ما هي ميتة السوء
ما هي ميتة السُّوء
مِيتة السُّوء بكسر الميم: هي ما تُعدُّ عاقبته غير محمودةٍ، وتأخذ طابعاً سيّئاً مؤلماً، ولها العديد من الأشكال عند الموت ؛ كأن يكون الإنسان في نعمة تُنسيه شكر الله -تبارك وتعالى- وتلهيه عن القيام بما أمر الله -تعالى- به، أو موت الغفلة والفجأة، وغير ذلك، وقال العلماء: "ما استعاذ منه النبي صلى الله عليه وسلم ـ كالهدم والتردي والغرق والحرق، وأن يتخبطه الشيطان عند الموت، وأن يقتل في سبيل الله مدبرا"، فمِيتة السُّوء هي حال الإنسان التي لا تسُّر عند قدوم أَجَله ممَّا يصيبه من الآلام والأوجاع التي تجعله غافلاً عن ذكر الله -عز وجل-، وعرّف العلماء أيضاً ميتة السُّوء بسوء الخاتمة والعاقبة.
أسباب ميتة السُّوء
هناك عدَّة أسباب تؤدّي بالإنسان إلى ميتة السوء، نورد منها ما يأتي:
- التَّعدي على الحقوق وظلم النَّاس ، والتَّسبب بإيذاء غيره.
- نسيان شكر الله -تبارك وتعالى- على نعمة الإيمان.
- ترك الصَّلاة التي تُعدّ عمود الدِّين.
- الانحراف في الاعتقاد؛ فإن اعتقد اعتقاداتٍ باطلةٍ وكان مُتَيقِّناً لا يشكّ فيما يعتقده، ففي سكرات الموت يظهر له الحقُّ متجلِّيا فيرى خطأ اعتقاده، والتَّوبة آنذاك لن تنفع، فيؤدي به إلى سوء العاقبة ويدخل في قول الله -تعالى-: (وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّـهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ)، وقوله -تعالى-: (قُل هَل نُنَبِّئُكُم بِالأَخسَرينَ أَعمالًا* الَّذينَ ضَلَّ سَعيُهُم فِي الحَياةِ الدُّنيا وَهُم يَحسَبونَ أَنَّهُم يُحسِنونَ صُنعًا)، فلا ينفع الإنسان سوى إيمانه بالله -عزَّ وجل- واعتقاده الصَّحيح.
- الاستمرار على المعاصي، فإنَّ ما يفعله الإنسان ويكثر منه في حياته ويعتاد عليه قد يكون على حاله عند موته، سواءً كان من الطَّاعات أم من المعاصي، فالذي يقوم بارتكاب المعاصي ويُصرُّ عليها ولا يتوب منها حتى غلبت هذه المعاصي على طاعاته، فإنَّها تشكِّل خطراً عليه حين موته، فقد يستحضرها قلبه في سكراته وتكون سبباً لسوء عاقبته.
- الرُّجوع عن الاستقامة؛ فإن كان الشّخص من أهل الصَّلاح ثمَّ انقلب حاله وصار من أهل المعاصي، فإن ذلك قد يكون سبباً في سوء خاتمته.
- ضعف الإيمان وحبُّ الدُّنيا والإقبال عليها، فإن أقبل القلب على حبِّ الدُّنيا قلَّ إقباله على الله -تعالى-، فأقدم على المعاصي، واتَّبَعَ شهوات نفسه، وانطفأت في قلبه أنوار الإيمان، وبقِيَ على هذه الحال حتى اقترب أجله وصار في سكرات الموت، فيرى في تلك اللحظة أنَّ نجاته في الإقبال على ربِّه لكنَّ قلبه قد تعلَّق بالدُّنيا، فلا انفكاك ولا مفرَّ منها، فيموت على هذا الحال من سوء العاقبة.
- المماطلة في التَّوبة التي تأتي من وساوس الشيطان للإنسان، فيوهمه أنّ العمر أمامه والوقت طويلٌ، وأنَّه لو تاب الآن ثمَّ عاد إلى ارتكاب الذَّنب فلن يتقبَّل الله -عزَّ وجل- توبته مرَّةً أخرى، ثمَّ يغترُّ بصحَّتهِ وشبابه فيؤجِّل التَّوبة إلى أن يصير في سنِّ الخمسين وما بعده، ولكنَّ التَّوبة إلى الله -تبارك وتعالى- واجبةٌ وفي كلِّ لحظةٍ، عملاً بقول الله -تعالى-: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّـهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)، فهذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي غَفَرَ الله -تبارك وتعالى- له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخَّر كان يتوب إلى الله -تعالى- في اليوم مئة مرَّة كما ورد في الحديث: (تُوبُوا إلى اللهِ، فإني أتوبُ إليهِ كلَّ يَوْمٍ مِائةَ مَرَّةٍ).
- طول الأمل؛ فالشَّيطان يوسوس للإنسان بأنَّ العمر أمامه ما زال طويلاً ولا بدَّ له من أن يسعى لتحقيق آماله، فينشغل بذلك وينسى الموت والآخرة، وإذا تذكَّرهما تناساهما؛ لأنَّهما يعكِّران عليه حياته، وقد حذَّر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من ذلك فقال: (لا يَزالُ قَلْبُ الكَبِيرِ شابًّا في اثْنَتَيْنِ: في حُبِّ الدُّنْيا وطُولِ الأمَلِ)، مع ضرورة التَّنبيه إلى أنَّ الأمل سرُّ السَّعادة في الدُّنيا، والمذموم فيه هو الانشغال به للدرجة التي تجعل الإنسان يصل فيها إلى نسيان الآخرة، والتعلُّق الشَّديد بالدُّنيا.
- الإقبال على المعاصي وحبِّها والاعتياد عليها، فإنَّ حبّ الإنسان للمعصية وتعلُّقه بها يجعلها تأتيه ويستحضرها في سكرات موته، وإن أتى إليه أهله لتلقينه الشَّهادة طغت المعصية عليها فتكلّم بما يتعلَّق بها، ومعلومٌ أنَّ الإنسان يُبعث على ما مات عليه، ويموت على ما عاش عليه.
- الانتحار؛ فالمسلم أمره كلُّه خير إن أصابته ضراء فصبر واحتسب كان له أجرها، وإن جزع وكان اختياره أن يتخلَّص من الحياة بالانتحار فقد اختار طريق المعصية، وقد روى جندب -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: (كانَ فِيمَن كانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ به جُرْحٌ، فَجَزِعَ، فأخَذَ سِكِّينًا فَحَزَّ بهَا يَدَهُ، فَما رَقَأَ الدَّمُ حتَّى مَاتَ، قالَ اللَّهُ تَعَالَى: بَادَرَنِي عَبْدِي بنَفْسِهِ، حَرَّمْتُ عليه الجَنَّةَ).
ما يدفع ميتة السُّوء
أرشدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى عدَّة أُمورٍ تقي الإنسان من مصارع السُّوء، نوردها فيما يأتي:
- الصَّدقة أهمّ الأسباب التي تُنجي صاحبها من سوء الخاتمة وتحميه من غضب الله -تعالى-، فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (الصَّدقةُ تُطفئُ غضَبَ الرَّبِّ وتدفَعُ مِيتةَ السُّوءِ)، وإنَّ غضب الله -عزَّ وجلَّ- على الناس بسبب أفعالهم هو الذي يجلب المصائب والمصاعب والبلاء، فإن لم يكن من الله -عزَّ وجل- غضبٌ على عبده ورضي عنه فقد أبعده عن المصائب المؤدّية لسوء الخاتمة.
- صلة الرَّحم ؛ بدليل حديث رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (منْ سرَّه أنْ يُمدَّ له في عُمُرِه ويُوسَّعَ له في رزقِه ويُدفَعَ عنه مِيتةُ السوءِ فليتَّقِ اللهَ ولْيَصِلْ رحِمَه).
- تقديم الخير للنَّاس بما يساعدهم على تفريج همومهم وتنفيس كربهم، ومن أثره على حياة المسلم أنَّ الله -تعالى- يختم له بالخاتمة الحسنة فيحظى بأحسن عاقبة، فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (صنائعُ المعروفِ تقي مصارعَ السوءِ).