مفهوم طلاق الشقاق
تعريف طلاق الشقاق والنزاع
عرّف بعض أهل العلم طلاق الشقاق والنزاع فقالوا هو: "أن يشتد النزاع بين الزوجين، بسبب الطعن في الكرامة، أو لإيذاء الزوج زوجته بالقول أو بالفعل، كالشتم المقذع، والتقبيح المخل بالكرامة، والضرب المبرح، والحمل على فعل ما حرم الله، والإعراض والهجر بدون سبب يبيحه، ونحو ذلك."
أسباب طلاق الشقاق والنزاع
يمكن تلخيص أسباب النِّزاع والشِّقاق بمجموعة من النقاط كما يأتي:
- النِّزاع الشَّديد بين الرَّجل والمرأة، بحيث يصل إلى الطعن في الكرامة، والإهانة الشديدة.
- إيذاء الرَّجل لزوجته؛ بالقول؛ كالسباب أو الشَّتم، أو الاستهزاء بها، أو بأيِّ كلامٍ مسيءٍ.
- إيذاء الزَّوجة بأيِّ فعلٍ؛ كالضَّرب، أو أيَّة أذيَّةٍ بالبدن تؤثّر عليها وتلحق بها ضرراً كبيراً.
- إجبارها على القيام بأمرٍ من الأمور المنكرة شرعاً.
- إعراضه عنها وهجرها، وعدم ملاطفتها والاعتناء بها كزوجةٍ تستحقُّ الاحترام.
الحقوق المترتبة على طلاق الشقاق والنزاع
يترتَّب على حكم القاضي بالطلاق أنَّ الزَّوجة تصبح مطلقةً طلاقاً بائناً بينونةً صغرى، فإن تبيَّن أنَّ الضَّرر كلُّه من الزَّوج، لا تغرم المرأة شيئاً، و للمرأة نصف الصّداق إن لم تكن مدخولاً بها ، وتستحقُّ الصِّداق كلَّه إن حصل ذلك بعد الدُّخول، وإن كانت نسبة الضَّرر مشتركةً بينهما قُدِّرت نسبة الضَّرر وخُصمت من المهر؛ فإن كان نصف الضَّرر منه، أخذت نصف الصّداق.
أحكام طلاق الشقاق والنزاع
طلب المرأة التفريق من القاضي
يتبع التَّفريق بين الزَّوجين بسبب الشِّقاق والنِّزاع بعض الأحكام التي ينبغي مراعاتها، وأخذها بعين الاعتبار، و يكون التفريق بسبب الشِّقاق والنِّزاع بأن تدَّعي المرأة أمام القاضي على زوجها أنَّه قد أخلَّ معها ببعض حقوقها الزَّوجية ، وأنَّه قد وقع من زوجها بعض الأسباب التي تبيح لها طلب التَّفريق بسبب الشِّقاق والنِّزاع بعد تقديم الدَّعوى بين يدي القاضي، وهنا تتجه القضيَّة إلى إحدى حالتين:
- الحالة الأولى: أن تثبت الزَّوجة أمام القاضي الأسباب التي ادَّعتها على الزَّوج، ويتمُّ هذا الإثبات من قبل الزَّوجة بشيئين، هما:
- أن يقرَّ الزَّوج المدَّعى عليه بأنَّه قد صدرت منه أسباب الشِّقاق والنِّزاع، ويعترف بذلك أمام القاضي، من دون إنكار شيءٍ ممَّا ادَّعته.
- أن تثبت المرأة المدعية بالشِّقاق والنِّزاع على زوجها بالأدلَّة والبراهين، وأن تكون الأدلَّة كافيةً لإقناع القاضي بأنَّ الزَّوج متسببٌ لها بالضَّرر الموجب للطلاق.
- فإذا تمّ أحد هذين السَّببين أو كلاهما، يحاول القاضي الإصلاح بينهما ما استطاع، محافظةً على عشِّ الزَّوجية من الانهيار، فإن عجز القاضي عن الإصلاح بينهما، قضى بينهما بالطَّلاق، وفرَّق بينهما.
- الحالة الثانية: أن تعجز المرأة عن إثبات الضَّرر، وعن إثبات أسباب الشِّقاق والنِّزاع، ولا يقرُّ الزَّوج أمام القاضي بالدَّعوى المقامة عليه، وفي هذه الحالة يقوم القاضي بردِّ دعوى المرأة على زوجها، ولا يفرِّق بين الزَّوجين، ويبقى عقد الزَّواج قائماً بينهما.
- فإن عادت المرأة، مرَّةً أخرى، فادَّعت على زوجها الشِّقاق والنِّزاع، وأثبتت هذه الدَّعوى، بإيراد الأدلَّة والبراهين، أو بإقرار الزَّوج، واعترافه بما ادَّعت عليه، يحكم القاضي بالتَّفريق بين الزَّوجين، أمَّا إذا عجزت المرأة عن إثبات هذه الدَّعوى، ولم يقرَّ الزَّوج بما ادَّعته عليه الزَّوجة، يقوم القاضي بتكليف حكمَين اثنين؛ حكم من أهل الزَّوج، وحكم من أهل الزَّوجة، لقول الله -تعالى-: (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّـهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّـهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا).
إصلاح الحكمين بين الزوجين
اشترط الفقهاء في هذين الحكمين شروطاً منها:
- أن يتَّصف الحكمان بالأهليَّة الكاملة: وهي البلوغ والعقل، فلا يجوز للقاضي أن يولِّي التَّحكيم من أيِّ أحدٍ غير مكتمل العقل؛ كالمجنون ومن هو في حالة السُّكْر، ولا الصَّبيَّ الذي لم يبلغ سنَّ البلوغ.
- أن يكون الحكمان مسلمين، فلا يجوز أن يكون الحكمان بين الزَّوجين من غير المسلمين.
- أن يكون الحكمان من أهل العدالة؛ أي من أهل التَّقوى والصَّلاح، والاستقامة، فلا يُولَّى الفاسق، ولا الفاجر، ولا مَنْ في عدالته جرح.
- أن يكون الحكمان من أهل الفقه والعلم، والدراية في أحكام الطلاق والزَّواج، أو أن يكونا عالمين -على الأقل- في مثل هذه المسائل.
- يستحبُّ أن يُولّي القاضي الحكمين؛ فيكون أحدهما من أهل الزَّوج، ويكون الحكم الآخر من أهل الزَّوجة، قدر الاستطاعة والإمكان.
ويقوم الحكمان العدلان من أهلهما أو من غير أهلهما بالتَّقصِّي لمعرفة أسباب الخلاف بين الزَّوجين، ثمَّ يبذل الحكمان الجهد والطَّاقة للإصلاح بين الزَّوجين، لقول الله -تعالى-: (إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّـهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّـهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا)، فإن استحال الإصلاح بين الزَّوجين، وتبيَّن أنَّ الإساءة سببها الزَّوج، أو سببها الزَّوج والزَّوجة، وكان سبب الزَّوج كافياً للطلاق؛ يقرِّر الحكمان التَّفريق بين الزَّوجين، وإن تبيَّن أنَّ الإساءة سببها الزَّوجة، فلا يفرِّق بينهما، ولا تقبل دعوى الزَّوجة.
ملخّص المقال: إذا ساءت العشرة بين الزَّوجين، واستطاعت الزَّوجة أن تثبت أنَّ الضَّرر يلحقها جراء سوء معاملة زوجها أو اعترف الزَّوج بذلك أمام القاضي، يحاول القاضي أن يصلح بينهما، فإن عجز فرَّق القاضي بينهما، وإن لم تستطع إثبات ذلك، وكَّل القاضي حكمين؛ من أهله ومن أهلها؛ ليحكما بينهما، ويحاولا الإصلاح بينهما، فإن تعسَّر الإصلاح، وثبت أنَّ الضَّرر من قبل الزَّوج، فإنَّ القاضي يحكم بالتَّفريق بينهما، وتكون طلقةً بائنةً.