مفهوم الرحمة في الإسلام
رحمة الله بالعباد
ذُكِرت رحمة الله -تعالى- في كثيرٍ من الآيات الكريمة في القرآن الكريم ، فرحمة الله -تعالى- هي رحمةٌ واسعةٌ، مداها بعيد، فهي تشمل المؤمن والكافر في الحياة الدنيا، أمّا في الحياة الآخرة فرحمة الله خاصّة بالمتّقين، ورحمة الله -تعالى- في الحياة تتعدّد صورها، ومن هذه الصّور ما يأتي:
- غفران ذنوب المسيئين والعاصين، وقبول توبتهم.
- الإنعام على العباد بنعمة الإسلام ، وإنزال الدّين الإسلامي، ووضع الأحكام التّشريعيّة التي تنظّم شؤون العباد.
- هداية النّاس، من خلال بعث الرّسل -عليهم السّلام- إليهم، ليرشدوهم إلى طريق الحقّ، ويحذّرونهم من طريق الضّلال والانحراف.
- إنزال القرآن الكريم، الذي فيه شفاءٌ للناس.
- إعطاء الأجر والثّواب للمؤمنين والصّابرين في حياتهم، فكل عملٍ يفعله الإنسان لا يضيع أجره عند الله.
- امتحان العباد في الحياة الدّنيا، واختبارهم، وابتلائهم، ليعلموا أن هذه الدنيا ما هي إلا دار اختبارٌ وابتلاءٌ.
وعلى المسلم أن لا ييأس من رحمة الله، وأن لا يقنط من ذلك، فعليه أن يكون على يقينٍ بغفران الله لذنوبه، وتجاوزه عن سيّئاته، ورحمته له، فإنّ القنوط من رحمة الله من كبائر الذنوب التي من الممكن أن يقترفها العبد نتيجة يأسه، لذلك على المسلم أن يبادر دائماً بالتّوبة إلى الله تعالى، ويرجو مغفرته ورحمته.
مفهوم الرحمة في الإسلام
إنّ الرّحمة خُلقٌ من الأخلاق الإسلاميّة الحميدة، التي حثّ الدّين الإسلامي على الالتزام بها وبمبادئها، وهي خلق الأنبياء عليهم السّلام، والرحمة تعني فعل الإنسان الخير، وتقديمه للآخرين، والإحسان إليهم، وقد ورد ذكر مصطلح الرّحمة في مواضع كثيرة من القرآن الكريم، وتقدّر بحوالي مائتي وثمانية وستين موضعاً، وأكثرها جاءت من حيث صيغة الأسماء، كقوله تعالى: (إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)، ومنها ما كان تصنيفه في اللغة من حيث الأفعال، كقوله تعالى: (قَالُوا لَئِن لَّمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا)، ولفظ رحمة مشتقٌّ من الفعل رحم، وهو دليلٌ على الرّقة، واللّطف، والرّأفة، والعطف، أما مصطلح الرحمة في القرآن الكريم؛ فهو مصطلحٌ عام له عدة تفسيرات ومعان، وفيما يأتي ذكرٌ لبعضها:
- دخول جنّات النّعيم، فقد قال تعالى: (أُولَٰئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ)، فالرحمة تعني هنا أنّ المؤمنين يبتغون نيل رحمة الله، وهي دخول الجنّة يوم القيامة .
- الاختصاص بالنّبوة ، فالله تعالى اختصّ رسوله الكريم بالنّبوة والرّسالة، وهذا ما يدل عليه لفظ الرّحمة في قوله تعالى: (وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ).
- كتاب الله تعالى، فلفظ الرّحمة يطلق كذلك على وصف القرآن الكريم؛ حيث قال تعالى: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ).
- إنزال المطر، فمن رحمة الله -تعالى- أنّه أنعم على عباده بنعمة المطر، رأفةً ورحمةً بعباده.
- إعطاء الأرزاق، وإنزال البركة في حياة المسلم، حيث قال تعالى: (مَّا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا)، فالرّحمة المقصودة في هذه الآية هي النّعم التي يُنعم الله بها على عباده، والأرزاق والبركات التي يهبهم إياها.
- غفران الذنوب ، واستحقاق الأجر والثواب، ففي قوله تعالى: (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ)، يتجلى هنا معنى الرحمة بمغفرة الله لذنوب عباده، وعفوه عمّا سلف، وقبوله لتوبتهم، واستغفارهم، وعودتهم إليه.
- التوادّ، واللّطف، والعطف بين النّاس، وهذا ظاهرٌ في قوله تعالى: (وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً).
- استجابة الله -تعالى- لمن يتوجّه إليه بالدّعاء ، قال تعالى: (ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا)، حيث استجاب الله -تعالى- دعوة نبيّه زكريا برحمته وكرمه، فرزقه الولد الصّالح.
- صفة من صفات الله تعالى؛ فإنّ لله أسماء وصفات ثابتة بالوصف الذي يليق به، ومنها صفة الرحمة، حيث قال تعالى: (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ)، ولقد سمّى الله -تعالى- نفسه بصفتين تدلّان على صفة الرحمة، وهما الرحمن والرحيم، وكل سور القرآن الكريم إلا سورة التوبة تبدأ بالبسملة، والبسملة في صيغتها تحتوي على هذين الوصفين، وبما أن غالبيّة السور تبدأ بهذين الوصفين المشتملين في معناهما على صفة الرحمة، فهذا دليلٌ على اهتمام الإسلام بصفة الرحمة، وأنها في المقدمة عن باقي الصفات الأخرى، وأن الأساس في التّعامل مبني على الرحمة.
الوسائل المعينة على نيل رحمة الله
إن رحمة الله واسعة، وحتّى ينال المسلم رحمة الله تعالى، عليه أن يسعى لها بالطلب الجاد، والأخذ بالأسباب، وفيما يأتي بعض الوسائل التي تعين المسلم على ذلك، ومنها:
- إيمان المسلم بالله- تعالى- إيماناً حقيقياً صادقا، ومن ذلك إيمانه بأركان الإسلام جميعها.
- التقرب إلى الله -تعالى- بطاعته وطاعة رسوله، والتزام أوامره، واجتناب نواهيه.
- الالتزام بما جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة.
- الرحمة والرأفة بالناس، وعدم إيذائهم، والإحسان إليهم، فمن أراد رحمة الله -تعالى- فليكن رحيماً مع الناس، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الرَّاحمون يرحمهمُ الرَّحمنُ، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السَّماء، الرَّحمُ شجْنةٌ من الرَّحمن فمن وصلها وصلهُ اللَّهُ ومن قطعها قطعه اللَّهُ).
- توطيد العلاقات الاجتماعيّة بين الأفراد، وتأكيد مبدأ الأخوّة بينهم.
- الحرص على التّحلي بالآداب الإسلاميّة التي أمر بها الله ورسوله؛ كعيادة المريض، والاطمئنان عليه.
- تقوى الله -تعالى- في السر والعلن، والابتعاد عن المعاصي والذنوب.
- تدبر القرآن الكريم، وفهم معانيه، والعمل بما جاء به، والحرص على تلاوته، والإصغاء لآياته.
- العزم الصادق على الإقلاع عن الذنوب، والعودة إلى الله -تعالى- بالتوبة النصوح الصادقة والاستغفار.
- التحلي بالأخلاق الإسلامية، كالصبر ، والأناة، وتحمّل المصاعب.
- الحرص على قيام الليل ، وتشجيع المسلمين للقيام به، وصلاة أربع ركعات قبل أداء فرض صلاة العصر .
- الجهاد في سبيل الله -تعالى- بالمال أو النفس لإعلاء كلمة الله.
- الاستعانة بالدعاء، والإلحاح فيه عند الطلب.
الثمار المترتّبة على الرّحمة
هناك الكثير من الآثار والثمار التي تنتج عن خُلق الرحمة، ومن هذه الثمار ما يأتي:
- رفعة الدرجات، وعلوّها عند الله تعالى، فكلما كان للمسلم نصيبٌ من هذا الخلق الكريم، كانت درجته عند الله مرتفعة، فقد كان لرسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- نصيبٌ وافرٌ من خلق الرحمة، وتجلّى ذلك في رسالته التي بُعث بها إلى الناس، فكانت رحمة للجميع، وكلما كان حب المسلم لرسوله أكبر، كان له نصيبٌ أكبر من خلق الرحمة.
- تنمية جانب الأمل والرّجاء في حياة المسلم، والحد من تأثير جانب الخوف واليّأس في حياته.
- بعث الطمأنينة، وسكون النفس، والشعور بالأمن، وتشجيع المسلم على المزيد من أداء الأعمال الصالحة .
- ازدياد تقرّب المسلم إلى الله تعالى، والإعراض عن كل طريق لا يؤدي إليه.