مفهوم الذاكرة في الفلسفة
مفهوم الذاكرة في الفلسفة
يشير مفهوم الذاكرة بشكل عام إلى مجموعة من النشاطات العقلية والمعرفية القائمة على ترميز المعلومات التي يستقبلها الدماغ، ومعالجتها وتخزينها بهدف استرجاعها عند الحاجة. أما فلسفياً فيعبر مفهوم الذاكرة عن مجموعة من التفاعلات النفسية التي تسترجع الماضي للحاضر من خلال العديد من آليات التذكر، وتتولى هذه الآليات مهمات فحص التجارب الحسية من الماضي ومعالجتها، وتنقسم الذاكرة إلى قسمين: الذاكرة الجمعية كالذاكرة المحتمعية، والذاكرة الفردية، وهي الذاكرة المتعلقة بتجارب كلّ فرد على حدة.
أنواع الذاكرة
- الذاكرة الحسية: هي استقبال المعلومات من خلال أحد الحواس الخمس.
- الذاكرة قصيرة المدى: بعد استقبال المثيرات الحسية سابقة الذكر، يتم نقلها إلى الذاكرة قصيرة المدى التي تتميز بفقدان المعلومات المستقبلة خلال فترة قصيرة، ورغم ذلك فإنّ زمن فقدان المعلومات وتحللها أطول من الذاكرة الحسية وتختلف من شخص لآخر.
- الذاكرة طويلة المدى: هي تشكل مخزناً كبيراً ودائماً للمعلومات ذات السعة غير المحدودة، ويتم تخزين المعلومات في هذه الذاكرة من خلال استخدام أدوات الربط، أو الخطط، أو الترابطات.
آراء الفلاسفة حول الذاكرة
النظرية المادية
تعود أصول هذه النظرية إلى الطبيين اليونانيين، أما في الوقت المعاصر فيقترن مفهوم النظرية المادية بريبو، وتعتقد هذه النظرية أنّ الذكريات تخزن في الدماغ، لتعود إلى الوعي لاحقاً بحسب ما يقتضيه الظرف الراهن. وبحسب هذه النظرية فالدماغ مقسم إلى ثلاثة مستويات: التجويف المقدم، والتجويف الأوسط، والتجويف المؤخر، ويعتبر الأخير مخزن الذاكرة وحافظها.
النظرية الروحانية
ترفض النظرية الروحانية الاعتقاد السائد بارتباط الذاكرة بالدماغ، وربطت ببين الذاكرة والحالة النفسية للفرد، فالذكريات مجودة في اللاوعي عند الأفراد، لتخرج إلى الوعي من خلال أي فرصة كالنوم، حيث يكون الدماغ غائباً عن الوعي، فتستغل الذكريات الفرصة من خلال الأحلام لتظهر إلى الوعي.
النظرية الظواهرية
حسب النظرية الظواهرية، تعتبر الذاكرة فعل واعٍ، ولا وجود لما يسمى بالذكريات، وإنما هي فعل دماغي يضع الأحداث في خانة الماضي، ويحدث فعل التذكر عند التعرض لحدث يستوجب استدعاء الأفعال الماضية المخزنة في الدماغ، كالتعرض لحدث مشابه لحدث في الماضي. ويقول هالفكس، أحد أتباع النظرية الظواهرية: إنّ الماضي لا يُحفظ بل أننا نبنيه انطلاقاً من الحاضر على أساس المرتكزات الاجتماعية للتذكّر.
مفاهيم مرتبطة بالذاكرة
الذاكرة جزء من الإدراك الحسي
يعتقد الفلاسفة القدامة أمثال أرسطو أنّ الذاكرة جزء من الإدراك الحسي فهي النظام الذي يفحص ومعالجة الخبرات الحسية التي مر بها الفرد، أما الخبرات الحسية التي يواجهها الأفراد في الوقت الحاضر فليس لها علاقة بالذاكرة، إنما تصبح جزءاً منها حينما تصبح ماضٍ فقط، وبالتالي فالذاكرة تعتبر جزءاً من الزمن.
الذاكرة الإرادية
تشبه إلى حد ما عملية التذكر خلال الامتحان، أي استرجاع المعلومات التي يهدف العقل إلى تذكرها باستخدام أساليب عقلانية ومنطقية.
الذاكرة اللاإرادية
يشير مفهوم الذاكرة اللاإرادية إلى تذكر موضوع معين دون أن يكون هدفاً مباشراً للنشاط، أو السلوك، ويحصل هذا النوع من التذكر من خلال ارتباطه بموضوع النشاط الإرادي الذي يقوم به الفرد حالاً، وإضافة إلى ما سبق توجد أنواع أخرى من الذاكرة وأهمها: الذاكرة اللفظية، والذاكرة الحركية، والذاكرة الانفعالية.
استخلص أرسطو فكرته حول الذاكرة قائلاً: (إنّ الذاكرة تعتمد في نشاطها على المبدأ الحسي، وفي حال الأفكار المجردة فإن الذاكرة لا تحتفظ بها إلا من خلال ربطها بصور حسية)، ويعتقد أرسطو أنّ هذه الخاصية مشتركة بين الإنسان والحيوان إذ إنّ الذاكرة بذاتها عامل مشترك بين كليهما.