من الذي صنع العجل لبني اسرائيل
السامري: صانع العجل لبني إسرائيل
بعد أن ذهب موسى -عليه السلام- للقاء الله -تعالى- في الموعد الذي حدّده له، جاء رجُل إليهم يُسمّى السامري ، وفتنهم عن دينهم، وكان هذا الرجل قد خرج مع بني إسرائيل من مصر وهو ليس منهم، وكان قومه يعبدون البقر، ففتن بني إسرائيل عن عبادة الله -تعالى-، وزيّن لهم عبادة العجل.
إذ قام وصنع لهم تمثالاً على صورة عِجل من الذهب، والحُلي التي طلبها منهم، والتي أخرجوها معهم من مصر، وكان هذا العجل يُصدر صوتاً كالخُوار إذا دخلت فيه الريح ووصلت إلى جوفه، فارتدّ بنو إسرئيل عن دينهم وبدأوا بعبادة العجل الذي صنعه لهم السامريّ.
قصة صنع العجل وعبادته
قام السامريّ وكان اسمه ميخا، وقيل: موسى بن ظَفَر، وسُمّي السامريّ نسبةً إلى قبيلة من بني إسرائيل تُسمّى سامرة، وكان يعمل بمهنة الصِّياغة، وسكن بين قومٍ يعبدون العِجل، ولمّا نَجا مع بني إسرائيل من فرعون وقومه، وأتوْا على قومٍ يعبدون الأصنام.
طلب من موسى -عليه السلام- أن يجعل لهم آلهة مثلهم، لقوله -تعالى-: (وَجاوَزنا بِبَني إِسرائيلَ البَحرَ فَأَتَوا عَلى قَومٍ يَعكُفونَ عَلى أَصنامٍ لَهُم قالوا يا موسَى اجعَل لَنا إِلـهًا كَما لَهُم آلِهَةٌ قالَ إِنَّكُم قَومٌ تَجهَلونَ).
وتذكّر السامريّ أنّ جبريل -عليه السلام - كان في مُقدمة جُنود فرعون وأدخلهم البحر، وكان راكباً على فرس، فرأى السامريّ طرف حافره، فقام بقبض من أثره وجعلها معه في صُرّة، وطلب الذهب والحُلي من بني إسرائيل، وأذابها، وألقى بالتُراب الذي حمله معه على الذهب المُذاب، وصنع لهم العجل، وطلب منهم أن يعبدوه، فكان سبباً في فتنتهم.
ردة فعل سيدنا موسى لعبادة بني إسرائيل العجل
لمّا رجع موسى -عليه السلام- من لقاء ربه، فوجد قومه يعبدون العجل، فغضب غضباً شديداً، ووبّخهم واستهجن ما فعلوه في غيابه، وعاتب أخاه هارون -عليه السلام- بسبب سُكوته على ما فعله بنو إسرائيل بعبادتهم للعجل، ثُمّ هدد السامريّ بالعذاب في الدُنيا والآخرة، وقام بإلقاء العجل ورميه في البحر، وأمر قومه بعبادة الله -تعالى- وحده لا شريك له.
وذكر الله -تعالى- ذلك في عددٍ من الآيات، ومنها قوله: (قالَ فَإِنّا قَد فَتَنّا قَومَكَ مِن بَعدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السّامِرِيُّ* فَرَجَعَ موسى إِلى قَومِهِ غَضبانَ أَسِفًا قالَ يا قَومِ أَلَم يَعِدكُم رَبُّكُم وَعدًا حَسَنًا أَفَطالَ عَلَيكُمُ العَهدُ أَم أَرَدتُم أَن يَحِلَّ عَلَيكُم غَضَبٌ مِن رَبِّكُم فَأَخلَفتُم مَوعِدي)، ثُمّ ذكر الله -تعالى- وعظ هارون -عليه السلام- لهم، ولكنهم أصرّوا على عبادة العجل حتى يرجع إليهم أخيه موسى -عليه السلام-.
وبعد أن قام موسى -عليه السلام- بحرق العجل ورميه في البحر، قال لقومه: أن هذا ليس بإلهكم، وأنّ الله -تعالى- هو إله الحق الذي تجب العبادة له وحده، فهو العالم بكُل شيء، وأحصى كُل شيءٍ عدداً، ولا يغيب عنه مثقال ذرةٍ في السماوات ولا في الأرض، وذكر الله -تعالى- ذلك بقوله: (إِنَّما إِلـهُكُمُ اللَّـهُ الَّذي لا إِلـهَ إِلّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيءٍ عِلمًا).
توبة بني إسرائيل من عبادة العجل
بعد أن اعترف بنو إسرائيل بأخطائهم، طلب منهم نبيهم موسى -عليه السلام- أن يختاروا سبعين رجلاً من خيارهم، وطلب منهم أن ينطلقوا إلى الله -تعالى- ويتوبوا إليه مما فعلوا، وأن يسألوه التوبة عنهم وعن قومهم من بني إسرائيل، وطلب منهم الصيام وأن يُطهّروا ثيابهم، وخرج بهم إلى طور سيناء لموعدٍ حددهُ له ربه.
ولمّا كلّم موسى -عليه السلام- ربه ، طلبوا منه أن يسمعوا كلام الله -تعالى-، فدخل القوم في الغَمام ووقعوا ساجدين، وسمعوا كلام موسى -عليه السلام- مع ربه، وطلبوا من موسى -عليه السلام- أن يروا الله -تعالى-، فأخذتهم الصاعقة وماتوا جميعهم، فاستغاث موسى -عليه السلام- بالله -تعالى-، فأعاد له أرواحهم، وطلب منه التوبة لهم، فقال: لا إلا أن يقتلوا أنفسهم.
وذكر الله -تعالى- بعضاً من ذلك بقوله: (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)، ورجّح عُلماء التفسير: أنّ قتلهم لأنفسهم كان قبل أن يتوب الله -تعالى- عليهم؛ لأن الله -تعالى- ذكر بعدها في الآيات أنه تاب عليهم، وأن الأمر بقتل أنفسهم نُسخ رحمةً من الله -تعالى- بهم.