من هم الأحزاب في غزوة الخندق
الأحزاب في غزوة الخندق
يعود سبب غزوة الخندق إلى أنّ اليهود وبالإضافة إلى كرههم وحقدهم لرسول الله وصحابته، ازداد ذلك الحقد لمّا أبعدهم رسول الله عن المدينة المنورة، فتوجّهوا إلى خيبر وبدأوا بتحريض قريش وقبائل الأحزاب ضدّ رسول الله وصحابته، وأقنعوهم أنّهم يداً بيد، وواقفون معهم وفي صفّهم، فاجتمعوا مكوّنين اثني عشر ألف مقاتلٍ، وتوجّهوا إلى المدينة المنورة، وقاموا بحصارها خمسة عشر يوماً، ولم يمنعهم من الدخول إليها إلا ما حفره رسول الله من الخندق حولها، ثم أرسل الله عليهم الملائكة والريح، فانصرفوا عائدين دون قتال، وقد كان هؤلاء الأحزاب مجتمعين من خمسة أصناف، وهم: المشركون من أهل مكة، والمشركون من القبائل العربية، واليهود من خارج المدينة، وبنو قريظة، والمنافقون، أمّا المسلمون فقد بلغ عددهم ثلاثة آلاف مُجاهد.
المشركون من العرب
شكّل اليهود في خيبر مجموعةً ليقوموا بالطواف على القبائل وإخبارهم بإرادة غزو المسلمين، وتكوّنت هذه المجموعة من حيي بن أخطب رئيساً، والأعضاء هم: سلام بن مشكم، وكنانة بن أبي الحقيق، وهوذة بن قيس الواثلي، وأبو عامر، وتوجّهت هذه المجموعة إلى زعماء مكة بعد أربعة أشهرٍ من إجلائهم من المدينة، فعرضوا عليهم مخطّطاتهم لغزو المسلمين، فما كان من الزعماء إلّا الفرح والسرور والموافقة على ما رأوه من الجهود المبذولة في سبيل القضاء على الإسلام والمسلمين، ثم توجّه هذا الوفد بعد انتهائه من قبائل قريش إلى قبائل غطفان في نجد؛ لكي يعرضوا عليهم ما وافق عليه يهود المدينة، فبدأوا بالرعية ثم الزعماء، حيث تحدّثوا إلى عيينة بن حصن؛ وهو أكثر رجلٍ مُطاع بين قبائل غطفان آنذاك، وعرضوا مخطّطاتهم على الحارث بن عوف قائد بني مرّة، وأبي مسعود بن رخيلة قائد بني أشجع، وسفيان بن عبد شمس قائد بني سليم، وطليحة بن خويلد قائد بني أسد، فوافقوا جميعهم، وتمّ الاتّفاق على تنفيذ هذه المخطّطات بتفاصيلها.
بدأ الأحزاب يجهّزون جيوشهم من أجل تنفيذ ما اتّفقوا عليه، وقد بلغ عدد قريش مع حلفائها أربعة آلاف مقاتلٍ، وكانت هذه الغزوة أقوى وأمتن غزوة من حيث العدد والعُدّة، حيث تسلّم أبو سفيان الأموي قيادة الجيش، وحمل راية الغزوة عثمان بن طلحة العبدري، وقاد سلاح الفرسان خالد بن الوليد ، وهو ما كانت تسير عليه قريش في عادتها في الغزوات، ولإصرارهم على هذه الغزوة خرج خمسون رجلاً إلى الكعبة، وتعاهدوا على النصرة لبعضهم البعض، أمّا غطفان فقد حشدت ستّة آلاف مقاتل، وقسّمتهم بحسب القبائل، ووضعت لكلٍ منهم قائداً، وهم الذين توجّه إليهم اليهود حين وصولهم إلى غطفان، وقد كان المسلمون على علمٍ بكل ما يجري من التخطيط لغزوهم، فكانوا على أشدّ الاستعداد والتجهّز للمواجهة.
وصل الأحزاب للمدينة، وعندما وصلوا حاولوا اختراق الخندق بشتّى الطرق، وأصبحت هذه القبائل تدور حول الخندق كل ليلةٍ حتى الصباح، وقد حاول خالد بن الوليد أن يدخل منه، إلا أنّ أُسيد بن حضير ومعه مئتين من الصحابة تصدّوا له، فقام وحشي الحبشيّ ورمى حربةً تجاه الطفيل بن النعمان، فأصابته واستشهد، وقام حبّان بن العرقة برمي سهماً تجاه سعد بن معاذ فأصابت كاحله، ولم يكتفِ المشركون بذلك فحسب، بل قاموا بإرسال كتيبةٍ إلى المكان الذي يقيم فيه رسول الله، فانشغل المسلمون بهم حتى الليل، واضطر رسول الله يومها إلى تأخير صلاة العصر ، فلما انصرفوا صلّى المسلمون العصر، ودعا عليهم رسول الله بسبب ما كان من تأخير صلاة العصر عن وقتها، وقد تألّف جيش المسلمين من المهاجرين الذين تركوا ديارهم وأموالهم وأولادهم ابتغاء ما عند الله، ومن الأنصار الذين استقبلوهم وكانوا لهم إخواناً وعوناً ونصرة، وقد أصابهم الخوف والقلق؛ حيث سيواجهون أعداداً كبيرة من أعداء الإسلام، ومَن ازداد حقدهم وكرههم لهم.
اليهود
كانت قبائل اليهود من بني النضير وبني قريظة وبني قينقاع ضدّ المسلمين رغم ما يقع بينهم من العدواة والتباغض والعنصرية، إلّا أنّ هدف محاربة المسلمين قد وحّد صفّهم، والقرآن الكريم يظهر ضعف اجتماعهم، حيث يقول الله -تعالى- عنهم: (كَيفَ وَإِن يَظهَروا عَلَيكُم لا يَرقُبوا فيكُم إِلًّا وَلا ذِمَّةً يُرضونَكُم بِأَفواهِهِم وَتَأبى قُلوبُهُم وَأَكثَرُهُم فاسِقونَ)، وبمجرّد أنّهم شعروا بالقوة نقضوا عهودهم، وقد وقع الخوف في قلوب المسلمين من نقض بني قريظة للعهد الذي بينهم وبين المسلمين، لأن اليهود ستصبح خلفهم والأحزاب من أمامهم، وقد تحقّق ما خافه المسلمون، فنجح إقناع كعب بن أسد لزعيم بني قريظة في الانضمام إلى صفوفهم.
وصلت الشائعات حول ذلك إلى رسول الله، فأرسل الزبير بن العوام ليأتي له بأخبارهم، فذهب وأتى يخبر رسول الله ببدء تجهيزهم، فعرف رسول الله بنقضهم للعهد المبرم فيما بينهم، وأرسل مجموعةً من الصحابة للتأكّد من ذلك، وطلب منهم إن تأكّدوا أن يبعثوا له بإشارةٍ لا يفهمها سواه، فلمّا تأكّدوا عادوا لرسول الله فقالوا: "عضل والقارة"؛ وهما قبيلتان من اليهود كانتا قد غدرتا بالنبيّ، ففهم رسول الله أنّ بني قريظة قد نقضت العهد، وبدأ برفع همم المسلمين، وقام بإرسال سلمة بن أسلم وزيد بن حارثة ، ومعهم خمسمئة رجلٍ من أجل حراسة المدينة والتكبير حتى يُرهبوا عدوّهم، أمّا بنو قريظة فقامت بإرسال الطعام المحمّل على البعير من أجل جيوشها حتى تساعدهم على القتال وتقوّي شوكتهم، إلّا أنّ هذا الطعام أصبح من نصيب المسلمن بعد انتهاء الغزوة.
المنافقون
استغلّ المنافقون من بني حارثة وبني سلمة نقض بني قريظة للعهد فيما بينهم وبين رسول الله، فراحوا يزعزعون ثقة المسلمين بأنفسهم ويثبّطون من عزيمتهم، ومن هؤلاء المنافقين عبد الله بن أبيّ بن سلول، حيث كان يقوم بالتخطيط مع بني النضير ضدّ المسلمين، وكانت مناصرته لهم واضحة، وقال -تعالى- واصفاً ذلك التأييد: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ)، بالإضافة إلى ما قام به عبد الله بن أبيّ من إخافة المسلمين، ومحاولته لإلقاء الرعب في قلوبهم، فانسحب البعض من جيش المسلمين لمّا رأوا ازدياد الحصار عليهم، ومنهم من طلب من رسول الله أن يعود إلى بيته بحجّة أنّها عورة، وقد وصف القرآن ذلك وصفاً دقيقاً، فقال -تعالى-: (وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا).
أحداث غزوة الخندق ونتيجتها
وصلت أخبار المشركين إلى رسول الله بعزمهم على غزو المدينة، ولمّا تأكد من صحة الخبر استشار أصحابه، فأشار عليه سلمان الفارسي بحفر خندقٍ حول المدينة، فوافقه رسول الله، وبدأ المسلمون بصحبة رسول الله بحفر الخندق، فلما وصل الأحزاب تفاجؤوا مما صنع المسلمون، وكان حيي بن أخطب قد تكلّم مع كعب بن أسد زعيم بني قريظة وأقنعه بغزو المسلمين، وكان رسول الله قد فكّر بأن يتّفق مع بني قريظة على ثلث ثمار المدينة كي يتراجعوا عن مناصرة اليهود، لكن الأنصار رفضوا معتبرين أنّ ذلك من التذلّل لهؤلاء الخونة، ثم بدأت جماعات المشركين بمحاولات التسلّل إلى المدينة، لكن المسلمين واجهوهم ومنعوهم.
جاء نعيم بن مسعود إلى رسول الله يخبره بأنّه مخفٍ لإسلامه، لكنّ بني قريظة يأتمنونه ويثقون به، وأخبر رسول الله بإرادته لمساعدته، فطلب منه الرسول أن يعود إليهم ويخدعهم ويحاول أن يفرّق جمعهم ويفتن بينهم، فالحرب خدعة، فعاد نعيم إليهم وبدأ بتشتيت جمعهم وإيقاع الشكّ في قلب كلٍّ منهم تجاه الآخر، وقد دبّ النّزاع بينهم، وأرسل الله ريحاً قوية مصاحبةً للأمطار والبرد الشديد، حتى اقتلعت خيمهم وأطفأت نيرانهم، فدبّ الخوف في قلوبهم، فحملوا أنفسهم وغادروا أماكنهم دون قتال، حتى إذا جاء الصباح لم يكن أحدٌ منهم حول المدينة ، وقد أنزل الله -تعالى- قوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّـهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّـهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا* إِذْ جَاءُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّـهِ الظُّنُونَا* هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا).