مقدمة إنشاء عن العلم والأدب
العلم والأدب رفعة للإنسانية
يُقدّم العلم ليأتي الأدب بعده، فهل العلم كُلّ والأدب جزء من أجزائه، أم الأدب هو علم بذاته أم أنّ كل منهما حقل وله مجالاته الخاصة، أم أنّهما مكملان لبعضهما البعض؟ وما تعريف العلم وما تعريف الأدب؟ وهذه أسئلة تُثيرُ العقل وتُؤجج حروبًا ضاريةً بين أهل هؤلاء وهؤلاء.
فلا يكسب الحرب إلا من حمل السلاح الأقوى ليُدافع عن مبادئه ومعتقداته، فيفرض وجوده على الساحة لتتشكل الصورة النمطية السائدة في المجتمعات.
إنّ المجتمعات عامةً والعربيّة خاصةً لا تُدرك الفروقات بين المصطلحين وما يُؤديانه من رسائل، فوضعا على خطين متوازيين في التعليم فيُدرّسان منفصلين عن بعضهما، والصحيح أنّ العقل المنتج للعلم هو نفسه المُنتج للأدب.
العلم والأدب وجهان لعملة واحدة
الأدب فن له أدواته ووسائله المختلفة التي من خلالها قد يعكس صورة العلم من مرآته هو، ويضع إضاءاته على الطريق مشيرًا إلى العلم وثوابته مصبوبًا في النص الأدبي الرفيع المستوى والقيم فيتذوقها القارئ الفذ، وأمّا العلم فهو حاجة مُلحة للعيش.
ما دمنا نفصل بين العلم والأدب ونُعلي من شأن العلوم دراسةً وفُرصًا في المهن وقيمةً، في المقابل نجد الأدب الأقل شأنًا والأدنى قَبولًا وتَقبُلًا، وبالتالي سيكون الأضعف لغةً وقيمةً ومضمونًا، ومن الجدير بالذكر أنّ الأمم لن تنهض ويُعلى من قدرها إلّا ببناء وتكريس العلم والأدب المُتأتي من اللغة؛ لكون أنّ القوى العظمى في العالم اهتمت بغرس هذين الجانبين في نفوس أبنائها.
إذن لا بُد أن يُخلق الأديب والعالم من أدوات اللغة ليسلكا الطريق مُلتمسان فيه نور العلم فيعمل بآية اقرأ، وهذا ما هو مشترك بينه وبين العالِم ألا وهو القراءة، ونستدل على ذلك من قوله تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)}، إذ قُرن العلم بالقراءة.
العلم والأدب حاجة ملحة
"العلم لغة العقل، والأدب لغة العاطفة، ولكن لا بُد في هذه الحياة أن يلطَّف العلم بالأدب، والأدب بالعلم؛ فالعقل إذا جمح استخفَّ بالشعور، وجعل الحياة ثمنًا للعلم، وهو إذا مزج بشيء من الأدب مسَّ الحياة ورفَّه على الناس، والعاطفة إذا شردت كانت ثورانًا وهياجًا؛ ألا ترى التعجب يزيد فيكون نباحًا، والعشق يهيم فيكون جنونًا!"
إنّ عزل أحدهما عن الآخر أشبه ما يكون بفصل العبادات عن حياتنا العمليّة، فنجد الحياة تسير على وتيرة واحدة رتيبة بلا تحوّل أو تغيير ولا ذائقة، فتموت روح الإنسان أو تلجأ لقتل نفسها.
وهذا ما سيحدث للأدب إن وُضعت بطون الكتب الأدبية على الأرفف ليصفر لونها، وخُدّرت العقول فلم تعد تعي البسيط، فيغدو الأدب غريبًا على أهله فيموت، فالعلاقة بين العلم والأدب وثيقة رصينة كالماء للجسم والدين للإنسان.