مراحل الميت في القبر
مراحل الميت في القبر
تُعدّ الحياة البرزخيّة أوّل مراحل الميّت في قبره، وتكون بعد دفن الميّت إلى وقت البعث والنُّشور، وهذه الحياة يمرُّ بها جميع البشر، لِقولهِ -تعالى-: (وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ)، والحياة البرزخيّة هي حياةٌ ثابتة، كما أنّها جزء من الآخرة ، فتكون بين الدُّنيا والآخرة، وسُميّت بالحياة البرزخيّة نسبة للبرزخ: وهو الحاجز أو الطّريق الذي يفصل بين زمانين أو مكانين.
ضمة القبر
يُقصدُ بضمّة القبر أو ضغطته: التقاء جانبيه على جسد الميّت، وجاء عن النسفيّ أنّ هذه الضمّة تكون من الأرض لأنّها أصلُهم وأُمُّهُم، ومنها خُلِقوا، فضمّتهم كضمّة الوالدة لولدها بعد غيابٍ طويل، فمن كان مُطيعاً لربّه؛ ضمّته برأفةٍ ورِفْق، ومن كان عاصيّاً؛ ضمّتهُ بعنفٍ وسخط، وتُعدّ ضمّة القبر من صفات القبر، فهي ليست من العذاب، وقد ثبتت ضمّة القبر في العديد من الأدلّة الشّرعية.
وتكون هذه الضمّة بعد وضع الميّت في قبره، ولا ينجو منها أحدٌ من البشر، سواءً كان مؤمناً أو غير مؤمنٍ، وجاء في بعض الأحاديث بتسميتها بالضّغطة، كما جاء في حديث النبيّ -عليه الصّلاةُ والسّلام-: (إنَّ للقبرِ ضغطةً لو كان أحدٌ ناجيًا منها نجا سعدُ بنُ معاذٍ)، فقد أخبر النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- أنّه لو كان أحدٌ سينجو منها لنجا سعد بن مُعاذ -رضيَ الله عنه- الذي اهتزّ لموته عرش الرحمن، وكذلك القاسم ابنه.
فتنة القبر وسؤال الملكين
يُقصد بفتنة القبر : سؤال الملَكين للإنسان في قبره، وهذا السؤال يكون لجميع البشر، وليس خاصّاً بِأُمّةٍ من الأُمم، وهذين الملَكين هُما مُنكر ونكير، ويسألان الميّت ثلاثةٌ أسئلة؛ عن ربّه، ودينه، ونبيّه، وجاء في بعض الرّوايات أنَّ الشّهيد لا يُفتن في قبره، قال رسول الله: (كفَى ببارقةِ السُّيوفِ علَى رأسِهِ فتنةً)، ويكون السؤال بإعادة الرّوح إلى الجسد، وتكون غير الإعادة المألوفة التي تكون في الدُّنيا، كما ثبت سؤال الملَكين في الكتاب، والسُّنة، وإجماع الأُمّة، فمن الكتاب كقوله -تعالى-: (يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ)، ومن السُنّة قولُ النبيّ -عليه الصّلاةُ والسّلام-: (إنَّ العَبْدَ، إذا وُضِعَ في قَبْرِهِ، وتَوَلَّى عنْه أصْحابُهُ، إنَّه لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعالِهِمْ قالَ: يَأْتِيهِ مَلَكانِ فيُقْعِدانِهِ فَيَقُولانِ له: ما كُنْتَ تَقُولُ في هذا الرَّجُلِ).
فجاء في الحديث السّابق أنّ الميّت يسمع قرع النّعال، وفي هذا دلالة على اتّصال الرّوح بالجسد، ولكنّ هذا السّمع لا ينتفع به الميّت، لِما جاء عن أنس بن مالك -رضيَ الله عنه- في قول النبيّ -عليه الصّلاةُ والسّلام- عندما وقف عند قتلى بدر من المشركين فقال: (يا أَبَا جَهْلِ بنَ هِشَامٍ، يا أُمَيَّةَ بنَ خَلَفٍ، يا عُتْبَةَ بنَ رَبِيعَةَ، يا شيبَةَ بنَ رَبِيعَةَ، أَليسَ قدْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا؟ فإنِّي قدْ وَجَدْتُ ما وَعَدَنِي رَبِّي حَقًّا، فَسَمِعَ عُمَرُ قَوْلَ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فَقالَ: يا رَسولَ اللهِ، كيفَ يَسْمَعُوا وَأنَّى يُجِيبُوا وَقَدْ جَيَّفُوا؟ قالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بيَدِهِ ما أَنْتُمْ بأَسْمع لِما أَقُولُ منهمْ، وَلَكِنَّهُمْ لا يَقْدِرُونَ أَنْ يُجِيبُوا. ثُمَّ أَمَرَ بهِمْ فَسُحِبُوا، فَأُلْقُوا في قَلِيبِ بَدْرٍ)، ويكون اتّصال الرّوح بالجسد ليقع عليهما النّعيم أو العذاب.
نعيم القبر
ثبتت الحياة في القبر أو حياة البرزخ وما فيها من النّعيم أو العذاب في الكِتاب و السُنّة، ويكون النّعيم والنّجاة لِمَن أجاب عن سؤال الملَكين، وأمّا العذاب فيكون لمن لا يجيب على سؤالهما، وهذا النّعيم أو العذاب يكون على الرّوح والجسد تبعاً لها، وعقيدةُ أهل السُنّة والجماعة على أنّ القبر أول منازل الآخرة، ومن نجا من عذابه فقد نجا من عذاب الآخرة، ومن فاز بنعيمه فاز بنعيم الآخرة، ويستمرّ هذا النّعيم ولا يتوقّف إلى قيام الساعة.
عذاب القبر
ثبت بالتّواتر المعنويّ عن النبيّ -عليه الصّلاةُ والسّلام- أنّ القبر قد يكون حُفرةً من النّار، وجاءت الكثير من الأدلّة التي تُثبت وُقوع عذاب القبر على من يستحقّه، كقولهِ -تعالى-: (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ)، ويكون ذلك قبل يوم القيامة ؛ أي في القبر، ويقع العذاب على الكافر حتّى وإن لم يُدفن، وسُمّيَ بعذاب القبر؛ لأنَّ الغالب على الموتى أنّهم يُدفنون فيه، ويأتي للظّالم والكافر، والمُنافق، من حرّ جهنّم وعذابها ما يسوؤهم، ويُضيّق عليهم في قُبورهم، ويكون هذا العذاب بعد سؤال الملكين، ويقع العذاب على الرّوح والبدن، وقد يحصل للرّوح مُنفردةٌ عن البدن، ويوم القيامة يكون على الرّوح والبدن جميعاً، فيحرص المؤمن على أن يستعيذ بالله -تعالى- من فتنة القبر وعذابه.