متى وقعت غزوة خيبر
غزوة خيبر
غزوةُ خيبر هي إحدى أكثرِ الغزواتِ الإسلاميّةِ الفاصلةِ التي خاضها المسلمون في عهدِ رسولِ اللهِ محمّد صلّى الله عليه وسلّم، وقد وقعت هذه الغزوة بين المسلمين ويهود خيبر، حيثُ حاصرهم المسلمون في حصونهم عدّةَ أيامٍ، حتّى تمكّنوا من فتحِ جميعِ الحصون رغمَ معاناتهم ومكابدتهم في هذهِ الغزوة، فمتى وقعت غزوةُ خيبر، وما سببُ وقوعها، وما هي نتائجها؟
وقت وقوع غزوة خيبر
اختلفت الروايات في تاريخِ غزوةِ خيبر، وفيما يأتي بيانُ تلكَ الآراء حولَ تاريخ وقوعها:
- قال ابن إسحاق: إنَّ غزوة خيبر قد وقعت في شهرِ محرّم من السنة السابعة للهجرة .
- قال الواقدي: إنَّ وقوعَ غزوة خيبر كان في شهر صفر، أو في شهرِ ربيع الأول من السنة السابعة للهجرة، بعدَ عودةِ المسلمين من صلحِ الحديبية .
- قال ابن سعد: إنَّ غزوة خيبر كانت في شهرِ جمادى الأولى من السنة السابعة للهجرة.
- قال الإمامان الزهريّ ومالك : إنَّ غزوة خيبر كانت في شهر محرَّم من السنةِ السادسةِ للهجرة، فقد خالف أصحابُ هذا القول غيرَهم من العلماء في كون غزوة خيبر وقعت في السنة السادسة للهجرة، وليس في السنة السابعة للهجرة.
- قال ابن حجر العسقلاني : إنَّ غزوة خيبر كانت في شهرِ محرّم من السنة السابعة للهجرة.
سبب غزوة خيبر
عزمَ رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- على الاقتصاصِ من اليهودِ الذين تآمروا عليه، ولم يقبلوا بدعوةِ الحقِّ، فعاندوا واستكبروا عن الدخولِ في الإسلامِ ، وقد كانوا مركزاً للاستفزازاتِ العسكريّةِ، فيهود خيبر هم الذين حرَّضوا على الحربِ ضدَّ المسلمين، وحزَّبوا الأحزابَ ضدَّهم، وأثاروا يهودَ بني قُرَيظة، وحرَّضوهم على الغدرِ بهم، وقد تآمروا مع المنافقين ، وكانوا على اتصالٍ مع أهلِ غطفان وأعرابِ البادية، وبسببهم وقعَ المسلمون في محَنٍ متواصلةٍ.
وقد حاول يهود خيبر اغتيالَ الرسولِ -صلى الله عليه وسلم- بعد أن حاكوا الخطط لذلك، لذا أطاحَ المسلمون ببعضِ رؤوسِ هؤلاء المُتآمرين، مثل: سلام بن أبي الحُقيق، وأسير بن زارم، وعندما انتهى المسلمونَ من مجابهةِ قريش، وأمِنوا مكرَهم، وكان ذلك في صلحِ الحديبية، أراد الرسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- أن يُحقِّق الأمن والسلام للمسلمين؛ حتى يتفرّغوا لنشرِ الدعوةِ الإسلامِية للنّاسِ، لذا أعلن رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- الحرب على يهودِ خيبر، فكانت غزوةُ خيبر.
نتائج غزوة خيبر
أثّرَ نصرُ المسلمينَ في غزوة خيبر على قبائلِ الجزيرةِ العربيّة، وبخاصّةٍ على قبيلةِ قريش التي أُصيبت بالغيظ والكآبة، فالنَّصرُ الذي حقّقهُ المسلمون في فتحِ خيبر بحصونها المنيعة، وقلاعها العظيمة، وجنودها الأشدّاء، يُعدّ نصراً عظيماً، ممّا دفع قبائل الجزيرةِ العربيّة لأن تُسالمَ المسلمينَ وتودّهم، بعدَ أن أيقنت أنَّه لا جدوى من الاستمرارِ في عدائهم، والبقاء في حلفِ قريش؛ فسارعت هذه القبائلُ إلى إعلانِ إسلامها وتحالفها مع المسلمين، ممّا أدّى إلى نشرِ الإسلامِ في شتّى أنحاءِ الجزيرةِ العربيّةِ، وعزَّز مكانةَ المسلمين أكثرَ فأكثر، كما تحسّن وضعهم الاقتصادي، ولم يتوقّف الأمر عند هذا الحدّ، بل استمرَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بعثِ السَّرايا بعد غزوة خيبر، وأمّر عليها كبار الصحابةِ رضيَ اللهُ عنهم.
غزوة خيبر دروس وعِبر
إنَّ لغزوةِ خيبر العديد من الدروسِ التي يُمكنُ للمسلمينَ الاستفادةُ منها في سائرِ الأوقاتِ والأزمانِ، ومن أهمِّ الدروسِ المستفادة من غزوةِ خيبر ما يأتي:
- الصفةُ الملازمةُ لليهودِ في سائر الأوقاتِ والأزمانِ هي الجُبن والضّعف، مهما ظهرت قوَّتهم وكثُرت عُدَّتهم وعتادهم وأعدادهم، وقد ظهرَ ذلك في القوة العظيمة التي احتوتها حصونُ خيبر، والمنَعة الشديدة، والتحصُّن بالقلاع، إلّا أنّهم جبنوا أثناء مواجهةِ المسلمين وقتالهم، فقاتلوا من داخلِ الأسوارِ والحصونِ والجدرانِ، ومع كلِّ هذا قُتِل منهم ثلاثة وتسعونَ مقاتِلاً، بينما لم يستشهد من المسلمينَ سوى عشرون رجلاً فقط، مع أنَّ المسلمين كانوا يقاتلون في أرضٍ مكشوفةٍ دونِ حصونٍ أو أسوارٍ، وقد صدقَ الله تعالى حينَ وصفَ اليهود في كتابهِ العزيز، حيثُ قالَ: (لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُم بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ)
- مهما تكن قوّة الطرف الآخر، فلا بُدَّ منَ الإيمانِ بأنَّ النصرَ من عندِ اللهِ تعالى، ويظهرُ ذلكَ في تحصُّنِ يهودِ خيبر الشديدِ، وكثرةِ عُدّتهم وعتادهم، فقد كانت أرضُ خيبر أرضاً واسعةً، وذات واحاتٍ خصبةٍ، يكثرُ فيها النّخيل، وكانت خيبر مُقسَّمة إلى ثلاثِ واحاتٍ قتاليّةٍ محصّنةٍ، قال الله -تعالى- في كتابهِ العزيز: (وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ).
- حدثَت في غزوةِ خيبر العديد من المعجزاتِ التي تؤيّدُ صدقَ نبوّةِ محمّد -صلى الله عليه وسلم- وأنَّه نبيٌّ مرسَلٌ من عندِ الله تعالى، إذ شافى اللهُ -سبحانهُ وتعالى- عليّاً بن أبي طالبٍ -كرَّم الله وجهه- من الرَّمد الذي كانَ في عينيه، بعدَ أن تَفِلَ فيهما النبيُّ صلى الله عليه وسلم؛ حيث ورد في صحيحِ البخاري عن رسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- أنّه قال: ((لأُعطِيَنَّ الرَّايَةَ غداً رجلاً يَفتَحُ اللهُ على يديهِ)، قال: فباتَ الناسُ يدوكونَ ليلتهم أَيُّهُم يُعطاها، فلمَّا أَصبَحَ الناسُ غَدَوا على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، كلُّهم يرجو أن يُعطَاهَا، فقال: (أينَ علِيُّ بنُ أَبي طالِبٍ؟) فقالوا: يَشتَكِي من عينيهِ يا رسولَ اللهِ، قال: (فأرسلوا إليه فأتُوني به)، فلمَّا جاءَ بصَقَ في عينَيهِ ودَعَا لَهُ، فَبَرَأَ حتى كأَن لم يكن بهِ وجعٌ، فأعطاهُ الرايةَ، فقال عليٌّ: يا رسولَ اللهِ، أُقاتلهم حتّى يكونوا مثلنا؟ فقال: (انفُذ على رِسلك حتى تنزلَ بساحتِهِم، ثمَّ ادعُهم إِلى الإسلامِ، وأخبرهم بما يجب عليهم من حقِّ اللهِ فيه، فواللهِ لَأَن يهدي اللهُ بكَ رجلاً واحداً خيرٌ لكَ من أن يكون لك حمرُ النِّعم)).