مظاهر عدل الله
تعريف العدل
العدل في اللغة: ضدّ الجور ، وهو القصد في الأمور، أما العدل في الاصطلاح فهو: الاستقامة على طريق الحق، واستعمال الأمور في مواضعها ومقاديرها، من غير إسرافٍ ولا تقصيرٍ، والله -عز وجل- اتّصف بالعدل، وسمّى نفسه -سبحانه- به؛ لنعرف طريق الحق والعدل، وتسود شريعة الله -تعالى- في أرجاء المعمورة، وخير من أقام العدل بين الناس هو نبيّنا الكريم محمد عليه الصلاة والسلام.
مظاهر عدل الله
إن العدل صفةٌ إلهية، قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّـهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ)، وقال الرسول -صلى الله عليه وسلم- فِيما رَوَى عَنِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أنَّهُ قالَ: (يا عِبَادِي إنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ علَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فلا تَظَالَمُوا)، ولعدل الله -تعالى- مظاهر كثيرةٍ لا تُعدّ ولا تُحصى، وسنذكر بعضاََ منها فيما يأتي:
- معاقبة المذنب وإثابة المؤمن: من العدل الإلهي معاقبة من كفر به، وجحد حقّه في العبودية، فالعبرة ليست بمحدودية الذنب، ولكن بعظمة من عصى وكفر به، ومن العدل كذلك إثابة المؤمن بالجنة .
- عدم مجازاة الناس بمجرّد علمه -تعالى- الأزلي: إن الله -تعالى- يعلم ما سيقع من عباده من الأفعال والأقوال، ولكنّه لم يحاسبهم على مجرّد علمه الأزلي قبل خلقهم، بل خلقهم وتركهم يعملون من خيرٍ أو شرٍ، وعلى ذلك سوف يحاسبهم في الآخرة.
- توزيع الأرزاق بين الخلق: إن الله -تعالى- وزّع بعدله الأرزاق على خلقه، لأنه -تعالى- يعلم أن من عباده لا يصلحه إلا الغنى، ولو افتقر لأفسد ذلك دينه، وكذلك يعلم أن منهم من لا يصلحه إلا الفقر، ولو اغتنى لكفر بربه.
- خلق كل شيء بمقدار: قال الله تعالى: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ)، فالعين ترى ما تحتاج إليه، والأذن لها عتبة لا تزيد ولا تنقص، وطول النهار متناسبٌ مع طاقة الإنسان، والله -تعالى- عادلٌ في أمره، فرض على عباده قدراً معيّناً من العبادات بما تستطيعه نفوسهم، فقد فرض عليهم خمس صلوات ، وصيام ثلاثين يوماََ.
- عدم تحمّل الإنسان ذنب غيره: فمِن عدله -تعالى- أنه لا يعاقب البريء على ما لم يفعل من السيّئات، ولا يعاقبه بذنب غيره، بل يجزي العبد بعمله، ويعذّبه بذنبه.
- تسخير الكون للإنسان: إن الله -تعالى- سخّر الكون وما فيه للإنسان؛ لمنفعته وتمكينه من الدور الذي خُلق لأجله، ألا وهو عبادة الله تعالى، وهذا من عدل الله -تعالى- أنه لم يترك الإنسان بلا عون، قال الله عز وجل: (وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ).
- خلْق الإنسان بأحسن صورة: إن الله -تعالى- خلق الإنسان بأبهى صورة، قال الله تعالى: (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ)، وذلك من العدل الإلهي؛ ليتمكّن الإنسان من القيام بمسؤوليّاته وتكاليفه الشرعية، فكل جارحةٍ وحاسةٍ للإنسان تتعلّق بها العديد من الواجبات، والمندوبات، والمكروهات، والمحرّمات، فالله -تعالى- فضّل الإنسان على غيره من المخلوقات، ليتحمّل ما كلّفه به من التكاليف الشرعية.
- الأمر بالعدل بين الناس: إن العدل مبدأٌ من مبادئ دين الإسلام الحنيف، فلا تقوم أمّةٌ إلا بالعدل، ولا تستقيم أمورها إلا من خلاله، قال الله تعالى: (وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّـهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ)، ومن العدل الإلهي أنه أمر بالعدل بين عباده، وإن كان على حساب الأحباب فالعدل واجبٌ، وما من شريعةٍ أنفى للعصبيّة والظلم من شريعة الإسلام، حيث قال الله تعالى: (وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى)، وأوّل من طبّق العدل هو نبيّنا صلى الله عليه وسلم، فقد كان عادلاََ مع الجميع سواء أكانوا مسلمين أم كافرين.
- تخيير الإنسان : إن من عدل الله -تعالى- أنه لم يجبر الإنسان أن يفعل أمراََ من أو يمنعه منه، بل الإنسان مخيّرٌ فيما كلّفه الله -تعالى- به لوجود الأمر والنهي في القرآن الكريم، فلا يأمرك الله ولا ينهاك إلا لأنّك مخيّرٌ، ولك أن تختار طريق الخير أو الشر.
فضائل العدل للمجتمع الإسلامي
إن الله -تعالى- عادلٌ، ومظاهر عدله كثيرةٍ ومتعدّدةٍ، وانعكس عدل الله -تعالى- على عباده، إذ أمرهم بالعدل في جميع شؤون حياتهم من ولادتهم إلى مماتهم، قال الله -سبحانه وتعالى- في كتابه الكريم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّـهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّـهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَن تَعْدِلُوا وَإِن تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّـهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا)، وللعدل فوائد جمّةٍ انعكست على المجتمع، وسنذكر منها ما يأتي:
- انتشار الأمن والأمان في البلاد، وشعور الأفراد بالاستقرار والطمأنينة، لأنه بالعدل يتم القضاء على المشكلات التي تنتشر بسبب الظلم.
- حصول الخير الكثير والبركة في البلاد، لأن الله -سبحانه وتعالى- يبارك في الأمة العادلة، ويفيض عليها بالخير والبركات، فالظلم أساس النقص والحرمان، وقد قيل في بعض الحِكم أنه ما أمحلت أرضٌ سال عدل السلطان فيها، ولا مُحيت بقعةٌ فاء ظلّه عليها.
- ظهور رجحان العقل به، حيث من كان عاقلاََ لا بد أن يتّخذ من العدل منهجاََ يسير عليه في الحكم بين الناس.
- دوام الدولة، فالملك لا يكون إلا بالعدل، بل هو الأساس والركن الرئيسي لمن أراد دوام ملكه، واستقراره في حكمه.
- نيل محبة الله تعالى، حيث من التزم أمر الله في العدل، كان جزاؤه محبة الله له في الدنيا والآخرة، وحصوله على الأجر العظيم، قال الله عز وجل: (وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ).
- سيادة التعاون والتماسك في المجتمع، لعدم وجود الظلم الذي يسبّب الضغينة والكراهية في النفوس.
- حصول التوافق والوئام بين الحاكم وشعبه.