من هم أصحاب الرسول
من هم أصحاب الرسول
الصحابي لغة واصطلاحا
الصَّحابيُّ في اللُّغة لفظٌ مشتقٌّ من الصُّحبة، أي: اللُّزوم والانقياد، وكلُّ مَن لازم شيئاً فقد صحِبه، ومصدره: صَحِب يَصحَب: أي لزم وانقاد، ومما يدلُّ على هذا قوله -تعالى-: (إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا)، أمّا في الاصطلاح فقد اختلفت عبارة العلماء في تعريف الصَّحابيِّ؛ فقد عرَّفه ابن الصَّلاح بأنّه: من لقي النَّبيَّ -عليه الصَّلاة والسَّلام- مُسلماً ومات على الإسلام، أمّا من ارتدَّ ومات غير مسلمٍ فلا يُعتبر من الصَّحابة، كابن خَطَلٍ وغيره، وذهب إلى هذا التعريف أيضاً الإمام البُخاريُّ ، أمّا الإمام ابن حجر فيرى أنّ لفظ الصحابيِّ يُطلق على من لقي النَّبيَّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- حتى وإن ارتدَّ بعد ذلك ثمّ رجع إلى الإسلام، ويُراد باللِّقاء: وصول أحدهما للآخر وإن لم يُكلِّمه، ورؤيته سواءً بنفسه أو بغيره؛ فيدخل في ذلك الأعمى كابن أُمِّ مكتوم، ويخرج من هذا التعريف من لقي النَّبيَّ -عليه الصَّلاة والسَّلام- ولكنّه كان على غير دين الإسلام، أو كان مؤمناً بغيره من الأنبياء .
صحابة رسول الله
لم يشترط العُلماء البُلوغ عند اللِّقاء، ويدخل في ذلك الصَّحابة الكرام غير البالغين؛ كالحَسن، والحُسين، وابن الزُّبير، وغيرهم، ويخرج من لفظ الصحابيِّ أو الصُّحبة من رأى النَّبيَّ -عليه الصَّلاة والسَّلام- بعد موته وقبل دفنه؛ كأبي ذؤيب الهُذليِّ، بالإضافة إلى من رآه كافراً وأسلم بعد موته؛ كرسول قيصر، وتعدّدت آراء العُلماء فيمن ارتدَّ ثمَّ أسلم؛ حيث يرى الشافعيُّ وأبو حنيفة أن الرِّدة تُسقط الصُّحبة، كقُرَّة بن ميسرة وغيره، ويرى ابنُ حجرَ ببقاء لفظ الصُّحبة له كمن رجع للإسلام في حال حياة النَّبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم-. كما اختلف العُلماء فيمن لقي النَّبيَّ -عليه الصَّلاة والسَّلام- في حال نبوَّته، أو من رآه قبلها ولكنّه مات على الحنيفيّّة، وقال العراقيُّ في هذا: "لم أرَ من تعرَّض لذلك". وذهب جُمهور الأصولييِّن والكثير من العلماء أنّ الصحابيَّ: هو من رأى النَّبيَّ -عليه الصَّلاة والسَّلام-، مُؤمناً به، وصحِبه مُدَّةً من الزَّمن يُطلق عليها لفظ الصُّحبة، سواءً روى عنه أم لم يروِ عنه.
أمّا أهل الحديث فيُطلقون لفظ الصَّحابيِّ على كلِّ من روى عن النَّبيِّ -عليه الصَّلاة والسَّلام- حديثاً أو كلمةً، بل ويزيدون على ذلك أنّ كلَّ من رآه فهو من الصَّحابة، وأمّا الأُصوليُّون فيرون إطلاق لفظ الصُّحبة على من طالت صُحبته، وكثُرت مُجالسته، وتابعه -صلَّى الله عليه وسلَّم- وأخذ عنه، وأمّا سعيد بن المُسيَّب فلا يُطلق لفظ الصَّحابيِّ إلا على من مكث مع النَّبيِّ -عليه الصَّلاة والسَّلام- سنةً أو سنتين، وشارك معه في غزوةٍ أو غزوتين.
كم عدد أصحاب النبي
لا يمكن الجزم بعددٍ معيَّنٍ لصحابة رسول الله الكرام؛ وذلك لتفرُّقهم في القُرى والبُلدان، بالإضافة إلى عدم وجود كتابٍ حافظٍ يجمعهم يُمكن الوقوف عليه لتحديد عددهم، وهذا كما جاء عن كعب بن مالك -رضي الله عنه- في سياق حديثه عن تخلُّفه عن غزوة تبوك ، ورُوي عن أبي زُرعة أنّ رجلاً ذكر له أنّ عدد الأحاديث النَّبويَّة هي أربعة آلافٍ، فأنكر عليه ذلك وقال إنّ النَّبيَّ -عليه الصَّلاة والسَّلام- توفِّي عن مئة ألفٍ وأربعةَ عشرَ ألفاً من الصَّحابة ممَّن روى عنه وسمع منه من أهل المدينة ومكَّة، ومن الأعراب، وممَّن حجَّ معه، ورُوي عن الإمام الشافعيِّ أنَّ النَّبيَّ -عليه الصَّلاة والسَّلام- توفِّي عن ستِّين ألفاً من الصحابة، منهم ثلاثون ألفاً في المدينة، والباقي في قبائل العرب.
ومع كُلِّ ما صُنِّف في الصَّحابة فلم يبلغ مجموع ما في التَّصانيف عشرة آلافٍ، مع أنّ المصنِّفين يذكرون من مات في حياة النَّبيِّ -عليه الصَّلاة والسَّلام- سواءً في غزوةٍ أو في غيرها، بالإضافة إلى ذكر من عاصره مسلماً ولم يره. وجميع ما ذكره ابن مندة في عدد الصحابة فقد بلغ قريباً من ثلاثة آلافٍ وثمان مئة صحابيٍّ، ويرى العُلماء أنّ عدد الصحابة الكرام لا يُمكن حصره بعد انتشار الإسلام .
فضل ومكانة أصحاب النبي
إنّ للصَّحابة الكرام المنزلة العالية في نُفوس المُسلمين؛ لما يتمتَّعون به من الفضائل، وهي كما يأتي:
- مدْح الله -تعالى- ومدْح نبيِّه -صلَّى الله عليه وسلَّم- لهم، وتزكيتهم في كثيرٍ من الآيات والحاديث، منها قوله -تعالى-: (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)، وقول النَّبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم-: (خَيْرُكُمْ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ).
- شهادة الله -تعالى- لهم بالإيمان والهجرة والجهاد، وتضحيتهم بأموالهم وأولادهم لأجل الإسلام، ولإعلاء كلمة الله -تعالى-، كقوله -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ)، ووصْفهم بالرَّحمة فيما بينهم، والشِّدَّة على الأعداء، بالإضافة إلى عدالتهم، وأنّهم أمانٌ للدُّنيا من الحرب والفتن.
- وصف الله -تعالى- لهم بالخيريَّة والاصطفاء، لقوله: (قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى)، ووصفهم كذلك بالإيمان، وبالكرام البررة كما جاء عن وهبٍ بن مُنبّه، ورضا الله -تعالى- عنهم، لقوله: (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً).
- تفضيل نفقتهم وصدقتهم عن غيرهم، قال -صلَّى الله عليه وسلَّم-: (لا تَسُبُّوا أصْحابِي، لا تَسُبُّوا أصْحابِي، فَوالذي نَفْسِي بيَدِهِ لو أنَّ أحَدَكُمْ أنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا، ما أدْرَكَ مُدَّ أحَدِهِمْ، ولا نَصِيفَهُ)؛ والسبب في ذلك أنّها كانت في أوقات الضَّرورة، وعند ضيق حالهم، وأنّها كانت في نُصرة النَّبيِّ -عليه الصَّلاة والسَّلام-.