مقدمة بحث عن اليقين لا يزول بالشك
نبذة عامّة عن القاعدة ومُرادها
تعدّ القاعدة الفقهيّة: "اليقين لا يزول بالشك"، واحدة من القواعد الفقهية الخمس التي بُني عليه الفقه، وقد قال فيها الإمام السيوطي -رحمه الله- في كتابه الأشباه والنظائر في قواعد اللغة العربية: هذه القاعدة تدخل في جميع أبواب الفقه.
ولا يكاد يخلو كتاب من الكتب الفقهية من هذه القاعدة، لِما لها من كثرة الفروع التي تنبني عليها، إضافة إلى المسائل المتفرّعة منها، كما تعرّض لها البعض ممن قام بتأليف الكتب المتعلقة بعلم أصول الفقه كذلك.
وتتفرع من هذه القاعدة مجموعة من القواعد؛ كقاعدة الأصل بقاء ما كان على ما كان، وقاعدة استصحاب الأصل، والقديم يبقى على قدمه، والأصل براءة الذمة ، ومع أنّ اليقين لا يزول ويذهب بالشكّ، لكنه يزول ويرتفع بيقين مثله، كذلك يزول بغلبة الظنّ، لأنّ غلبة الظن تقع موقع اليقين.
دليل القاعدة من القرآن والسنة
استند الفقهاء في اعتمادهم للقاعدة الفقهية اليقين لا يزول بالشكّ على ما جاء فيها من الأدلة في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، فقال -تعالى-: (وَما يَتَّبِعُ أَكثَرُهُم إِلّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لا يُغني مِنَ الحَقِّ شَيئًا إِنَّ اللَّـهَ عَليمٌ بِما يَفعَلونَ)، والمراد بالحقّ في الآية هو اليقين، والمعنى من الآية أنّ الظن لا سلطة له على اليقين، فلا يؤثر به ولا يُزيله.
ومن السنة النبوية ما رواه أبو هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال: (إذا وجَدَ أحَدُكُمْ في بَطْنِهِ شيئًا، فأشْكَلَ عليه أخَرَجَ منه شيءٌ أمْ لا، فلا يَخْرُجَنَّ مِنَ المَسْجِدِ حتَّى يَسْمع صَوْتًا، أوْ يَجِدَ رِيحًا).
وما رواه أبو سعيد الخدري -رضي الله عنه- عن رسول الله فقال: (إذا شَكَّ أحَدُكُمْ في صَلاتِهِ، فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى ثَلاثًا أمْ أرْبَعًا، فَلْيَطْرَحِ الشَّكَّ ولْيَبْنِ علَى ما اسْتَيْقَنَ، ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أنْ يُسَلِّمَ، فإنْ كانَ صَلَّى خَمْسًا شَفَعْنَ له صَلاتَهُ، وإنْ كانَ صَلَّى إتْمامًا لأَرْبَعٍ كانَتا تَرْغِيمًا لِلشَّيْطانِ).
أمثلة على تطبيقات القاعدة
من الأمثلة على أنّ اليقين لا يزول بالشكّ:
- إذا توضأ رجل لأداء صلاة معينة، ثمّ أتى وقت الصلاة التي تليها فشكّ إن أحدث أم لا، فالأصل الطهارة لأنه متيقّن من الوضوء، والحدث هو الشكّ، واليقين لا يزول بالشك.
- إذا شكّ رجل هل صلّى أم لا، فالأصل عدم الصلاة، وهو اليقين، والشكّ هو أنّه أدّى الصلاة، فيجب عليه أن يصليها.
- إذا تأكد المسلم أنّه أحدث، وشكّ أنّه توضأ، فالأصل أنه على غير طهارة ويجب عليه أن يتوضأ للصلاة.
- إذا طاف رجل بالبيت الحرام، ولمّا وصل الحجر رفع يده وكبّر، ثمّ شكّ في عدد الأشواط التي طافها هل هي خمسة أشواط أم ستّة، فالخمسة منها هي اليقين، والستّة هي الشكّ، فإنه يعتمد أنّها خمسة أشواط ويبني عليها كونها اليقين، واليقين لا يزول بالشكّ الذي هو ستّة أشواط.