من هم الصحابة رضي الله عنهم
فضل صحابة رسول الله
يحتلّ صحابة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- منزلةً وفضلاً عظيمين في الإسلام ؛ كونهم الأسبق للإيمان ومساندة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- فيما واجهه من شدائد، فكانوا هم النّواة التي بدأ منها الإسلام وانتشر وعلا شأنه في أنحاء الأرض، وإنّ حبّهم وتوقيرهم من عقيدة أهل السنّة والجماعة، وهو كذلك قُربةٌ يتقرّب بها المسلم إلى الله تعالى، وينال بها محبة رسوله الكريم، ويدرك المسلم أنّهم -رضوان الله عليهم- خير النّاس بعد الأنبياء ؛ فقد قال صلّى الله عليه وسلّم: (خيرُ الناسِ قَرْنِي، ثمَّ الَّذِينَ يَلُونَهم، ثم الَّذِينَ يَلُونَهم)، وإنّ على المسلم حبّ الصّحابة -رضوان الله عليهم- كذلك؛ لأنّهم الواسطة بين رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- ومن بعده من الأمم، فهم أوّل من عمل واجتهد لنشر الدّين وتفسير القرآن وتوضيحه، وغير ذلك من الأمور العظيمة؛ كفتح العديد من البلاد ونشر الإسلام فيها، والتّمهيد لفتح غيرها.
ولقد ورد في فضل الصّحابة -رضوان الله عليهم- آياتٌ كريمةٌ وأحاديث شريفةٌ؛ فقد قال تعالى ذاكراً إيّاهم في قوله سبحانه: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)، وقال تعالى: (لقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ)، وقال صلّى الله عليه وسلّم: (لا تسبوا أصحابي، لا تسبوا أصحابي؛ فوالذي نفسي بيدِه: لو أن أحدَكم أنفق مثلَ أحدٍ ذهبًا، ما أدرك مدَّ أحدِهم، ولا نصيفَه)، فهذا دليلٌ على فضل الصّحابة وعظيم أجر ما قدّموا في ميزان الله تعالى.
الصّحابة رضوان الله عليهم
ذكر البخاريّ بأنّ كلّ من صحب النبيَّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- أو رآه من المسلمين فهو من أصحابه؛ فالصّحابيّ هو من التقى الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- وآمن به وصدّقه ومات على ذلك، فبهذا التّعريف يكون الصّحابيّ قد نال شرف صحبة الرّسول صلّى الله عليه وسلّم، فوقر الإيمان ونوره في قلبه وظهر على أخلاقه وجوارحه، فإنّ الإنسان يتأثر ويشعر بقيمة لقاء أحد من الصّالحين ، أمّا هؤلاء الرجال فقد التقوا بسيّد المرسلين محمّد صلّى الله عليه وسلّم، ولقد أشار رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنّ الله تعالى هو من اختار الصّحابة واصطفاهم اصطفاءً كما اصطفى من النّاس رُسُلاً ومن الملائكة، فقد قال صلّى الله عليه وسلّم: (إنَّ اللهَ اختار أصحابي على العالَمِين سوى النبيينَ والمرسلينَ، واختار لي من أصحابي أربعةً –يعني أبا بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعليًّا– فجعلهم أصحابي، وقال: في أصحابي كلِّهم خيرٌ)،
والصّحابة -رضوان الله عليهم- جميعهم عدولٌ لا يُشكّ في أحدٍ منهم، فمن اختاره الله تعالى اصطفاءً ليكون من أصحاب رسوله الكريم، لا يمكن أن يمسّه جرحٌ، فالله تعالى قد اطّلع على بواطنهم وسرائرهم فطهّرهم ونجّاهم من كلّ سوءٍ؛ ولذلك اجتمع علماء المسلمين على تعديل الصّحابة جميعاً؛ إحساناً للظنِّ بهم، ونظراً إلى ما تمهّد لهم مِن الأخلاق والسير الرّفيعة، ولا بدّ للمسلم أن يكون عالماً بحال الصّحابة رضوان الله عليهم، فقد كانوا أوّل من تلقّى آيات القرآن الكريم وهي تتنزّل على رسول الله عليه الصّلاة والسّلام، وكانوا هم من حفظ القرآن الكريم ونقل السنّة الشّريفة، وكثيرٌ ما كان ينشغل أحدهم بأمر عبادته وبتفرّغه للعلم أو الجهاد عن تحسين أمور معيشته بالعمل وطلب الرّزق، وكذلك كان من صفاتهم أنّهم مهتدون بتزكية الله تعالى لهم، فسمت أخلاقهم وطهُرت سيَرهم، وحسنت خاتمتهم ، فهذه صفات صحابة رسول الله -صلّى الله عليهم وسلّم- وأخلاقهم رضوان الله تعالى عليهم.
التّفاوت في مراتب الصّحابة
تختلف الهمم وتتفاوت في العمل، ويسبق بعض النّاس بعضاً في الإقبال على الدّين والإيمان ، وكذلك كان الصّحابة رضوان الله عليهم، فاختلفوا في وقت دخلوهم في الإسلام، وفي كيفيّة نصرة الرّسول صلّى الله عليه وسلّم، وفي قدر الإنفاق والجهاد في سبيل الله وغير ذلك، ومع أنّه ما من شكٍّ بأنهم جميعاً أصحاب فضلٍ عظيمٍ، إلا أنّ هناك بعض التفاوت في درجاتهم، وفي ما يأتي درجات التفضيل بين الصّحابة في العموم:
- أفضل الصّحابة هم من أنفق في سبيل الله تعالى قبل صلح الحديبية ، ولقد قال فيهم تعالى: (وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ ۚ أُولَٰئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا ۚ وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَىٰ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ).
- أشارت نصوص القرآن الكريم إلى أنّ المهاجرين خيرٌ من الأنصار بالعموم، فقد ورد ذكرهم جميعاً والثّناء عليهم إلا أنّ ذكر المهاجرين سبق ذكر الأنصار؛ فدلّ ذلك على فضلهم، قال تعالى: (لَّقَد تَّابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ ۚ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ).
- فضل أهل بدر على غيرهم من الصّحابة؛ ففي الحديث الصّحيح الذي يرويه علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- عن رجلٍ بدريّ قال فيه صلّى الله عليه وسلّم: (إنه قد شَهِدَ بَدْرًا، وما يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ علَى مَن شَهِدَ بَدْرًا فقال: اعملوا ما شِئْتُمْ فقد غفرتُ لكم).
- فضل العشرة المبَشّرين بالجنّة؛ فقد ذكر رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أشخاصاً بأسمائهم، وبشّرهم بأنّهم من أهل الجنّة في حياتهم، فقد قال -صلّى الله عليه وسلّم- في مجلسٍ: (عشَرةٌ في الجنَّةِ: أبو بكرٍ في الجنَّةِ وعُمَرُ في الجنَّةِ وعُثمانُ في الجنَّةِ وعلِيٌّ في الجنَّةِ والزُّبيرُ في الجنَّةِ وطَلحةُ في الجنَّةِ وابنُ عوفٍ في الجنَّةِ وسعدٌ في الجنَّةِ وسعيدُ بنُ زيدٍ في الجنَّةِ وأبو عُبَيدةَ بنُ الجرَّاحِ في الجنَّةِ).