من هديه صلى الله عليه وسلم مع رحمه
هدي النبي في التعامل مع رحمه
امتازت سيرة رسول الله -عليه الصلاة والسلام- في التعامل مع أهل بيته بحسن وطِيب المَعشر، فقد كان رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- رحيماً بهم، رؤوفاً وعطوفاً عليهم، يحبّهم ويعتني بهم، ويُظهر لهم أعظم المشاعر وأجملها وأجلّها، فيرفع شأنهم ويُكرمهم ولا يذلّهم ويهينهم، ويعطف عليهم ولا يؤذيهم، وينصحهم دون تعنيفٍ وتجريحٍ، وقد جعل رسول الله معاملة الرجل لزوجته وأهل بيته بالحُسنى معياراً من المعايير التي يتفاضل بها الرجل عن غيره، فقال -صلى الله عليه وسلم-: (خيرُكُم خَيرُكُم لأَهْلِهِ وأَنا خيرُكُم لأَهْلي)، وقد روت عائشة -رضي الله عنها- حديثاً تصف فيه رحمة رسول الله في تعامله فقالت: (ما ضَرَبَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ شيئًا قَطُّ بيَدِهِ، وَلَا امْرَأَةً، وَلَا خَادِمًا، إلَّا أَنْ يُجَاهِدَ في سَبيلِ اللهِ).
تعامل النبي مع زوجاته
كان النبيّ -صلى الله عليه وسلم- خير مثالٍ وقدوةٍ في تعامله مع زوجاته، فقد كان يعاملهم بالرحمة والرأفة والحكمة، ويظهر ذلك جليّاً في الكثير من المواقف في سيرته العطرة، ومن ذلك ما يأتي:
- كان النبيّ الكريم سهلاً وليّناً وكريماً في التعامل معهنّ؛ فإن أرادت واحدةٌ منهنّ شيئاً لا محذور فيه فعله لها وكان بجانبها، ومن ذلك ما رواه جابر عن عائشة -رضي الله عنها- في وصفه لحجّة الرسول ، حيث قالت لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (يا رَسولَ اللهِ، إنِّي أَجِدُ في نَفْسِي أَنِّي لَمْ أَطُفْ بالبَيْتِ حتَّى حَجَجْتُ).
- كان النبيّ يسمح لأهله بالاستمتاع والنظر إلى اللّهو المباح؛ ومنه ما ذكرته عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله كان جالساً في يومٍ من الأيام، فإذا بصوت صبيان، فنظر رسول الله فرأى صِبيةً وأطفالاً من الحبشة يلعبون ويصدرون أصواتاً، فقال رسول الله: (يا عائشةُ، تعالَي فانظُري)، فأتت السيّدة عائشة وأسندت رأسها على كتف رسول الله، وجَعلت تنظر إليهم، ورسول الله يقول لها: (أما شبعتِ)؟ فتردّ عائشة بالنّفي في كلّ مرةٍ، وقصدها بذلك أنها تريد أن ترى مكانتها عند رسول الله، فذلك ما كان يتّصف به رسول الله من حسن العشرة، والصبر على ما تريده زوجاته.
- كان -عليه الصلاة والسلام- يسمح لزوجاته بسماع الغناء المباح في العيد ؛ فقد روت عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله جاء وعندها جاريتان تغنّيان، فاضطجع على الفراش وحوّل وجهه إلى النّاحية الأخرى، فدخل أبو بكر ونهَر عائشة؛ لِما تقرّر عنده من كون الغناء واللّهو ممنوع، فأمره نبيّ الله أن يَدَعَهم ويتركهم؛ فقد كان يوم عيدٍ وسرورٍ، ولِكون ذلك من اللّهو المُباح، وفي ذلك توسعةٌ من رسول الله على زوجاته وعياله للترويح عن أنفسهم، كما كان يرفقُ بهم ويُبسِطهم.
- كان النبيّ الكريم يُسابق سيّدتنا عائشة في الجرْي، ومن ذلك أنّ عائشة أم المؤمنين خرجت معه في سفرٍ، فطلب منها أن ينافسها بالسّباق، وكانت عائشة حينئذٍ نحيلة؛ أي نحيفة، فتسابقت معه، فسَبَقتْه، ثمّ سافرت معه في مرةٍ أخرى، وقد سمِنت وزاد وزنها، فطلب منها أن يُسابقها، فتسابقوا وسَبقها، فضحك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقال لها: (هذه بتلكِ السَّبقةِ)، أي أنّه سبقها -صلى الله عليه وسلم- كما سبَقَتْه في المرّة الأولى.
- كانّ النبيّ يُرافق زوجاته في سفره، ويتحدّث معهنّ، ويقوم بتسليتهنّ، وكان حين يريد أن يخرج في سفرٍ له؛ أدخل أسماء زوجاته في قُرعةٍ، وفي مرّةٍ خرج اسم حفصة وعائشة، فأخذهما معه، وكان -عليه السلام- إذا حلّ اللّيل ذهب إلى عائشة ليسير معها ويتبادلا أطراف الحديث، فطلبت حفصة من عائشة أن تُبادلها البعير، فتركب كل واحدةٍ منهما على بعير الأخرى، فوافقت عائشة، وفي ذلك اليوم ذهب رسول الله إلى بعير عائشة فوجد عليه حفصة، فبقي معها يتحدّث إليها، وغارت السيّدة عائشة -رضي الله عنها-.
- كان رسول الله يوصي سائق الدّابّة أن يخفّف من السرعة أثناء قيادته؛ ذلك أن الدّابة حين تسمع صوت أقدامها فإنها تُسرع في السّير، فيخشى على المرأة من السقوط، فقد قال أنس بن مالك -رضي الله عنه-: (كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ في بَعْضِ أَسْفَارِهِ، وَغُلَامٌ أَسْوَدُ يُقَالُ له: أَنْجَشَةُ يَحْدُو، فَقالَ له رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: يا أَنْجَشَةُ، رُوَيْدَكَ سَوْقًا بالقَوَارِيرِ).
- كان يمزح مع نسائه، ويسمح لهنّ بالمزاح فيما بينهنّ، ومن ذلك ما روته عائشة -رضي الله عنها- أنّ رسول الله كان عندها يوماً، فأتت أم المؤمنين سوْدة، وجلس رسول الله بينهنّ، فقامت عائشة وصَعنت حساء الدقيق واللّحم والماء، وأمرت سوْدة بأكله وإلا وضعته على وجهها، فأبت أكله، فأخذت من الطعام شيئاً قليلاً ورمت به وجه سوْدة، فضحك رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأمر سودة أن تفعل بعائشة كما فعلت بها، ففعلت سودة، فضحك رسول الله -صلى الله عليه وسم-، وإذ بعمر يريد أن يدخل عليهم، فقال لهما رسول الله أن يقوما فيغسلا وجهيْهما تحسّباً لدخول عمر، وهذا يدلّنا على عدل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتّى في المزاح، وفكاهته مع زوجاته، وملاطفته إيّاهنّ.
- كان رسول الله يستمع لما ترويه إليه زوجاته من الطرائف؛ فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: (قُلتُ يا رَسولَ اللَّهِ، أرَأَيْتَ لو نَزَلْتَ وادِيًا وفيهِ شَجَرَةٌ قدْ أُكِلَ منها، ووَجَدْتَ شَجَرًا لَمْ يُؤْكَلْ منها، في أيِّهَا كُنْتَ تُرْتِعُ بَعِيرَكَ؟ قالَ: في الذي لَمْ يُرْتَعْ منها)، وقد كان قصد عائشة من سؤالها أنها الوحيدة من زوجاته التي تزوّجها بِكراً.
- كان -عليه الصلاة والسلام- يحرص على تعليم زوجاته، ليجعل منهنّ قدوةً لنساء المؤمنين ، ولأنّه مسؤولٌ عنهنّ كما قال: (إنَّ اللهَ سائلٌ كلَّ راعٍ عما استرعاه، حفِظَ أم ضَيَّعَ، حتى يُسأَلَ الرجلُ على أهلِ بيتِه)، كما كان يعلّمهنّ أداء العبادات؛ الفروض والنوافل، وقد روت أم المؤمنين أم سلمة -رضي الله عنها-: (اسْتَيْقَظَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لَيْلَةً فَزِعًا، يقولُ: سُبْحَانَ اللَّهِ، مَاذَا أنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الخَزَائِنِ، ومَاذَا أُنْزِلَ مِنَ الفِتَنِ، مَن يُوقِظُ صَوَاحِبَ الحُجُرَاتِ - يُرِيدُ أزْوَاجَهُ لِكَيْ يُصَلِّينَ - رُبَّ كَاسِيَةٍ في الدُّنْيَا عَارِيَةٍ في الآخِرَةِ)، فبعد ذلك أمر زوجاته بالقيام للصلاة، كما كان إذا دخلت العشر الأواخر من رمضان اجتهد بالعبادة، وأيْقظ أهله للصلاة والدعاء، ويحرص رسولنا الكريم على تربيتهنّ على الإخلاص فيما يقُمْن به من العبادة.
- كان نبيّ الله يعلّم زوجاته الاستعاذة من كل شرّ، ويحثّهنّ على الإكثار من ذكر الله -تعالى-، مثل أذكار الصباح والمساء ، وقد خرج من عند جويرية في يومٍ بعد صلاة الصبح، وعاد إليها بعد الضحى، فقال لها: (ما زِلْتِ علَى الحَالِ الَّتي فَارَقْتُكِ عَلَيْهَا؟ قالَتْ: نَعَمْ، قالَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: لقَدْ قُلتُ بَعْدَكِ أَرْبَعَ كَلِمَاتٍ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، لو وُزِنَتْ بما قُلْتِ مُنْذُ اليَومِ لَوَزَنَتْهُنَّ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، عَدَدَ خَلْقِهِ وَرِضَا نَفْسِهِ وَزِنَةَ عَرْشِهِ وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ)، فقد علّمها من الأذكار ما فيه الأجر الكبير لها مع التيسير عليها.
تعامل النبي مع أبنائه وبناته
حرص رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يكون أكثر الناس رعايةً لأهله، وإعالةً لهم، وصلةً بهم، وقد وُلِدَ له أربع بناتٍ وثلاثة أولاد، فكان يختار لهم أفضل الأسماء وأحسنها، وشاء الله -سبحانه- أن يموت أبناؤه الذكور في الصِّغر، وكان يفرح بولادة البنات، ويُظهر السرور على ذلك، ويشكر الله على هذه النّعمة الطيّبة، وربّاهنّ أحسن تربية، وأدّبهنّ أحسن تأديب، وزوّجهنّ أحسن الرّجال، وكان يستشيرهنّ في ذلك، ولا يُغالي في مهورهنّ، فقد زوّج ابنته فاطمة بعليّ بن أبي طالب -رضي الله عنهما-، وجعل مهرها درعاً يدفعه علياً إليها تيسيراً عليهما، وكان حين تأتي إليه إحدى بناته يُكرمها ويستقبلها خير استقبال، فقد روت أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- وهي تصف فاطمة إذا جاءت للرسول، فقالت: (وكانَتْ إذا دخلَتْ على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قام إليها فقبَّلها وأجلَسها في مجلِسِه، وكان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا دخَل عليها قامَتْ مِن مجلِسِها فقبَّلَتْه وأجلَسَتْه في مجلِسِها).
وكان رسول الله يحثّ فاطمة ويأمرها بتحمّل مسؤولية نفسها، ويخبرها أنها محاسبةٌ عن نفسها أمام الله، وأنّه لا يستطيع أن ينقذها من الحساب، فكان يقول: (يا فاطِمَةُ، أنْقِذِي نَفْسَكِ مِنَ النَّارِ، فإنِّي لا أمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللهِ شيئًا)، كما كان يدعوها ويحثّها على قيام الليل ، فقد ثبت عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أنه قال: (أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ طَرَقَهُ وفَاطِمَةَ بنْتَ النبيِّ عليه السَّلَامُ لَيْلَةً، فَقالَ: أَلَا تُصَلِّيَانِ؟ فَقُلتُ: يا رَسولَ اللَّهِ، أَنْفُسُنَا بيَدِ اللَّهِ، فَإِذَا شَاءَ أَنْ يَبْعَثَنَا بَعَثَنَا، فَانْصَرَفَ حِينَ قُلْنَا ذلكَ ولَمْ يَرْجِعْ إلَيَّ شيئًا)، وكان -عليه الصلاة والسلام- يتفهّم ما يُصيب بناته من الحزن والغضب، ويغضب لهنّ، ففي يومٍ من الأيام خطب عليّ بنت أبي جهل، وكانت فاطمة بنت رسول الله على ذمّته، فلمّا عرفت فاطمة جاءت لأبيها تقول أن الناس يتحدّثون فيما بينهم أنّ رسول الله لا يغضب لبناته، فتشهّد رسول الله وقام إلى عليّ وقال له: (أمَّا بَعْدُ أنْكَحْتُ أبا العاصِ بنَ الرَّبِيعِ، فَحدَّثَني وصَدَقَنِي، وإنَّ فاطِمَةَ بَضْعَةٌ مِنِّي وإنِّي أكْرَهُ أنْ يَسُوءَها، واللَّهِ لا تَجْتَمِعُ بنْتُ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وبِنْتُ عَدُوِّ اللَّهِ، عِنْدَ رَجُلٍ واحِدٍ)، فتراجع عليّ عن فِعله.
ويحرص النبيّ -عليه السلام- على إدخال الفرح إلى قلوبهنّ حتى في وقت الشدّة، فقد جاءت يوماً فاطمة إلى النبي، فرحّب بها وأجلسها بجانبه، وجعل يحدّثها كلاماً بينها وبينه؛ فبكت فاطمة -رضي الله عنها-، وسألتها عائشة عمّا يبكيها، فلم تجب، ثم عاد فتحدّث إليها، فضحكت فاطمة -رضي الله عنها-، وبعد وفاة رسول الله قالت إنه أخبرها بدنوّ أجله، فبكت، ثم أخبرها أنّها ستكون من نساء الجنّة ، وأنّها أوّل من سيتبعه من أهل بيته، فضحكت، وكان نبيّ الله يقف مع بناته في المصائب والشدائد، ويخفّف عنهنّ، فقد بعثت إليه إحدى بناته يوماً أنّ ابناً لها قد تُوفّي، فقال: (إنّ لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكلٌ عنده بأجل مسمى، فلتصبر ولتحتسب)، فبعثت إليه مرةً أخرى ليذهب إليها، فقام ومعه سعد بن عبادة، ومعاذ بن جبل ، وأبيّ بن كعب، وزيد بن ثابت؛ وصحابة غيرهم، فلمّا أحضروا المتوفّى؛ بكى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال سعد -رضي الله عنه-: (يا رَسولَ اللَّهِ، ما هذا؟ فَقالَ: هذِه رَحْمَةٌ جَعَلَهَا اللَّهُ في قُلُوبِ عِبَادِهِ، وإنَّما يَرْحَمُ اللَّهُ مِن عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ).
تعامل النبي مع أحفاده
كان تعامل رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- مع أحفاده ومع الأطفال الصّغار في المسجد بمنحىً آخر يختلف عمّا يتعامل به الكثير من الناس في وقتنا الحاضر، وفيما يأتي ذكر بعضٍ من هذه المواقف:
- كان الحسن والحسين -رضي الله عنهما- يصعدان على ظهر رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- في صلاته وهو ساجدٌ، فإن قام أحدٌ يريد منعهما أشار إليه رسول الله أن يتركهما، فإذا فرغ من صلاته أخذهما إلى حضنه.
- كان يحمل أُمامة بنت العاص ابنة بنته زينب في صلاته، وحين يركع يضعها على الأرض، ثم إذا رفع أخذها مرةً أخرى.
- قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (إنِّي لَأَدْخُلُ في الصَّلَاةِ وأَنَا أُرِيدُ إطَالَتَهَا، فأسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ، فأتَجَوَّزُ في صَلَاتي ممَّا أَعْلَمُ مِن شِدَّةِ وجْدِ أُمِّهِ مِن بُكَائِهِ).
توصية النبي بالإخوة والأخوات
جعل الإسلام حقوقاً عظيمةً للأخوات، كما جعل حقوقاً لغيرها من الأرحام ، ومن هذه الحقوق ما يأتي:
- مساعدتها والإنفاق عليها؛ فقد قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (مَن عالَ ابنتينِ أو ثلاثًا، أو أختينِ أو ثلاثًا حتَّى يَبِنَّ، أو يَموتَ عنهنَّ؛ كنتُ أنا وهوَ في الجنَّةِ كَهاتينِ، وأشار بأُصْبُعيهِ السبَّابةَ والتي تلِيهَا).
- حمايتها والوقوف إلى جانبها، والدفاع عن حقوقها، فينبغي على الأخ أن يحافظ على حقوق أخته إن أراد زوجها أن يظلمها، كما عليه أن يكرمها في بيته إن وقع خلافاً مع زوجها وطلّقها، ولا يجبرها على العودة إلى زوجها إلا برضاها، كما لا يمنعها من العودة إن أرادت، ويقدّم لها النصيحة التي تعينها، فقد جاء في صحيح البخاري عن معقل بن يسار أنّه زوّج أختاً له، فعادت إليه مطلّقة، وبعد أن انقضت عدتّها جاء الرجل ليخطبها، وكان رجلاً لا بأس به، وقد كانت راضيةً بالعودة إليه، فرفض أخوها ذلك، فأنزل الله قوله -تعالى-: (فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ)، فلما نزلت الآية وافق أخوها وأعادها له زوجةً.
- التضحية من أجلهنّ؛ حتى لو كان ذلك على حساب رغبة الأخ، ويتمثّل ذلك في حياة الصحابيّ الجليل جابر بن عبد الله -رضي الله عنه-، فقد استُشهد أبيه في غزوة أحد ، وكان له تسع أخوات، فيقول: (قالَ لي رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ هلْ نَكَحْتَ يا جَابِرُ؟ قُلتُ: نَعَمْ، قالَ: مَاذَا أبِكْرًا أمْ ثَيِّبًا؟ قُلتُ: لا بَلْ ثَيِّبًا، قالَ فَهَلَّا جَارِيَةً تُلَاعِبُكَ قُلتُ: يا رَسولَ اللَّهِ إنَّ أبِي قُتِلَ يَومَ أُحُدٍ، وتَرَكَ تِسْعَ بَنَاتٍ، كُنَّ لي تِسْعَ أخَوَاتٍ، فَكَرِهْتُ أنْ أجْمع إلَيْهِنَّ جَارِيَةً خَرْقَاءَ مِثْلَهُنَّ، ولَكِنِ امْرَأَةً تَمْشُطُهُنَّ وتَقُومُ عليهنَّ، قالَ: أصَبْتَ).
- صلة الأخت وزيارتها في بيتها، وعدم الاقتصار على التحدّث معها بالهاتف فقط، فيذهب أخيها إليها، ويطمئن عليها، وإن جاءت إليه يكرمها ولا يسيء لها، ويحرص على عدم أكل حقوقها وأموالها، قال الله -تعالى-: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ).
- المحافظة على حقّ الأخت في الميراث، وقد وردت النصوص الشرعيةّ الدالة على ذلك في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، ومن ذلك ما ثبت عن جابر -رضي الله عنه- أنه قال: (مَرِضْتُ فأتاني رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ يعودُني فوجدَني قد أُغْميَ عليَّ، فأتى ومعَهُ أبو بكرٍ وَهُما ماشيانِ، فتَوضَّأ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ فصبَّ عليَّ من وَضوئِهِ فأفَقتُ، فقلتُ: يا رسولَ اللَّهِ، كيفَ أقضي في مالي أو كيفَ أصنَعُ في مالي؟ فلم يُجِبني شيئًا، وَكانَ لَه تسعُ أخواتٍ، حتَّى نزلَت آيةُ الميراثِ (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ))، وقد حذّر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من حرمان الأخوات من الميراث ، وبيّن سوء المصير والعذاب في النار لمن يفعل ذلك.
من هم الأرحام
يُقصد بالأرحام الأقرباء بالنّسب؛ سواءً من جهة الأبّ أو الأمّ، وقد ذُكِروا في قول الله -تعالى-: (وَأُولُو الأَرحامِ بَعضُهُم أَولى بِبَعضٍ في كِتابِ اللَّـهِ)، وهم الآباء، والأمّهات، والأولاد وأولادهم وما نَزَل، والإخوة والأخوات وأبنائهم، والأعمام والعمّات وأبنائهم، والأخوال والخالات وأبنائهم، وقد سُئل رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (يا رسولَ اللهِ من أبَرُّ؟ قال: أمَّك قال: قلتُ: ثمَّ من؟ قال أمَّك قال: قلت: ثمَّ من؟ قال: أمَّك قال: قلتُ: ثمَّ من؟ قال ثمَّ أباكَ، ثمَّ الأقربَ فالأقربَ)، وحثّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- على صلة الرّحم فقال: (مَن سَرَّهُ أنْ يُبْسَطَ له في رِزْقِهِ، أوْ يُنْسَأَ له في أثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ)، وقال -عليه الصلاة والسلام-: (إنَّ اللَّهَ خَلَقَ الخَلْقَ، حتَّى إذا فَرَغَ مِن خَلْقِهِ، قالتِ الرَّحِمُ: هذا مَقامُ العائِذِ بكَ مِنَ القَطِيعَةِ، قالَ: نَعَمْ، أما تَرْضَيْنَ أنْ أصِلَ مَن وصَلَكِ، وأَقْطَعَ مَن قَطَعَكِ؟ قالَتْ: بَلَى يا رَبِّ، قالَ: فَهو لَكِ)، ويظهر من هذه الأحاديث النبويّة الشريفة وجوب صلة الرحم، وأهميّة الاعتناء بهم، والإحسان إليهم.