مقال قصير عن بر الوالدين
تعريف برّ الوالدَين
برّ الوالدَين هو: ما يؤديه الأبناء تجاه والدَيهم من ردّ الجميل والمعروف لهم، وبَذْل كلّ ما في الاستطاعة والقدرة، وطاعتهما في كلّ ما يأمرَان به، إلّا فيما يُغضب الله -عزّ وجلّ-، ويُعرّف البرّ في اللغة بأنّه: الزيادة والمبالغة في الإحسان والطاعة والعطاء والبَذْْل.
وعكسه العقوق؛ وهو: عدم أداء حقوق الوالدَين ، والإساءة إليهم، فبرّ الوالدَين يشمل الوفاء والإحسان إليهما، بالأفعال، والأقوال، والسرائر؛ امتثالاً لأمره -تعالى-، وتقرّباً منه، وطمعاً في نَيْل رضاه وجنّته، قال -تعالى-: (وَقَضى رَبُّكَ أَلّا تَعبُدوا إِلّا إِيّاهُ وَبِالوالِدَينِ إِحسانًا إِمّا يَبلُغَنَّ عِندَكَ الكِبَرَ أَحَدُهُما أَو كِلاهُما فَلا تَقُل لَهُما أُفٍّ وَلا تَنهَرهُما وَقُل لَهُما قَولًا كَريمًا).
فضائل برّ الوالدَين
تترتّب العديد من الفضائل على برّ الوالدَين، سواءً في الحياة الدُّنيا والآخرة، يُذكر أنّ برّ الوالدَين:
- سببٌ في رفعة درجة الوالدَين في الجنّة، وذلك باستغفار أولادَهما لهما، فقد ورد عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- قال: (إنَّ الرجُلَ لَتُرْفَعُ درجتُهُ في الجنةِ فيقولُ: أنَّى لِي هذا؟ فيُقالُ: بِاستغفارِ ولَدِكَ لَكَ).
- سببٌ في دخول الجنّة، فبرّ الوالدَين من أحبّ الأعمال عند الله -تعالى-، فقد أخرج الإمام مُسلم في صحيحه عن عبدالله بن مسعود -رضي الله عنه- أنّه قال: (يا نَبِيَّ اللهِ، أيُّ الأعْمالِ أقْرَبُ إلى الجَنَّةِ؟ قالَ: الصَّلاةُ علَى مَواقِيتِها قُلتُ: وماذا يا نَبِيَّ اللهِ؟ قالَ: برُّ الوالِدَيْنِ. قُلتُ: وماذا يا نَبِيَّ اللهِ؟ قالَ: الجِهادُ في سَبيلِ اللَّهِ).
- وقد حذّر الرّسول -عليه الصلاة والسلام- من عقوق الوالدَين قائلاً: (رَغِمَ أنْفُ، ثُمَّ رَغِمَ أنْفُ، ثُمَّ رَغِمَ أنْفُ، قيلَ: مَنْ؟ يا رَسولَ اللهِ، قالَ: مَن أدْرَكَ أبَوَيْهِ عِنْدَ الكِبَرِ، أحَدَهُما، أوْ كِلَيْهِما فَلَمْ يَدْخُلِ الجَنَّةَ).
- سببٌ في نَيْل رضا الله -تعالى-، وذلك بسبب رضا الوالدَين، فقد ورد عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- قال: (رِضاءُ اللهِ في رِضاءِ الوالدِ وسخَطُ اللهِ في سخَطِ الوالدِ).
- سببٌ في تحقيق القُرب من الله -عزّ وجلّ-، فقد ورد عن ابن عبّاس -رضي الله عنهما-: (إنِّي لا أعلمُ عملًا أقربَ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ مِن برِّ الوالدةِ).
- عملٌ عظيمٌ عند الله؛ فقد قرن برّ الوالدَين والإحسان إليهما بالإيمان به وتوحيده؛ بياناً لعلوّ شأنهما، وعظيم مكانتهما في الإسلام، تدلّ على ذلك العديد من المواضع في القرآن الكريم، منها: قَوْله -تعالى-: (وَاعْبُدُوا اللَّـهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا)، وقَوْله: (وَقَضى رَبُّكَ أَلّا تَعبُدوا إِلّا إِيّاهُ وَبِالوالِدَينِ إِحسانًا إِمّا يَبلُغَنَّ عِندَكَ الكِبَرَ أَحَدُهُما أَو كِلاهُما فَلا تَقُل لَهُما أُفٍّ وَلا تَنهَرهُما وَقُل لَهُما قَولًا كَريمًا).
- كما وردت آياتٌ أُخرى تحثُّ العبد على الإحسان للوالدَين ، والوفاء لهما، والرّحمة بهما، قال -تعالى-: (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ)، وقال أيضاً: (وَاخفِض لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحمَةِ وَقُل رَبِّ ارحَمهُما كَما رَبَّياني صَغيرًا).
- سببٌ في استجابة الدعاء، استدلالاً بِما أخرجه الإمام مُسلم في صحيحه عن أسير بن جابر -رضي الله عنه-: (قالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ يقولُ: يَأْتي علَيْكُم أُوَيْسُ بنُ عَامِرٍ مع أَمْدَادِ أَهْلِ اليَمَنِ، مِن مُرَادٍ، ثُمَّ مِن قَرَنٍ، كانَ به بَرَصٌ فَبَرَأَ منه إلَّا مَوْضِعَ دِرْهَمٍ، له وَالِدَةٌ هو بهَا بَرٌّ، لو أَقْسَمَ علَى اللهِ لأَبَرَّهُ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لكَ فَافْعَلْ).
- سببٌ من أسباب مغفرة الذّنوب وقبول التوبة، فقد ورد عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أنّه قال: (أتى رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ رجلٌ فقال: يا رسولَ اللهِ أذنبتُ ذنبًا كبيرًا فهل لي توبةٌ؟ فقال لهُ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: ألكَ والدانِ؟ قال: لا، قال: فلك خالةٌ؟ قال: نعم، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: فبِرَّهَا إِذَنْ)، كما أنّ برّ الوالدَين من السَّعي في سبيل الله، كما قال النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (وإنْ كان خرجَ يَسعَى على أبويْنِ شيْخيْنِ كبيريْنِ، فهوَ في سبيلِ اللهِ).
صور برّ الوالدَين
تتعدّد صُور برّ الوالدَين والإحسان إليهما، وبيان بعضٍ منها فيما يأتي:
- مُخاطبتهما بلطفٍ ولينٍ ورفقٍ، وعدم رفع الصوت عليهما، قال -تعالى-: (إِمّا يَبلُغَنَّ عِندَكَ الكِبَرَ أَحَدُهُما أَو كِلاهُما فَلا تَقُل لَهُما أُفٍّ وَلا تَنهَرهُما وَقُل لَهُما قَولًا كَريمًا).
- الدُّعاء لهما، والمواظبة على برّهما في حياتهما وبعد مماتهما، قال -تعالى-: (وَاخفِض لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحمَةِ وَقُل رَبِّ ارحَمهُما كَما رَبَّياني صَغيرًا).
- قضاء حوائجهما، والإنفاق عليهما، وعدم التقصير في حقّهما، فقد ورد عن أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-: (أنَّ رجلًا أتى النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ يخاصِمُ أباهُ، فقالَ: يا رسولَ اللَّهِ، إنَّ هذا قدِ احتاجَ إلى مالي فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ: أنتَ، ومالُكَ لأبيكَ).
- تنفيذ أوامرهما، وطاعتهما في غير معصية الله -تعالى-، قال -تعالى-: (وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا).
- التواضع لهما، وحُسن صُحبتهما، وتقديرهم واحترامهم، ورَفْع قَدْرهم أمام النّاس.
ما يُعين على برّ الوالدَين
توجد العديد من الأمور التي تُعين على برّ الوالدَين، بيان البعض منها فيما يأتي:
- سؤال الله -تعالى- برّ الوالدَين، واللجوء إليه وطلب التوفيق منه إلى برّ الوالدَين.
- استشعار فَضْل الوالدَين ، وأنّهما من الأسباب التي ينال بها العبد رضا الله -عزّ وجلّ-، والتي تحقّق السعادة في الدُّنيا والآخرة.
- الرغبة في نَيْل استجابة دعاء الوالدَين بالبرّ بهما.
- التعرّف على سِيَر البارّين بوالدَيهم، ومنهم الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام-:
- كان النبيّ نوح -عليه الصلاة والسلام- يدعو ويستغفر لوالدَيه، قال -تعالى- على لسان نبيّه: (رَّبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا).
- دعا نبيّ الله إبراهيم -عليه السلام- أباه لقبول التوحيد والإيمان بالله -تعالى- بكلّ رِفقٍ ولينٍ، قال الله -تعالى- في كتابه: (وَاذكُر فِي الكِتابِ إِبراهيمَ إِنَّهُ كانَ صِدّيقًا نَبِيًّا* إِذ قالَ لِأَبيهِ يا أَبَتِ لِمَ تَعبُدُ ما لا يَسمَعُ وَلا يُبصِرُ وَلا يُغني عَنكَ شَيئًا* يا أَبَتِ إِنّي قَد جاءَني مِنَ العِلمِ ما لَم يَأتِكَ فَاتَّبِعني أَهدِكَ صِراطًا سَوِيًّا* يا أَبَتِ لا تَعبُدِ الشَّيطانَ إِنَّ الشَّيطانَ كانَ لِلرَّحمـنِ عَصِيًّا* يا أَبَتِ إِنّي أَخافُ أَن يَمَسَّكَ عَذابٌ مِنَ الرَّحمـنِ فَتَكونَ لِلشَّيطانِ وَلِيًّا).
- يُذكر من سِيَر البارّين بوالدَيهم؛ المحدّث بِندار، الذي قال فيه الإمام الذهبيّ: "جمع حديث البصرة، ولم يرحل، بِرّاً بأمّه"، وقال عبدالله بن جعفر بن خاقان: "سمعت بنداراً يقول: أردت الخروج -يعني الرحلة لطلب العلم- فمنعتني أُمي، فأطعتها، فبُورك لي فيه".
- كان التابعيّ عامر بن عبد الله بن الزُّبير بارّاً بأبيه، وورد عنه أنّه قال: "مات أبي فما سألت الله حولاً كاملاً إلّا العفو عنه".