من الذي علم الإنسان الدفن
الغراب علّم الإنسان الدّفن
لمَّا قَتَلَ قابيل أخاه هابيل -حيث كان هابيل هو أوَّل قتيلٍ من البشر على الأرض-؛ لم يدرِ قابيل ما يفعله بجثَّة أخيه، فبعث الله -عزَّ وجل- غرابين أمامه فاقتتلا فقتل أحدهما الآخر، ثمَّ قام الغراب بحفر حفرةٍ في التُّراب ودَفَن الغراب المقتول فيها، فقال ابن آدم الذي قتل أخاه كما ورد في القرآن الكريم في قوله -تعالى-: (يَا وَيْلَتَى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَـذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ)، ففعل مثلما فعل الغراب ودفن أخاه، ثمَّ صار الدَّفن بعد ذلك سُنَّةً في بني آدم.
قصة قتل هابيل
القصة الثابتة في القرآن الكريم
الوارد في القرآن الكريم أنّ كلٍّ من قابيل وهابيل قدّما صدقة للتقرّب من الله، فتقبّلها الله من هابيل لصدقه وحسن نيّته، ولم يتقبّلها من قابيل لسوء نيّته، فغضب قابيل وقابل أخاه بالحسد، وقال له إنّه سيقتله، فوعظه هابيل وقال له: (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّـهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ)، وأرشده ونَصَحه عن سوء عاقبة ذلك، لكنّ قابيل لم يتّعظ بقول أخيه وقتله، والآيات التي تحدّثت عن قصة قتل هابيل هي في قوله -تعالى-: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّـهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ* لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّـهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ* إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ* فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ).
ودلّ الله -عزَّ وجل- قابيل ليدفن أخاه هابيل، وقد ورد ذلك في قول الله -تعالى-: (فَبَعَثَ اللَّـهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَـذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ)، وقد كان الدَّافع الأساسي الذي دفع قبيل لقتل أخيه هو الحسد ، ذلك أنّ الله -تعالى- تقبَّل من أخيه ولم يتقبَّل منه.
قصّة مشهورة لم تثبت في النصوص الشرعية
ويجدر بالذّكر أنّ المفسّرين أوردوا في كتبهم قصصاً مشهورة لذلك، لكنْ لم يرد عليها دليل في النصوص الشرعية، وهي أنّ الله -تعالى- أنزل آدم وزوجته من الجنَّة ، وكان من حِكمة الله -تبارك وتعالى- في ذلك بدء عمارة الأرض وتكاثر النسل البشريِّ، وحتى يعيش النَّاس وفق شرع الله -تعالى- متجنّبين وساوس الشَّيطان، ولتتحقَّق هذه الغاية أجاز الله -تعالى- لآدم أن يُزوّج أبنائه لبناته، فقد كانت زوجته حواء في كلِّ مرَّةٍ تحمل فيها تُنجنب ذكراً وأنثى، فكان يُزَوِّج الذكر المولود للأُنثى المولودة في الحمل الذي يليه، فأراد هابيل أن يتزوَّج أخت قابيل وكان اسمها وضيئة وكانت أجمل من توأمته.
ولكنَّ قابيل رفض وأراد أن يخالف أمر الله -تعالى- ويتزوّج هو بها، فأمره آدم أن يزوِّجه أخته وطلب من كلٍّ منهما أن يأتي بقربانٍ يقدِّمانه لله -تعالى-، وأيُّهما يتقبَّل الله -تعالى- قربانه فسيزوِّجه الفتاة التي يريدها، فقرَّب كلّ من هابيل وقابيل قرباناً لله، فقدمت نار حتى أكلت قربان قابيل وتركت قربان هابيل، فغضب قابيل وتوعَّد أخيه بالقتل، وأضمر له ذلك بحجَّة أنَّ أبيه دعا لأخيه أن يتقبَّل الله -تعالى- منه ولم يدعو له، وفي أحد الأيام تأخّر هابيل في الرعي، فأرسل إليه آدم أخاه لينظر في أمره، فلمَّا وصل إليه قال قابيل: تقبّل منك ولم يتقبّل مني، فردَّ هابيل: (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّـهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ)، فغضب قابيل وكانت بيده حديدة، فضرب رأس هابيل بها فوقع قتيلاً.
أهمية الدَّفن
روى أبو هريرة -رضي الله عنه- عن سيدنا محمد -صلّى الله عليه وسلم- قال: (مَنِ اتَّبَعَ جَنَازَةَ مُسْلِمٍ، إيمَانًا واحْتِسَابًا، وكانَ معهُ حتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا ويَفْرُغَ مِن دَفْنِهَا، فإنَّه يَرْجِعُ مِنَ الأجْرِ بقِيرَاطَيْنِ، كُلُّ قِيرَاطٍ مِثْلُ أُحُدٍ)، فترْك الجُثّة بدون دفنها هو هتكٌ لحرمتها وسببٌ للأذى، فالدفن سنّة من سنن البشرية منذ عهد آدم -عليه السّلام-، وقال الله -عزَّ وجل- في كتابه: (ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ)؛ أي أكرمه وجعل له قبراً يُدفن فيه، حمايةً له من أن يبقى على الأرض فتأكله الحيوانات، وقد جعله الإسلام فرض كفايةٍ إذا قام به البعض سقط عن البقيَّة، وتَرْكه محرَّماً، وذلك أنَّ الميِّت إن تُرك على الأرض تُنتهك حرمته، وتضرُّ رائحة جيفته بالنَّاس، ثمَّ إنَّ الله -تعالى- قال: (مِنها خَلَقناكُم وَفيها نُعيدُكُم وَمِنها نُخرِجُكُم تارَةً أُخرى)، ومن إكرام الميِّت دفنه بجانب الصَّالحين.