من هو ذو النون
من هو ذو النون
يقول -سبحانه وتعالى-: (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً)، قال المفسرون إن هذه الآية الكريمة جاءت لإخبارنا بقصة أحد الأنبياء -عليهم السلام- والمراد فيها هو نبي الله يونس -عليه السلام- وسُمي بذي النون؛ لابتلاع الحوت له فالنون هو الحوت.
وقد ورد في سورة القلم الإشارة إلى هذا المعنى، فيقول -سبحانه-: (وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ)، ورأى بعض المفسرين أنّ "ذو" فيها صيغة تشريف أعظم من كلمة "صاحب"؛ لأن الله -سبحانه- حين ذكره في موضع الثناء عبّر عنه "بـذي النون".
قصة ذي النون
بعث الله -سبحانه- نبيه يونس -عليه السلام- إلى أهل نينوى ؛ لدعوتهم إلى عبادته وحده، وحتى يتركوا ما هم عليه من الوثنيّة والكفر، فرفضوا ذلك، وتمادوا في التكذيب، فخرج سيدنا يونس -عليه السلام- من بينهم غاضباً، منذراً لهم من وقوع عذاب أليم.
ولما تحققوا من ذلك، وتيقنوا أنّ نبي الله يونس -عليه السلام- لم يكن يكذب، خرجوا بأطفالهم ونسائهم وأنعامهم؛ يتذللون إلى الله -عزوجل- بالدعاء ليرفع عنهم البلاء والعذاب، حتى استجاب الله -سبحانه- لهم، ونجاهم مما كانوا فيه.
دعاء ذو النون في بطن الحوت
فلما خرج نبي الله -يونس عليه السلام- غاضباً من عند قومه، ركب بسفينة كانت تريد السفر، وسارت بهم، وبدأت الأمواج تضربهم من كلّ جانبٍ، فلما خافوا الغرق أقاموا قرعةً للتخلص من الحمولة الزائدة، ومن تقع عليه القرعة سيُلقى في البحر، فاقترعوا وكانت في كلّ مرةٍ تقع القرعة على سيدنا يونس -عليه السلام-، فألقى بنفسه في البحر.
والتقمه حوتٌ قادم من قاع البحر، وأعماق الظلمات، فكان-عليه السلام- في جوفٍ مظلمٍ وبحرٍ أظلم كلها مجتمعة عليه، حينها دعا بدعاءٍ وسط كلّ هذا البلاء، فقال: (فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ)، وهذا دعاءٌ عظيمٌ فيه تمجيدٌ لله -سبحانه-، واعترافٌ بوحدانيته، وتذللٌ إليه عما بدر من تقصير في حقه، وظلم الإنسان لنفسه.
وهذا الدعاء إذا دُعي الله -سبحانه- به انفرجت الكروب، واستُجيب الدعاء، يقول -صلى الله عليه وسلم-: (لا إلهَ إلَّا أنتَ سُبْحانك إنِّي كُنتُ مِن الظَّالمينَ، لم يَدْعُ بها رجُلٌ مُسلمٌ في شَيءٍ قطُّ إلَّا اسْتُجِيبَ له)، وقد كُشف الله الغمة عن نبيه، وأخرجه من الظلمات ونجاه.
توبة قوم ذي النون
لما وقع العذاب في أهل نينوى بعد الوقت الذي أخبرهم به سيدنا يونس -عليه السلام- وهو ثلاثة أيام، أحاطهم ووقع فوق رؤوسهم كقطع الليل المُظلم، فبدأوا يبحثون عن نبيهم يونس -عليه السلام- وقد علموا صدق ما أنبأهم به، فلم يجدوه، ففكروا بأن يجتمعوا ويعلنوا التوبة إلى الله -سبحانه- فهو المُنّجي من العذاب.
وخرجوا بنسائهم وأطفالهم وشيوخهم وحيواناتهم، إلى تلٍ من التلال، وبدأوا بالتذلل إليه -سبحانه- وإظهار الندامة على فعلهم، وارتفعت أصواتهم بالنحيب والدعاء والرجاء، حتى استشفعت لهم الملائكة، فقبل الله منهم توبتهم، وآمن منهم عدد كبير، وقال الله -سبحانه- فيهم: (فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ).
العبر المستفادة من قصة ذي النون
يمكننا تلخيص العديد من الدروس والعبر المستفادة من هذه القصة العظيمة، نذكر بعضها فيما يأتي:
- الصبر على الابتلاء وعلى المحن العسيرة يجلب الرحمة والفرج الواسع.
- عاقبة التكذيب لأمر الله ووعده -سبحانه- وخيمةٌ.
- رحمة الله -سبحانه- بعباده وقبوله توبتهم.
- تقدير الله -سبحانه- كله خير.
- الأنبياء هم قدوات الناس، وقد عصمهم الله من الزلل بالفواحش، وعاتبهم على بعض المواقف، وهذا لا يقدح في صدق نبوتهم.