معنى حبر الأمة وسبب تسمية ابن عباس بذلك
معنى حبر الأمة وسبب تسمية ابن عباس بذلك
معنى كلمة حبر
يأتي لفظ حَبَر من الأثر، وهو الشخص الذي يكتب هذا الأثر، فصار يسمّى حبراً بالفتح أو بالكسر، والحَبر والحِبر؛ كلتاهما فصيحةٌ ووردتا في المعاجم، ويأتي لفظ التحبير، وهو التحسين في الشيء، ومنه حَبّرتُ الكلام تحبيراً: أي حسّنته وأنقّته تأنيقاً، وورد كذلك في القرآن الكريم لفظ الفعل من الحَبر، وهو قوله تعالى: (فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ)، ومعناها من الحَبرة، أي الفرحة، وإنّ معنى الحَبر بفتح الحاء وبكسرها، هو العالِم الذي امتلأ قلبه نوراً بالعلم والهدى، والمعرفة والتّقى، الذي يسعى لهداية الناس، وإخراجهم من الظلمات إلى النور، وجاء إطلاق هذا الاسم في القرآن الكريم "الأحبار"؛ فقال تعالى: (لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ).
سبب تسمية ابن عبّاس بذلك
لُقّب الصحابي الجليل عبد الله بن عباس بلقب حبر الأمّة؛ لتميّزه رضي الله عنه وأرضاه بالعلم الكثير، وسعة الفهم، وقد تجاوزت فطنته الكثيرين من الخَلق؛ لذلك سُمّيََ حبراً للأُمّة؛ فقد كان علمُه غزيراً، وبلغ من الحكمة والدهاء والذكاء ما بلغ، فدعا له النبيّ صلّى الله عليه وسلَّم أن يؤتيه الحكمة مرّتين؛ فقال صلّى الله عليه وسلَّم فيما يذكره ابن عبّاس: (ضَمَّنِي النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلى صَدْرِهِ، وقالَ: اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الحِكْمَةَ)، وما كان ذلك كُلّه إلا بفضل الله تعالى لاستجابته أدعية النبيّ محمّد صلّى الله عليه وسلَّم؛ فقد أكثر النبيّ صلّى الله عليه وسلَّم له الدعاء؛ وقد صحب ابن عباس النبيّ صلّى الله عليه وسلَّم ما يقارب ثلاثين شهراً فحسب، وفي هذه الفترة الوجيزة روى عنه وحفظ الكثير من الأحاديث، إذ له تفردات ومفردات خاصة لم تكن لغيره من الصحابة رضي الله عنهم؛ فقد اتسع علمه، وكثُر فهمه، واكتمل عقله، وزاد فضله، ونبل أصله.
علمُ ابن عبّاس رضي اللَّه عنه
برز ابن عباس رضي الله عنه وبدت براعته في عدد من العلوم؛ إذ كما أشرنا أنّ سبب نبوغه وبلوغه في ذلك، إنما هو من دعوة النبيّ صلّى الله عليه وسلَّم له، وبما حباه الله تعالى من نباهة نادرة وفطنة باهرة، وإليك العلوم التي تميز بها:
علمُ الفقه
بلغ ابن عباس رضي الله عنه الشأو في علم الفقه؛ فكان من أكثر الناس فُتيةً وعلماً واجتهاداً، وكان من أفقه الصحابة رضي الله عنهم، حتى أنه قد تفوق على كثير منهم، إذ كان مرجعاً للفتيا والسؤال، وكان دائم الحث للناس على السؤال، وهذا من سعة علمه، واهتمامه بشؤون حياة الناس، وهو من الفقهاء السبعة المكثرين من الإفتاء، حتى شهدت له أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بأنه أعلم الناس بمناسك الحجّ، وقد سلك ابن عباس منهجاً في الفقه، وهذا المنهج صحيح بكل أحواله؛ إذ كان لا يأخذ برأيه إلا في حالة لم يجد نصاً صريحاً في القرآن والسنة، ولم يجد فتوى عن أبي بكر أو عمر أو علي رضي الله عنهم.
علمُ التفسير
اشتهر ابن عباس رضي الله عنه في تفسير القرآن الكريم كثيراً، حتى أنه كان من المفسرين العشرة المشهورين من الصّحابة رضي الله عنهم، وقد كان ابن عباس يُتقن تفسير القرآن الكريم كله فلم يكد يفُتْهُ شيء أبداً، وقد استحقّ بحقّ أن لُقّب ترجمان القرآن، حيث لم يبلغ أحدٌ قدره في التفسير، فكان جديراً بهذا اللقب، وكانت معرفته العلمية الواسعة في علم التفسير، نتاج حياته القصيرة مع النبي صلى الله عليه وسلَّم، ونتاج ما تلقاه من علم الصحابة رضي الله عنهم، ونتاج علمه وسعته الوفيرة في علم اللغة العربية وآدابها، حتى نما له علمه الخاص وتفوق على أقرانه وعلى من هم فوقه كذلك.
علمُ الحديث
برز ابن عباس رضي الله عنه في علم الحديث وفي روايته، وقد كان شأنه في الحديث شأن شهرته في الفقه والتفسير، إلا أنه كان يكره الإكثار من روايته دون التثبت التام من صحة ما يرويه، وقد اقتفى نهج عمر رضي الله عنه في رواية الحديث الشريف، فكان يحذّر الناس ألا يكثروا من رواية الحديث دون علم كاف وتثبت حقيقي، ولا يكثروا من روايته، خشية انشغالهم به عن القرآن الكريم، ومع كراهة ابن عباس رضي الله عنه الإكثار من رواية الحديث، إلا أنه كان من الصحابة الستة المكثرين، حتى بلغت مروياته ألفاً وستمائة وستين حديثاً، اتفق البخاري ومسلم على خمسة وتسعين حديثاً، وانفرد البخاري بمائة وعشرين حديثاً، وانفرد مسلم بتسعة وأربعين حديثاً، وما تبقى روي في الكتب الأخرى من الحديث.