مظاهر التجديد في شعر أبو تمام
مظاهر التجديد في شعر أبي تمام
اتخذت مظاهر التجديد عند أبي تمام أشكالاً مختلفة، وذلك على النحو الآتي:
التجديد في الشكل
أدرك أبو تمام أهمية الشكلة وبناء القصيدة وتحديداً ما لمطلع القصيدة من أهمية فراحَ يجدد وينوِّع في المطالع فيخفق حيناً وينجح حيناً ومن أمثلة هذا ما يأتي:
- مطالع شعرية استحسنها القدماء: كتب أبو تمام مطالع لقصائد استحسنها القدماء، ومن هذا خروجه عن عادة الشعر القديم في بدء قصائد المديح بالغزل ، فقد بدأ قصيدته في مدح المعتصم بمطلع فيه من الجزالة وإحكام اللفظ الشيء الكثير، قال فيه:
السيف أصدق إنباءً من الكتبِ
- في حده الحدُّ بين الجدِّ واللعب
ومن المطالع الأخرى المستحسنة عنده مطلع جمع فيه بين القديم والحديث، جعله مكوناً فيه من بيتين يؤكد الثاني فيهما الأول بما يشتمل عليه من التضاد فيقول:
من سجايا الطلول ألا تجيبا
- فصواب من مقلة أن تصوبا
فاسألنها واجعل بكاكَ جواباً
- تجد الشوق سائلاً ومُجيباً
- مطالع لم يستحسنها القدماء: من المطالع التي عابها النقاد ورأوا أنها لا تليق بشاعر كأبي تمام وكان انتقاده لهم كامناً في كونه بدأ مطلعه باستفهام وكان هذا مستهجناً في رأيهم، كما عيبَ عليه أن لفظة عوادي لا تكون قائمة بذاتها، والمطلع هو:
أهُنَّ عوادي يوسف وصاحبه
- فعزماً فقدماً أدرك السؤل صاحبه
التجديد في الموضوع
جدّد أبو تمام في الموضوعات الشعرية، حيث كتب في المواضيع القديمة بروح جديدة ومن هذه التجديدات عنده ما يأتي:
- التجديد في المدح: سلك أبو تمام في المدح مسلكاً غير مسلك القدماء، فاستخدم الصور المتحركة والرائعة والتي تكاد تتجلى لعين القارئ، ومن أمثلة هذا مديحه للمعتصم في قصيدة أقرب ما تكون إلى الملحمة يقول فيها:
غدا الملك معمور الحمى والمنازل
- منور وحفِّ الروض وعذب المناهلِ
بمعتصم بالله أصبح ملجأ
- ومعتصماً حرزاً لكل موائلِ
- التجديد في الرثاء: حوَّل أبو تمام الرثاء من رثاء ضعف إلى رثاء مدح وفخر وتعظيم، فهو يرثي الميت ويعظم من صفاته ويفاخر به، ومن مرثياته قوله في رثاء خالد بن يزيد الشيباني:
نعاء إلى كل حي نعاء
- فتى العرب احتل ربع الفناء
ألا أيها الموت فجعتنا
بماء الحياة وماء الحياء
- التجديد في الهجاء: جدَّد أبو تمام في الهجاء في كونه بدأ أحياناً بمقدمة طللية وهذا غير المتعارف عليه في الهجاء من البدء بالغرض مباشرةً.
- التجديد في الغزل: كان الغزل عند أبي تمام لا يعدو كونه مقطوعات من ثماني أبيات، وقد جدَّد فيه بما شاع في عصره من غزل بالمذكر، وحديثٍ عن الخمر والساقي وما إلى ذلك مما شاع في غزل ذلك العصر، ومن أمثلة شعر أبي تمام في الغزل وقد اشتمل على غزل بالمذكر قوله:
لو تراه يا أبا الحسن
- قمراً أوفى على الغصن
قمراً ألقت جواهرهُ
- في فؤادي جوهر الحزنِ
- التجديد في الوصف: كان الوصف في شعر أبي تمام مستقلاً بقصائد وأراجيز ومقطعات، وقد وصف النساء والحرب والخيل والشيب واحتضار الميت والغلمان وغير ذلك، ومن أمثلة شعر الوصف عنده قوله:
رقت حواشي الدهر فهي تمرمرُ
- وغدا الثرى في حليه يتكسرُ
نزلت مقدمة المصيف حميدةً
ويدُ الشتاء جديدةٌ لا تُكفرُ
- التجديد في الزهد: كان الزهد أصلاً من الفنون الناشئةِ الجديدة في العصر العباسي وقد كتب فيها أبو تمام فأجاد وأبدع ومن ذلك قوله:
أخاف إلهي ثمَّ أرجو نواله
- ولكن خوفي قاهرٌ لرجائيا
ثقافة أبي تمام وتأثيرها في شعره
كان أبو تمام ذو حصيلة ثقافية متنوعة وواسعة، كما كان ضليعاً في اللغة العربية وبصيراً بالشعر العربيِّ القديم ، حتى قال عنه الحسن بن رجاء: "ما رأيت قط أعلم بالشعر قديمه وحديثه من أبي تمام"، كما كان لأبي تمام اطّلاع واسع على علوم الأوائل من اليونان والفرس والهند، حتى أتقن علم الكلام وأصوله وفنونه وعرف معه كثيراً من الثقافات والملل والعقائد.
كلُّ هذا كان له أثرٌ في أشعار أبي تمام، بجعله يهتم ببنية القصيدة اهتماماً بالغاً، فينسجها تارةً على ما نسج عليه الأوائل ويتمرد على النمط تارةً أخرى فينسجها بطريقة تختلف عن المألوف والمعتاد، حتى جعل شعراء ونقاد عصره يعيبون عليه هذا أحياناً وقد امتدَّ تجديد أبي تمام من المطالع إلى الموضوعات.