من بنى المسجد الأقصى
المَسجِد الأقْصَى
المَسجِد الأَقصى المُبارَك هو اسمٌ يُطلَقُ على كامِلِ المِساحةِ المُسوَّرةِ الحاويةِ للمَسجِدِ القِبليّ أو مسجدَ قُبّة الصَّخرة والأورِقة والسَّاحاتُ وغيرُها والواقِعَةِ في الزَّاوية الجَنوبيَّة الشَّرقيَّة مِن مَدينَة القُدس القََديمَة المُسوَّرَة -البَلدة القَديمة- بِمساحةٍ تَبلُغ مائةً وأربعاً وأربعين دونماً، أي ما يُعادِلُ نَحو سُدس مساحَة البَلدة القديمة، وتَبلُغ أطوال أَسوارِه: 491م مِن الغَرب، و462م مِن الشَّرق، و310م مِن الشَّمال، و281م مِن الجَنوب، ما يُعطي هذهِ الأسوارَ شكلاً مُضلَّعاً.
من بَنى المَسجِدَ الأقْصَى
(عَن أبي ذرٍّ الغَفاريّ قال: قلتُ: يا رَسولَ اللهِ، أيُّ مسجدٍ وُضِعَ في الأرضِ أوَّلُ ؟ قال: المسجدُ الحرامُ. قلتُ: ثم أيُّ ؟ قال: المسجدُ الأقصى. قُلتُ: كم بينَهما؟ قال أربعون سنةً. وأينَما أدركَتْكَ الصَّلاةُ فَصَلِّ فَهو مَسجدٌ. وفي حديثِ أَبي كاملٍ: ثمَّ حَيثُما أَدركَتْك الصَّلاةُ فَصَلِّه فإنَّه مَسجدٌ). ذَهَبَ بعضُ المحدِّثون وأصحابُ اللُّغةِ إلى تَفسيرِ أَسبقيَّةِ بناءِ المسجِدِ الحرامِ قَبلَ المسجِدِ الأقصى مُستشهِدينَ بمَا وَرَدَ في مَتنِ الحديث، ثمَّ أرجَعوا فِعلَ البِناءِ إلى نبيِّ الله إبراهيمَ عليهِ السَّلام استشهاداً بقول الله تعالى: (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ القَوَاعِدَ مِنَ البَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ العَلِيمُ)، ثمَّ أرجَعَ بعضُهم بناءَ المَسجِدِ الأقصى لنبيِّ الله سُليمانَ مُستَشهِدينَ بما يرويه عبد الله بن عَمرو- رضِيَ الله عنه- (عنِ النَّبيِّ صلَّ الله عليهِ وسلَّم قال: لمَّا فَرغَ سُليمانُ بنُ داودَ مِن بِناءِ بَيتِ المَقدِس سَأَل اللهَ ثلاثاً، حُكماً يُصادُف حُكمهُ ومُلكاً لا يَنبِغي لأَحدٍ مِن بَعده وألَّا يأتيَ هذا المَسجد أحدٌ لا يُريد إلاَّ الصَّلاة فيهِ إلَّا خَرجَ من ذُنوبِه كَيومِ وَلدتهُ أمُّه، فَقال النَّبي عليه الصّلاة والسّلام: أمَّا اثنتَانِ فقَد أُعطيهِما وأَرجو أن يَكونَ قَد أُعطيَ الثَّالثة) ، وَبالعَودة إلى روايةِ أبي ذرٍّ (قُلتُ: كم بينَهما؟ قال أربعون سنةً). يقولُ الإمامُ القُرطبيّ في الجامعِ لأحكامِ القرآنِ أنَّ ابن الجوزيّ ذَكَر أنَّ فيها إشكالًا؛ حيثُ بينَ نبيِّ الله إبراهيمَ الذي بنى الكَعبةَ ونبيَّ الله سُليمانَ الذي بَنى المَسجِدَ الأقصى ما يَزيدُ على أَلفِ عامٍ، ويَحلُّ ابن الجَوزيّ هذهِ المَسألة بقولِهِ أنَّ أوَّلَ البِناءِ بوضعِ القواعِدِ وحدِّ الحُدودِ، وليسَ إبراهيمُ من بنى الكَعبةَ ولا سُليمانَ من بَنى المسجِدَ الأقصى. إنَّما بنى الكَعبَةَ آدَمُ عليهِ السَّلام ثمَّ بناها إبراهيمُ تجديداً، وبَنى آدمُ أو بَعضُ أبنائِهِ المَسجِد الأقصى ثمَّ بناهُ سُليمانُ تجديداً.
وأَورَدَ ابن حجر في الفَتح - كِتابُ أحاديثُ الأنبِياء: (إنَّ أوَّلَ مَن أسَّسَ المَسجد الأقصى آدم عليهِ السَّلام، وقِيل المَلائِكة، وقِيل سامُ بن نوح عليهِ السَّلام، وقيل يَعقوبُ عليه السَّلام، وقال كذلك: وقد وَجَدتُ ما يَشهَدُ ويُؤيدُ قولَ مَن قال: إن آدمَ عليه السَّلام هو الذي أسَّسَ كِلا المَسجِدين، فَذكَرَ ابنُ هِشام في كِتابِ التِّيجان أن آدم لمَّا بَنى الكَعبةَ أمَرهُ الله بالسَّيْر إلى بيتِ المَقدِس، وأن يَبنيَه، فَبَناه ونَسَكَ فيه).
مَكانَةُ المَسجِدِ الأقصى ورَمزيَّته
يُعتبَرُ المَسجِدُ الأَقصى المُبارَكُ مَعلماً دينيّاً وتاريخيّاً ومِن أهمِّ المُقدَّساتِ في تاريخِ المسلمين، وتَرتَبِطُ قُدسيَّتُه بحوادِثَ دينيَّةٍ وعَقديَّةٍ تَرتبِطُ بإيمانيَّاتِ المُسلمينَ وروحانيَّتهم أكثَر من مُجرَّد ارتباطِهم بالمكان الجغرافيِّ المُتمثِّلِ بأرضِ فِلسطينَ ذات الحضاراتِ الدينيَّة المُتواترةِ والمُتمثِّلةِ بزياراتِ الأنبياءِ أو إقامتهم وبَعثِهم. وقَد كانَ المَسجِدُ الأقصى قِبلَةَ جَميعِ أنْبياءِ الله، كَما كان قِبلَة المُسلِمين الأولى، وحَولهُ تَدورُ حادِثةُ الإسراءِ المُعجِزةِ التي شرَّف الله بها نبيَّهُ محمَّدَ عليه الصّلاة والسّلام مِن مكَّةَ إلى المَسجِدِ الأقصى ثمَّ إلى السَّماءِ السابعةِ في مُعجِزةٍ أُخرى سُمِّيت المِعراج ، وحولَهُ حَلَّت بَركةُ الله الباقِيةِ حتَّى خلَّدها الله في كتابِهِ العظيم.. قالَ تعالى: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ).
من فَضائِل المسجِدِ الأقصى
للمسجِدِ الأقصى المُبارَكُ مَكانةٌ رَفيعَةٌ وفَضائِل عظيمةٍ شَرَّفهُ اللهُ بها مُنذُ نشأتهِ الأولى، إذ كانَ بناؤُهُ بأمرٍ ربَّانيٍّ سواءً كانَ الباني ملائكةُ الرَّحمَة أو آدمُ عليهِ السَّلامُ، ويَزيدُهُ تَشريفًا إسراءُ الرَّسولِ مُحمّد عليه الصّلاة والسّلام ثمَّ مِعراجُهُ مِنهُ إلى السَّماواتِ العُلى، وبِكونِهِ أوَّلُ قِبلةٍ استقبَلَها الأنبياءُ في صَلواتِهم وثاني بِناءٍ أقيمَ على الأرضِ. وبهِ أقامَ النبيُّ سُليمانَ ودعا ربَّه بغفرانِ المُصلِّينَ فيهِ. وحَولَهُ باركَ الله الأرضَ لِشرفهِ ومَكانتِهِ، وفضَّلَ الصَّلاةَ فيهِ على المساجِدِ سواهُ فيما عَدى المَسجدَ الحَرامَ في مكَّةَ والمسجِدَ النَّبويَّ في المدينةِ المُنوَّرة، ومِصداقُهُ قولُ الرَّسولِ عليه الصّلاة والسّلام: (فضلُ الصَّلاةِ في المسجدِ الحرامِ على غَيرِهِ مائةُ ألفِ صلاةٍ، وفي مَسجدي ألفُ صلاةٍ وفي مسجدِ بيتِ المقدسِ خمسمائةِ صلاةٍ)..