمّ انقطعت أخباره لكنّهم لم يجدوه حيث طلبوه، فعاد إخوة ياسر إلى اليمن، لكنّ ياسراً فضّل العيش في مكّة واستقرّ فيها، وكان يجب على مَن أراد أن يسكن مكّة من خارجها أن يكون في جوار أحدٍ من السادات، فنزل ياسر بجوار أبي حذيفة وهو سيّد سميّة، فتزوّجها ياسر ورزقوا بعمّار وعبد الله، والحريث الذي توفّي قبل البعثة، وكانوا مُخلصين جدّاً لسيّدهم وعائلته، فأحبّهم وأعتق ابنهم عمار إكراماً لهم، وبعد وفاة أبي حُذيفة انتقلت أمّ عمار وابنها عبد الله مملوكين لورثته من بني مخروم، وبقيت العائلة على هذا الحال، حتى ظهر الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- بدين التوحيد الذي ساوى بين الناس، وجعل التقوى هي معيار التفضيل الوحيد بينهم.
لم يتردّد عمار بن ياسر في إعلان إسلامه وانضمامه إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأعلن إسلامه في دار الأرقم أمام الرسول صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ عاد إلى أمّه بخبر إسلامه، وحدّثها أنّ الدين الجديد يقوم على العدالة والمساواة بين الناس حيث لا فضل لإنسان على أخيه إلّا بالتقوى، فاستبشرت سميّة بهذا العدل والدين خيراً كثيراً حتّى أسرعت بالذهاب إلى رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- معلنةً إسلامها ولقّنها كلمة التّوحيد، حتى كانت من أوائل السابقين إلى الإسلام إذْ كانت من أوّل سبعة دخلوا الإسلام مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
كانت أخبار إعلان الناس إسلامهم تشقّ كثيراً على سادات قريش عموماً، وأسياد سمية وعمار من بني مخزوم خصوصاً، فكانوا يقاومون دعوة التوحيد بكلّ وسعهم، فبدأوا بتعذيب هذه المرأة ليُرجعوها عن دينها عُنْوةً، لكنّها رفضت رفضاً قاطعاً وثبتت على مبادئ دينها الجديد، بشكلٍ لم يتوقّعه ساداتها، حتى أعيتهم دون جدوى، ودفعهم ذلك إلى ممارسة أقوى أنواع الظلم والاضطهاد بحقّها حتّى لا يدعوا لها مجالاً إلّا العودة عن الإسلام ، لكنّها ثبتت ثباتاً عجيباً هي وزوجها ياسر وابنهما عمّار، وكانوا يأخذونهم إلى رمال الصحراء الحارقة ظهراً، فيربطونهم بالأغلال ويسحبونهم عليها ويجوّعونهم ويمنعون عنهم الماء، وغير ذلك من الجلد والتعرية والسخرية والشتائم، وكانت عائلة عمار صابرة مُحْتسبة لم يمنعها كلّ هذا عن الثبات على ما آمنوا به واتبعوه، وصحّ عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه مرّ عليهم وهم يعذّبون وهو لا يملك أن يقدّم لهم أيّ شيءٍ، فكانت مواساته لهم بقوله: (صبراً آل ياسرٍ، فإنَّ موعدَكم الجنةُ).
ثبات سميّة بنت الخياط
بكت سميّة وهي تُعذّب يوماً ففرِح جلّادها وظنّها استسلمت وانهارت، ولكنّها كانت تبكي لأنّها سمعت ابنها يشتم النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- ويمتدح اللات والعزّى، فصحات به خائفةً أن يكون ارتدّ عن دينه ولم يستطع أن يُكمل المسير، فحلّ سيّد عمار رباطه وأطلقه فرحاً بما سمع منه من شتمه لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، لكنّ عماراً ركض إلى الرّسول وأخبره بما حصل، إذْ إنّه لم يستطع أن يحتمل ما لاقى من شدّة الضرب والجلد، فسأله الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- كيف يجد قلبه بعد ما قال، فأجابه عمار أنّه مطمئنّ بالإيمان ، فلم يؤاخذه النبيّ وأعطاه الرخصة أن يعود لمثل ذلك إن وجد العذاب الشديد، وفي ذلك نزلت الآية في كتاب الله الكريم: (مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ).
برغم التسهيل في الآية السابقة وما قال به النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- من جواز التلفّظ ببعض الألفاظ التي توحي للمشركين أنّ المرء تراجع عن دينه بُغْية درء شيءٍ من العذاب عن نفسه، إلّا أنّ سميّة -رضي الله عنها- لم تستخدم الرخصة، وفضّلت أن تبقى صامدة وشامخة تتحدّى جلّاديها حتى آخر رمق، فكانت هي من أتعبت مُعذّبيها، وفي ذات مرة أقدم أبو جهل على شتمها في عِرضها، فردّت له القول بغلظة إذ لم تحتمل ما قاله لها، فعظُم سخط رجاله عليها، فربطوا إحدى قدميها ببعير، والأخرى ببعير آخر، وجاء أبو جهل فضربها بحربة في قُبُلِها فاستشهدت، فكانت أوّل شهيدة في الإسلام، وذلك في السنة السادسة للبعثة النبويّة.
فضائل آل ياسر
كانت عائلة ياسر من السّابقين إلى الإسلام، وكان لهم أفضال ورد فيها أحاديث عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، منها:
- كان من أوّل سبعة دخلوا الإسلام مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عمّار بن ياسر وأمّه سميّة رضي الله عنهما.
- كان عمّار يُعذّب حتى لا يعرف ما يقول، فكان ثابت على دينه.
- شهِد عمار بدراً والمشاهد كلّها مع رسول الله -عليه الصّلاة والسّلام- وهاجر إلى الحبشة.
- أجار الله -تعالى- عمّار من الشيطان الرجيم، وذلك بصحيح قول الرّسول صلّى الله عليه وسلّم.
- روت عائشة -رضي الله عنها- قول النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- عن عمار رضي الله عنه: (مُلِئَ إيماناً إلى مُشاشِهِ)، أي خالط الإيمان لحمه ودمه.
- قال النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- عن عمار -رضي الله عنه- أنّه ستقتله الفئة الباغية، فقُتِل في سبيل الله دفاعاً عن عليّ -رضي الله عنه- يوم صفّين.