مصادر الضوء قبل الكهرباء
الإضاءة الطبيعية
ظهر أول مصدر طبيعي للضوء في الكون بعد مرور 380,000 عام على حدوث الانفجار العظيم، عندما انفصلت جزيئات الضوء عن جزيئات المادة العادية لتغمر الإشعاعات الخلفية الكونية (بالإنجليزية: Cosmic Background Radiation) الكون بأكمله، وعلى مدى أزمنة كثيرة مر بها الكون، لم تتغير خصائص إشعاعات الخلفية الكونية سوى خاصية الطول الموجي، فقد انتقلت هذه الإشعاعات ببطء وبالتزامن مع توسع الكون، من الضوء الأصفر إلى إشعاع الميكروويف غير المرئي.
وظل ضوء النهار الطبيعي لعدة قرون طويلة هو مصدر الإضاءة الوحيد التي حظيت به الكرة الأرضية، وخلال هذه المدد الزمنية كان إيجاد المساحات الملائمة داخل الأبنية، وتصميم الأبنية بطريقة تضمن التوزيع الأفضل لضوء النهار للمبنى بأكمله أحد أهمّ الأولويات التي قامت عليها العمارة قديماً وحتى أواخر القرن التاسع العشر، ولعل من أشهر الأمثلة في تاريخ العمارة القديم على استغلال ضوء الشمس في المباني، معبد البانثيون في روما (بالإنجليزية: Pantheon)، وهو من المعابد التي شُيدّت في عهد الامبراطورية الرومانية، وتقوم فكرة تصميمه على وجود منفذ دائري للضوء في مركز قبته العلوية.
النار
منذ القدم وعلاقة الإنسان بموارد الطبيعة من حوله في تطور مستمر، فحاجة الإنسان المتزايدة للبقاء على قيد الحياة وتحسين حياته جعلته في حاجة مستمرة إلى تطويع الأشياء من حوله لما فيه مصلحته، لقد عرف الإنسان النار قبل وقت طويل من معرفته كيفية تسخيرها لأجل خدمته، فعندما كانت العواصف الرعدية تضرب الأرض وتندلع الحرائق في الغابات، كانت استجابة الإنسان لذلك تقتصر على اصطياد الحيوانات الفارة من النيران المشتعلة، أمّا الأرض التي اشتعلت فيها الحرائق، فقد كانوا يستدلون عليها لاحقاً عند انتهاء الحريق، وفيما بعد تعلم الإنسان كيفية السيطرة على الحرائق، وتوصل إلى إشعال النار باستخدام حجر الصوان عند احتكاكه ببعضه البعض، وتُظهِر سجلات العلماء أنّ أول من استطاع إشعال النار كان إنسان العصر الحجري الحديث منذ ما يُقارب 10,000 عام، والذي كان يُطلق عليه اسم أوتزي أو رجل الثلج أو رجل الجليد (بالإنجليزية: Otzi)، وقد استخدم إضافة إلى حجر الصوان كل من: الحجر الذي يحتوي على معدن البيريت (بالإنجليزية: Pyrite) ويُستخدم لإطلاق الشرارات، وبودرة الفطر المجفف كمادة للحريق، وغيرها.
ومن هنا بدأ فصل جديد في حياة البشرية، فقد بدأ الإنسان بطهي الحيوانات والنباتات واعتماد الطعام المطبوخ، والذي يحتوي على مجموعة من السعرات الحرارية الضرورية مما أدّى إلى تطوير الأدمغة البشرية بشكل مُلفت، أمّا الخشب فقد فكان أول مادة يستخدمها الإنسان للإضاءة، عندما أضاء المصباح باستخدام راتنج الصنوبر، وتمتاز مادة الراتنج بقابليتها العالية للإشتعال، وإضاءتها الجيدة، فيما بعد، عمل الرومان على إذابة القار على مجموعة من العصي وإضافتها إلى المصباح لجعلها أكثر قابلية للتحكم، كما توصل الإنسان إلى اختراع المَشعَل أو النِبراس (بالإنجليزية: Cresset) وهو عبارة عن وعاء معدني محمول يستخدم فيه الإنسان الخشب المعالج والقار (بالإنجليزية: Pitch) لإشعاله، واستخدامه، ومن ميزات النبراس أنّه يُمكن نقله من مكان إلى آخر، وفي العصور الوسطى أصبح القار المعالج من أشجار الصنوبريات تجارة تتحكم بها النقابات.
الشموع
يُنسَب إلى المصريين القدماء استخدامهم الشمع لأول مرة أي حوالي 3,00 عام قبل الميلاد، عندما قاموا بصناعة المشاعل (بالإنجليزية: Torches) التي تعتمد على تغطيس لب نبات القيصوب أو الغاب أو البردي أو البوص (بالإنجليزية: Reed) في دهون الحيوانات المذابة، وفيما بعد استخدم المصريون الشموع ذات الفتيلة، إلّا أنّ الفضل في تطوير الشموع يعود إلى الحضارة الرومانية في تطوير مبدأ الشمعة، حيث قاموا بتغطيس ورق البردي (بالإنجليزية: Papyrus) الملفوف في شحوم الحيوانات المذابة أو شمع العسل ، ليعتمدوا على مصدر الإضاءة الناتجة عن ذلك في إضاءة بيوتهم ومساعدة المسافرين ليلاً، وفي إقامة الطقوس الدينية.
وتُشير العديد من المصادر التاريخية إلى وجود العديد من الحضارات القديمة التي طوَّرت نوعاً من الشمع ذي الفتيلة والمصنوع من النباتات والحشرات، كما الحضارة الصينية المبكرة التي صنعت شموعاً خاصة بها اعتمدت في صنعها للشمع على خليط من حشرة محلية والبذور، بينما كانت الفتيلة عبارة عن ورق الأرُز الملفوف، وقد كانت الشمعة بأكملها توضع ضمن قالب ورقي، أمّا في الحضارة اليابانية، فقد كانت تتمذ صناعة الشمع من مكسرات الأشجار، وفي الهند كانت تُصنع الشموع من ثمار شجرة القرفة المغلية.
أمّا الحضارات الأوروبية المبكرة فقد اعتمدت على الشحوم الحيوانية في صناعة الشمع، وعلى زيت الحيتان لصنع شمع العنبرية أو ناطف الحوت أو سبيرماسيتي (بالإنجليزية: Spermaceti)، والذي كان أكثر قساوة من أنواع الشمع الأخرى، وقد شهدت العصور الوسطى تطوراً ملحوظاً في صناعة الشموع ، وذلك عندما اعتمدت أوروبا على شمع العسل كمادة للشمع بدلاً من الشحم الحيواني، فقد كان ناتج احتراق شمع العسل نظيفاً ونقياً ولا يُصدر دخاناً مع اللهب ويصدر منه رائحة طيبة لطيفة عند احتراقها، على عكس الشحوم الحيوانية التي كانت تُصدر رائحة كريهة وحادة، وقد كانت تُستخدم شموع العسل على نطاق واسع في الاحتفالات الدينية، أمّا فيما يتعلق بالسكان، فلم يكن بمقدور الكثير من ميسوري الحال شراء هذه الشموع؛ لأنها كانت باهظة الثمن، لذلك ظلت شمعة الشحم الحيواني هي شمعة المنزلية في أوروبا حتى القرن الثالث عشر، عندما أصبحت صناعة الشموع حرفة ضمن أعمال النقابات في فرنسا وإنجلترا.
ومع نهاية القرن التاسع عشر أصبحت الشمعة المصنوعة من شمع البارافين (بالإنجليزية: Paraffin Wax) هي الأكثر استخداماً بعد القيام تطويرات عديدة على فتيلة الشمع؛ وتتميز بأنّها رخيصة وعديمة الرائحة وموثوقة، وقد حظيت الشموع باستخدام واسع عند ممارسة العديد من الأنشطة العادية كتناول العشاء، ولعب الورق، وإعداد الطعام، وغيرها.
المصابيح الزيتية
اخترع الإنسان المَشعَل أو الموقد المركزي (بالإنجليزية: Central Burner) في القرن الثامن العشر، ويُعدّ تصميماً متقدماً في عالم الإضاءة والمصابيح في ذلك الوقت، فقد تضمن التصميم مكاناً محكم الإغلاق للوقود، بالإضافة إلى أنبوب معدني يُمكن من خلاله التحكم بمقدار احتراق الوقود وشدة الإضاءة الناتجة عنه، في الوقت ذاته تمّ إضافة مدخنة زجاجية صغيرة إلى تصميم المصابيح لحماية الشعلة والتحكم بمقدار الهواء الذي يصل إلى الشعلة، وفيما بعد عمل العالم الكيميائي السويسري ايميه ارغاند (Ami Argand) عام 1783م على تطوير مبدأ المصباح الزيتي بإضافة فتيلة دائرية مجوفة إليه محاطة بمدخنة زجاجية، وحتى أواخر القرن الثامن عشر، كان الوقود المُستخدَم في إضاءة المصابيح عبارة عن زيت الزيتون، وشمع العسل، وزيت السمك والحيتان، وزيت السمسم، وزيت الجوز، ومواد أخرى مماثلة، وفي عام 1853م قدم الألمان للعالم أول مصباح يعمل باحتراق الكيروسين، حتى بدأ العالم بأعمال التنقيب عن النفط عام 1859م، ثمّ انتشر استخدام مصباح الكيروسين بكثرة.
أضواء الغاز
كان معروفاً في القدم أنّ احتراق الفحم يُنتج غازاً قابلاً للاشتعال، وقد قام العالم ويليام مردوخ (بالإنجليزية: William Murdoch) بتجربة نظام عملي لتقطير غاز الفحم وتوزيعه لاستخدامه في الإضاءة، وعندما أثبت الغاز المحترق فعاليته في ذلك، وخلال الفترة الواقعة بين عامي 1805-1813م، عمل مردوخ على تطوير أنظمة عملية للإضاءة تعتمد على اللهب المضيء الناتج عن الغاز المشتعل، والذي يصدر عن أنبوب مجوف يمتد من مصانع الغاز وخزانات التخزين الخاصة بها إلى الشوارع، والمنازل، والمتاجر، وغيرها من الأماكن، وقد أثبتت الإضاءة بالغاز كفاءتها، فهي تُعطي إضاءة أفضل وإشراقاً أكبر، وقد أضحت بديلاً عن الإضاءة بالمصابيح الزيتية والشموع، إذ إنّها أسهل من حيث التشغل وأكثر أماناً، وتُوفر ما نسبته 75% من الطاقة المستهلكة من المصادر السابقة.
أول ضوء كهربائي
بدأ تاريخ المصابيح الكهربائية على يد الطبيب الإنجليزي السير همفري ديفي (بالإنجليزية: Humphry Davy) عام 1802م، عندما قام بتمرير تيار كهربائي عبر شريط بلاتيني، نتج عنه قدر بسيط من الإضاءة التي لم تدم طويلاً، وفي عام 1809م اخترع السير ديفي المصباح القوسي الكربوني (بالإنجليزية: Carbon Arc Lamp)، وتقوم فكرته على توصيل سلكين ببطارية من أحد طرفيهما، في حين تتصل الأطراف الأخرى للسلك بشريط من الفحم، وقد قام السير ديفي بتجربة هذا المصباح في المعهد الملكي لبريطانيا العظمى (بالإنجليزية: Royal Institution) في لندن، وعلى الرغم من أنّ هذا الإنجاز لقي ترحيباً كبيراً في المعهد الملكي، إلّا أنّ الإضاءة الناتجة كانت ذات وهج كبير أدّى إلى استهلاك كمية كبيرة من الطاقة واستنفاد البطارية سريعاً، مما جعله اختراعاً غير عملي ومكلفاً في ذلك الوقت، وقد أدّى التطور الكبير الحاصل في القطاع الكهربائي لاحقاً واختراع المولدات الكهربائية إلى جعل المصباح القوسي خياراً عملياً لإضاءة الشوارع والمسارح.
للتعرف أكثر على الكهرباء بشكل عام يمكنك قراءة المقال بحث عن الكهرباء