مدينة مدريد
تسمية مدينة مدريد
يتبيَّن بالرجوع إلى أصل كلمة مدريد (بالإنجليزيّة: Madrid) بأنّها ذات أصلٍ عربي؛ إذ إنّ أجزاءً من إسبانيا كانت تحت الحكم العربي الإسلامي لمئات السنين، لكن يوجد العديد من الآراء حول تسمية مدينة مدريد بهذا الاسم؛ فيرى البعض أنّ هذا الاسم يعود إلى القرن الثاني قبل الميلاد؛ حيث تمّ تسمية مستوطنة رومانيّة باسم ماتريس بعد تأسيسها على طول نهر ماتريس أثناء احتلال الرومان لتلك المنطقة، وبالرغم من أنّ الرومان هم أوّل من سمّى المدينة اسم ماتريس، إلّا أنّ هذه الكلمة في الأصل تعود إلى وقت ما قبل الإسلام والتي تعني الماء.
انتقلت المنطقة بعد الفترة الرومانيّة لتصبح بيد القوط الغربيين والقبائل البربرية وفي النهاية انتقلت إلى الموريون، ووفقاً للبعض فإنّ الموريون هم من سمّوا المدينة خلال القرن الثامن، نسبةً إلى نهر مانزاناريس؛ الذي كان يسّمى بنهر المغريت، والذي يعني مصدر المياه باللغة العربية، وبعدها تمّ تسمية المنطقة المحيطة باسم ميريت، والتي تعني الماء أو مُعطي الحياة في اللغة العربية، ثمّ تم تغيير الاسم إلى مجريت، والتي تعني مكان الماء في اللغة العربية، وبعدها تطوّر الاسم ليصبح ماتريت ثم في النهاية مدريد، ويُعدُّ هذا الرأي من أكثر الآراء قبولاً؛ إذ إن اسم ماتريت لا يزال موجوداً في اللغة الإسبانية إلى الآن.
يوجد بعض النظريات التي تُشير إلى أنّ اسم مدريد قد يكون ذا أصلٍ لاتينيّ، وهو في الأصل (باللاتينية: Ursaria) والذي يعني أرض الدببة في اللغة اللاتينية؛ حيث تمّ تسميتها بهذا الاسم بسبب قُربها من العديد من الغابات التي كانت تُعدُّ موطناً للدببة في ذلك الوقت، ومع مرور الوقت تغيّر هذا الاسم إلى مدريد وفق مراحل غير واضحة، لذا تُعدُّ هذه النظرية غير منطقية ولا يتم الاعتماد عليها غالباً، وتُشير نظريةٌ اخرى إلى أنّ تلك المدينة أسسها أوكنو بيانور (بالإنجليزية: Ocno Bianor)، وهو ابن ملك توسكان وزوجته مانتوا؛ حيث سمّى المدينة باسم مانتوا كاربيتانا، وبعدها مرَّ هذا الاسم بتطوّراتٍ عدّة خلال مراحل طويلة لتصبح المدينة في النهاية تُسمّى بمدينة مدريد.
الموقع والمناخ في مدينة مدريد
تقع مدينة مدريد في وسط إسبانيا ،ويسودها مناخٌ شبه استوائي دافئٌ معتدل، كما أنّها تتمتّع بمناخٍ جافٍّ جداً بسبب وقوعها فوق هضبة مرتفعة وسط إسبانيا، وهي إحدى أكثر المواقع المشمسة في أوروبا؛ حيث تتراوح ساعات سطوع أشعة الشمس فيها من 2,000 إلى 3,000 ساعة سنويّاً؛ أي ما يزيد عن الضعف عند مقارنتها مع شمال أوروبا، وعموماً يكون فصل الصيف فيها مشمساً وحاراً وجافاً.
يكون فصل الشتاء في مدينة مدريد بارداً جداً ومصحوباً برياحٍ حادة؛ حيث يتراوح متوسط درجة الحرارة من 5 إلى 24 درجة مئوية خلال شهر تشرين الأول، وتمتاز مدريد بمعدّلٍ قليلٍ من هطول الأمطار؛ حيث إنّ متوسط كمية الأمطار السنوية يبلغ ما يُقارب 420ملم، وعادةً يحدث تساقط الأمطار خلال فصليّ الربيع والخريف، أمّا في فصل الشتاء فتكون السماء صافية معظم الوقت، ويتراوح متوسط هطول الأمطار بين أقلّ من 11ملم في شهر تمّوز ويصل إلى حوالي 50ملم في شهر تشرين الأول، والذي يشهد في العادة أكثر كميةٍ من الأمطار خلال السنة، ويكون الجوُّ معتدلاً خلال فصليّ الربيع والخريف.
السكان في مدينة مدريد
تطوَّرت مدينة مدريد بشكلٍ متسارعٍ بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية في عام 1945م، واستمرَّت بالنمو حتى أواخر القرن العشرين، وقد كان من المتوقَّع أن تستقرَّ الأرقام السكانية بعد أن أظهرت انخفاضاً طفيفاً في أوائل التسعينات من القرن الماضي، وبكثافةٍ سكانية تبلغ 13,419 لكل 1.6 كيلو متراً مربعاً، وبشكلٍ عام فإن حوالي 23% من السكان تقلُّ أعمارهم عن 20 عامًا، و11.3% تزيد أعمارهم عن سن 60 عاماً.
يُشكِّل الإسبان ما نسبته 84% من سكان المدينة، ويمثل القشتاليون الكاثوليكيون الذين عاشوا في وسط إسبانيا الوسطى لعِدة قرون أغلبية سكانها، كما يعيش بها الإسبان الآخرون مثل الأندلسيين، والجاليجوس، والكاتالونيين، وتُشكِّل الجنسيّات الأخرى أكثر من 16% من السكان، ويُبيّن الجدول الآتي أكبر الجنسيّات المهاجرة الموجودة في مدريد؛ وذلك وفقاً لإحصائيات عام 2020م:الجنسيّة المهاجرة | عدد الأفراد |
الإكوادوريّة | 104,000 |
الرومانيّة | 53,000 |
البوليفيّة | 44,000 |
الكولومبيّة | 36,000 |
البيرويّة | 35,000 |
الصينيّة | 35,000 |
المغربيّة | 33,000 |
الدومينيكانيّة | 20,000 |
البرازيليّة | 15,000 |
الباراغواييّة | 14,000 |
- 28.4% في يوسيرا (بالإنجليزيّة: Usera).
- 27% في سنترو (بالإنجليزيّة: Centro).
- 23% في كارابانتشيل (بالإنجليزيّة: Carabanchel).
- 22% في حي تطوان (بالإنجليزيّة: Tetuan).
اللغة والديانة في مدينة مدريد
تعدُّ اللغة الإسبانية والتي تُعرف أيضاً باسم الإسبانية القشتالية اللغة الرسمية والوطنية في إسبانيا وبالرغم من ذلك فإنّ اللغة الإنجليزيّة أيضاً تنتشر على نطاقٍ واسعٍ في مدريد، وتنتشر الديانة المسيحية الكاثوليكية في المدينة؛ حيث إنّ أكثر من 90% من سكان مدريد يعتنقون الديانة الكاثوليكية.
الاقتصاد في مدينة مدريد
يعتمد اقتصاد مدينة مدريد على العديد من القطاعات، وتُعدُّ الصناعة من أهم تلك القطاعات؛ فمدينة مدريد تُعدُّ ثاني أكبر مركزٍ صناعي في مملكة إسبانيا بعد مدينة برشلونة ، وهي تشتمل على العديد من الصناعات؛ كالمعدّات الكهربائية، والسلع الجلدية، والآلات الزراعية، والطائرات؛ كما يُعدُّ قطاع السياحة عنصراً مهماً لدعم الاقتصاد فيها، إضافةً لدور قطاع الزراعة في الاقتصاد من خلال زراعة المنتجات الزراعية كالقمح، والكروم، والزيتون.
أمّا قطاع الخدمات فهو يشكّل حوالي أربعة أخماس العمالة فيها، وتُعدُّ مدينة مدريد واحدةً من أهم مراكز النشر لمواد اللغة الإسبانية ومركزاً للنقل في البلاد، كما أنّها تُعدُّ مركز الحكومة الوطنية والتمويل والتأمين، وهي مركز سوق الأوراق المالية الإسبانية.
تعدُّ مدريد إحدى أكثر الأسواق ازدحاماً في أوروبا؛ فهي تتمتّع بموقعٍ استراتيجيٍّ يضمُّ سوقاً يتَّسع لعددٍ كبيرٍ من الأشخاص يصل إلى حوالي 1,300 مليون شخص؛ لذا استطاعت مدريد السيطرة على الأسواق الأيبيرية في البرتغال وإسبانيا، وشمال إفريقيا، وأوروبا، وهي تُعدُّ أفضل منطقةٍ في أوروبا لإدارة الأعمال مع أمريكا اللاتينية.
التعليم في مدينة مدريد
يُقسَّم التعليم في إسبانيا إلى عِدّة مستويات وهي: التعليم الابتدائي، والمستوى الثاني، والمستوى الثالث، والجامعة أو كما تسمّى بالتعليم الإضافي، ويشمل التعليم في إسبانيا النظام المدرسي الممول من الدولة أو كما يُعرف بالتعليم الحكومي، والتعليم الخاص الذي يدعم النظام المدرسي الحكومي؛ فهو يضمُّ العديد من المدارس الأجنبية والدولية، ومعظم تلك المدارس نهارية ومختلطة يدرس بها حوالي ثلث الأطفال الإسبان.
أمّا التعليم الحكومي فهو مجاني، لكن لا بدّ من دفع ثمن الكتب واللوازم المدرسية، ورسوم الأنشطة اللامنهجية مثل الرياضة، والحرف اليدوية، والفنون، وتكون مسؤولية التعليم الحكومي على وزارة التعليم والعلوم، وأحياناً يُمكن تفويضه إلى الحكومات الإقليمية.
يُعدُّ التعليم الأساسي في مدريد تعليماً إلزاميّاً، وهو يبدأ من سن السادسة في المدراس الابتدائية، ويستمرُّ حتى سن السادسة عشرة، ويحصل الطلاب على شهاداتٍ تحدِّد مسارهم التعليمي مستقبلاً وبعدها يلتحق الطلاب الراغبون بإكمال دراستهم في مدارس ثانوية عُليا من أجل الحصول على شهادة الثانوية أو قد يلتحقون بمدارس مهنية لمدَّة سنتين أو ثلاث سنوات للتدرّب على مهنةٍ محدَّدة.
وتضمُّ مدريد العديد من أهم الجامعات في إسبانيا ومنها: جامعة كومبلوتنسي، وجامعة مدريد التقنية، وجامعة مدريد المستقلة، والجامعة الوطنية للتعليم عن بعد أو ما يعرف باسم الجامعة المفتوحة.
الفن في مدينة مدريد
تضمُّ مدريد العديد من المتاحف الفنية التي تحتوي أعمالاً فنية تعود إلى العائلة المالكة الإسبانية التي حكمت إسبانيا لمئات السنين، كما تضمُّ ثلاثةً من أفضل المعارض الفنية التي تحتوي على أعمالٍ لأشهر الفنانين في العالم؛ كالفنان بيكاسو ، كما تشتمل على المعارض الموزّعة على طول شواطئها، بالإضافة إلى ذلك يوجد بها بعض المواقع التي ما زالت تحتفظ بلوحاتٍ للفنان غويا موجودة في مكانها الأصلي، ومعرضاً مخصَّصاً للوحات الفنان خواكين سورويا؛ الذي يُعدُّ أحد أهم الرسامين في إسبانيا، وتُشكّل جميع تلك الأعمال الفنية إرثاً يمتدُّ عبر أجيالٍ من الفنانين الإسبان؛ لذا تُعدُّ مدريد واحدةً من عواصم الفن العريقة في العالم؛ حيث إنّها تستقطب الرسامين العظماء من جميع أنحاء أوروبا والذين كان لهم دورٌ مهم في إعداد مجموعة من الروائع الفنية.
الرياضة في مدينة مدريد
يمكن الاستمتاع بالعديد من الأنشطة الرياضية في مدينة مدريد في الهواء الطلق، بسبب طقسها المناسب لذلك، ومن الأنشطة الرياضية المشهورة فيها هي رياضة التنس، وسباق السيارات، وكرة السلة، والكرة الطائرة، بالإضافة إلى رياضة كرة القدم؛ حيث يقع مقر نادي كرة القدم ريال مدريد في هذه المدينة،
تعدُّ سباقات الخيل من الأنشطة المهمَّة في مدينة مدريد، ويتم إقامة العديد من مسابقات الخيل التي يُمكن الاستمتاع بمشاهدتها، كما تعدُّ رياضة الجولف من الأنشطة المهمة في مدريد أيضاً، ويُمكن اعتبارها بأنّها أعظم منتجات السياحة الرياضية في إسبانيا، وهي الوجهة الأساسية للأسواق الأوروبية الرئيسية، وتُعدُّ مدينة مدريد المنطقة الثالثة من حيث عدد ملاعب الجولف في إسبانيا، حيث تضم 34 ملعباً للجولف.
السياحة في مدينة مدريد
تمتاز مدينة مدريد بنشاطها وحركتها المرورية المستمرة؛ إذ تكثُر فيها المعالم الثقافية، كما أنّها تضمُّ العديد من الحدائق الجميلة والعديد من الأماكن السياحية التي يُمكن زيارتها والاستمتاع بها، ويبين الآتي أهم المعالم السياحية الموجودة في مدريد:
- متحف برادو الوطني: (بالإنجليزيّة: Prado Museum)، يتكون متحف برادو الوطني من ثلاثة طوابق وأكثر من 100 غرفة تُستخدم لعرض المجموعات الفنية، وهو يضمُّ اللوحات الإيطالية، والفرنسية، والبريطانية، والفلمنكية، والألمانية؛ أي ما يزيد عن 5,000 لوحةٍ تعود غالبيّتها إلى الفترة التي تتراوح بين القرن الثاني عشر وحتى أوائل القرن التاسع عشر، كما يضمُّ المنحوتات الإيطالية الكلاسيكية الجديدة.
- منتزه بوين ريتيرو وقصر كريستال: تمّ إنشاء منتزه بوين ريتيرو (بالإنجليزيّة: Buen Retiro Park) في القرن السابع عشر للميلاد، وقد كان في الأصل حديقةً خصبة تقع وسط مدريد بعيداً عن الشوارع المزدحمة، وقد كانت تبلغ مساحتها 1.2 كيلو متراً مربعاً، ويمتاز هذا المنتزه بمناظره الطبيعية الجميلة، بالإضافة إلى أنه يضمُّ مسبحاً في وسطه وحديقة ورود، ويوجد فيه قصر كريستال (بالإنجليزيّة: Crystal Palace) وهو مكان رائع يضم نافورةً، ومسبحاً، ومعارض فنية.
- القصر الملكي والحدائق: (بالإنجليزيّة: Royal Palace and Gardens)، يُطل هذا القصر الملكي الفخم على حدائق فخمة بدورها، وقد تمّ بناؤه في القرن الثامن عشر في عهد فيليب الخامس فوق منحدرٍ حاد من الجرانيت وحجر الكوليمار الأبيض، وهو يضمُّ أعمدةً أيونية وأعمدةً دورية في واجهته النيوكلاسيكية، كما يتميّز بأرضياتٍ رخاميةٍ مزخرفةٍ بشكلٍ معقد، ويضمُّ العديد من التحف واللوحات الجدارية، وتماثيل الملوك الإسبان التي تُزيّن درابزين الدرج، ويمثّلُ بتصميمه هذا النسخة الإسبانية من قصر فيرساي .
- الميدان الرئيسي: (بالإنجليزيّة: Plaza Mayor)، يعدُّ الميدان الرئيسي ساحةً أنيقةً بُنيت خلال القرن السابع عشر بأمرٍ من فيليب الثالث، بهدف التجارة، والحياة البلدية، وكمكان لمصارعة الثيران، وللاحتفال بالأحداث المهمة كإعلان ملكٍ جديد وغيرها من الأنشطة، وفي عام 1970م تمّ التعديل على مظهرها بعد تعرُّضها لحريق كبير، وقد تمّ بناء المقاهي والمطاعم فيها والتي لا زالت حتى هذا اليوم مكاناً مهماً للتجمّعات والتنزُّهات.
- بويرتا ديل سول: (بالإسبانية: Puerta del Sol)، شهِدت هذه الساحة الكبيرة العديد من الأحداث التاريخية؛ كالمقاومة الإسبانية لنابليون في عام 1808م، أمّا الآن فقد أصبحت مكاناً ملائماً للاستمتاع والتجوّل، وهي تُعدُّ من أكثر الساحات حيويةً في مدريد، وتضمُّ العديد من المقاهي، والمحلات التجارية، كما أنّها تُعد مركزاً لوسائل النقل العام؛ فهي تضمُّ العديد من محطّات الحافلات ومداخل المترو، وهي أيضًا نقطة الصفر كيلومتر أي المنطقة التي يتم عندها قياس جميع المسافات على شبكة الطرق الوطنية الإسبانية.