من هم أهل الأعراف
اليوم الآخر
خلق الله تعالى الخَلق؛ لعبادته وتوحيده وتمجيده، ولنشر ذلك في بقاع الأرض وإعمارها على الوجه الذي يرضيه تعالى، وقد جعل الله تعالى كلّ هذه الحياة الدّنيا بمثابة ممرٍّ يُبتلى الإنسان فيه ويُختبر، ويرى الله عمله حتّى يصل إلى الغاية الختاميّة، وهي الاستقرار في الآخرة، قال تعالى: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ)، فكان الموتُ -وهو نهاية الحياة الدّنيا- سبباً لبداية الحياة الآخرة كما ورد في الآية الكريمة ؛ ولذلك قال النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- موصياً عبد الله بن عمر : (كُنْ في الدنيا كأنك غريبٌ أو عابرُ سبيلٍ)، حتّى إذا جاء اليوم الآخر، نظر الله تعالى في أحوال العباد؛ ليوصلهم إلى جنّاته أو إلى ناره، فمنهم من عمل واجتهد في الدّنيا والتزم أوامر ربّه؛ فأفلح وأنجح، وهؤلاء علامة نجاحهم أن ترجح موازين حسناتهم على سيّئاتهم فأولئك هم المفلحون، ومنهم من أسرف على نفسه في المعاصي والحرام في الدّنيا؛ فرجحت كفّة سيّئاته على حسناته، فأولئك خسروا أنفسهم وعرّضوها لوعيد الله وعقابه، وهناك فئةٌ أخيرةٌ قد استوت حسناتها وسيّئاتها، تطابقت الكفّتان فلم ترجح واحدةٌ على الأخرى، هؤلاء هم أهل الأعراف، وسيرد ذكر حالهم في هذا المقال.
أهل الأعراف
يأتي معنى لفظة الأعراف في اللغة والاصطلاح كما يأتي:
- تعريف الأعراف لُغةً: تأتي كلمة الأعراف بمعنى الحاجز، وقد تأتي بمعنى أعلى الشيء، فعُرف الجبل أيّ أعلاه.
- تعريف الأعراف اصطلاحاً: هو سورٌ عالٍ بين الجنّة والنّار يقف عنده أهل الأعراف، وقد اختلفت عبارات المفسّرين في شرح معنى أهل الأعراف الوارد في القرآن الكريم، فذكر بعضهم أنّ أهل الأعراف هم من استوت حسناتهم وسيّئاتهم، وقد قال بهذا القول: ابن عباسَ وابن مسعود ، وقد قيل أنّهم من تجاوزت حسناتهم النّار فابتعدوا عنها، لكنّ سيّئاتهم قصّرت بهم عن دخولهم الجنّة، وقيل كذلك أنّهم أهل فضلٍ من المؤمنين فرغوا من شغل أنفسهم، وتفرّغوا لمطالعة أحوال الناس، وقيل هم قوم أنبياء ، وقيل هم ملائكةٌ موكلون بهذا السّور يميّزون الكافرين من المؤمنين قبل دخولهم الجنّة والنّار.
مصيرُ أهل الأعراف
ورد ذكر وحال أهل الأعراف في القرآن الكريم في سورةٍ أسماها الله تعالى باسمهم؛ هي: سورة الأعراف، في قوله تعالى: (وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ ۚ وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ ۚ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَن سَلَامٌ عَلَيْكُمْ ۚ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ* وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِين* وَنَادَىٰ أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُم بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَىٰ عَنكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ* أَهَٰؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ۚ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنتُمْ تَحْزَنُونَ)، فهؤلاء القوم قد استوت حسناتهم وسيّئاتهم، وقد ورد تفصيل معنى أهل الأعراف، فوقفوا ينتظرون أمر الله تعالى متأمّلين رحمته بأن يدخلهم الجنّة وأن يصرفهم عن النّار، رغم أنّ حسناتهم قليلةً مقارنةً بدخول الجنّة، وسيّئاتهم كثيرةً إذا طمعوا في النّجاة من النّار.
وقد ورد في تفسير الآيات الكريمة أنّ أهل الجنّة ومن بُشّر بالفوز يوم القيامة يملأهم الله تعالى نوراً يمشون به بين أيديهم وأيمانهم، وأمّا المنافقون؛ فإنّهم إذا أرادوا أن يقطعوا الصّراط ليلجوا الجنّة فإنّ الله تعالى يسلب عنهم النّور، وأمّا أهل الأعراف فإنّهم لم يُسلب منهم نورهم؛ لذلك قال تعالى فيهم: (لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ)، فكان الطّمع للنّور الّذي في أيديهم، ثمّ أُدخلوا الجنّة، وكانوا آخر أهل الجنّة دخولاً.
أعمال تُثقل الميزان يوم القيامة
إذا كانت نهاية أهل الأعراف دخول الجنّة بإذن الله تعالى ورحمته، فإنّه لا بدّ على المسلم أن ينأى بنفسه عن هذه الحالة الصّعبة يوم القيامة، فيجدّ ويجتهد؛ حتّى لا يضع نفسه في هذا الموقف العصيب، ولقد وردت أحاديث عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- حول بعض الأعمال المخصوصة، والتي من ميزتها وفضلها، أنّها تُثقل الميزان بإذن الله تعالى، فمن الأعمال المثقلة لكفّة الميزان يوم الحساب ما يأتي:
- حسنُ الخلق؛ فإنّ حسن الخُلق من أثقل ما يوضع في ميزان الحسنات يوم القيامة، وإنّه ليس باليسير ولكنّه بالتدريب على الصّبر على النّاس والإحسان إليهم، ولقد قال -صلّى الله عليه وسلّم- في حُسن الخُلق: (ما مِن شيءٍ أثقلٌ في الميزانِ مِن حُسْنِ الخُلُقِ).
- قول "سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم"؛ فقد ورد في فضلها حديثاً خاصّاً عن رسول الله -عليه السّلام- إذ قال: (كلِمتان خفيفتان على اللِّسانِ، ثَقيلتان في الميزانِ، حبيبتان إلى الرَّحمنِ: سبحان اللهِ العظيمِ، سبحان اللهِ وبحمدِه).
- حمد الله تعالى والثّناء عليه؛ حيث ينزل الحمد ثقيلاً في ميزان الله عزّو جلّ، قال صلّى الله عليه وسلّم: (الطُّهُورُ شطرُ الإيمانِ، والحمدُ للهِ تملأُ الميزانَ، وسبحان اللهِ والحمدُ للهِ تملآنِ "أو تملأُ" ما بين السماواتِ والأرضِ).
- قول لا إله إلّا الله؛ فهو لفظ التّوحيد التي يدخل الإنسان بها الإسلام، وهو عظيمٌ في ميزان الله تعالى، وفي الحديث أنّ الرّجل يأتي بتسعة وتسعين سجلّاً يوم القيامة كلّها في ميزان السيئات، فيوقن بالهلاك، فتأتي كلمة "لا إله إلا الله" في بطاقة، فتوضع في ميزان الحسنات، فترجح وترجح حتّى تطيش كفّة السيّئات؛ فينجو صاحبها، ويدخل الجنّة؛ لعظيم فضل التّوحيد .